"يصعب العيش في مخيّم عين الحلوة"، هذا ما يردّده بعض الذين لجأوا إليه هرَباً من المشكلات، ليجدوها قد لحقت بهم إلى عقر دارهم. يصعب العيش في مخيّم عين الحلوة والمتشدّدون الإسلاميون يفرضون الحربَ على الجميع، ففي المخيّم الكلّ مدعوّون إلى الحرب، أو بالأحرى مجبَرون عليها.
بين قنبلة تُرمى من هنا، ورصاصٍ يتطاير من هناك، تحوّلَ المخيّم إلى جحيم بدأَت نيرانه تهدّد محيطه أيضاً. أمام هذا الواقع توجَّه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان لمناقشة هذا الملف، بعدما وصلت الأمور إلى حدّها عند الطرف اللبناني.
فكان له "استقبال" سهّلَ على الأخير الاستفاضة في التفسير، فما فاجأ عباس في عين الحلوة لدى دخوله لبنان كان كافياً، وما مِن كلمة تصفُه أدقّ من "كارثي". وفي هذا الإطار كشفَ مصدر معنيّ ومتابعٌ الملفَّ الفلسطيني لـ"الجمهورية" كواليسَ اللقاءات بين الطرفين.
رسائل مبطّنة
إذا كان الجانب اللبناني قد فرَض على أجندة عباس، أن يكون الوضع الأمني داخل المخيمات الفلسطينية أولويةً في المباحثات إلى جانب مسألة التوطين المبدئية والحاضرة دائماً، فقد فرَضت المجموعات المتطرّفة في المقابل، وتلك الموجودة في مخيم عين الحلوة تحديداً، وجودَها، وساهمَت في وضعِ هذا الموضوع أولويةً، إذ تزامنَت الزيارة مع مجموعة عمليات لها طابعٌ أمنيّ، أو حوادث أمنية متفرّقة كانت بمثابة رسائل بدأت منذ اليوم الذي أُعلن فيه عن الزيارة مع محاولة اغتيال المسؤول الأمني في السفارة الفلسطينية، وهو مسؤول عن ملفات حسّاسة، وأكملت عشية الزيارة وفي اليوم الذي وصَل فيه عباس، وبلغت ذروتَها آخر 24 ساعة حين تحوّلت إلى اشتباكات قوية.
وإذا كان همُّ عباس أو أحاديثه قد تركّزت على موضوع التوطين والسلاح الفلسطيني وغيرها، كان همُّ الجانب اللبناني الوضعَ داخل المخيمات، خصوصاً عين الحلوة، لذا كما سبقَ وذكرَت مصادر لـ"الجمهورية"، قُدِّمت اللوائح التي حُضّرت، ونوقشَت المواضيع بالتفصيل عن حركة قياداتٍ لها علاقة بـ"فتح" تساهم في "دعم" المجموعات الإرهابية من خلال تسهيل خروج قادتها ودخولهم وتنقّلِهم داخل المخيم، وأكّد الجانب اللبناني أنّ استقالة اللواء منير المقدح من قيادة القوّة المشتركة ورغم أنه فعَلها من باب الابتزاز، إلّا أنّها فرصة لـ"فتح" لتعيد تنظيم صفوفها وتنظّم قوّةً
مسؤولة عن أمن المخيّم، إذ لن يقبل بالأمن الذاتي كما حصل في الأسبوع الأخير حيث فرَضت كلّ مجموعة أمنَها على المناطق المسيطرة عليها، وبلّغَ الجانبُ اللبناني عباس أنّه في حال عجزت "فتح" عن هذه المهمة فإنّ الجيش جاهز، خصوصاً وأنّ حركة شعبية في المخيم طالبَته في فترةٍ سابقة بالتدخّل، وتشير المصادر إلى أنه تقدّمَ طرحٌ بإنشاء قوّة أمنية تكون عندها حواجز مشتركة على مداخل المخيّم مع الجيش، وهو ما رفضَته القيادة اللبنانية رفضاً قاطعاً.
ونُقل إلى عباس أنّ حركة "فتح"، بحسب التقارير اللبنانية، تعاني ضعفاً كبيراً، وهناك خطر في حالِ اندلاع صراع، بأن يسيطر الإسلاميون على المخيّم، خصوصاً أنّ المعارك الأخيرة تزامنَت مع زيارة زوجة محمود دحلان إلى المخيم، ومعروفٌ أنّها تأتي تحت حماية "اللينو" الذي خرج من "فتح"، فاستفاد الإسلاميون من نقاط الضعف في الحركة والناتجة عن الانشقاقات الكثيرة.
أسماء تخطّط
الوضع في المخيّم أصبح خطيراً، خصوصاً بعد عملية "الكوستا" التي تبيّنَ مِن خلالها أنّ كلّ مجموعات الشيخ الموقوف أحمد الأسير التي اختفَت في فترةٍ من الفترات أعادت تنظيمَ صفوفها ووزّعت عناصرَها إلى مجموعات أمنية لتقومَ بنشاطات، فيما قيادتُها تتمركز في عين الحلوة وتُوزّع أوامرَها من هناك بارتباط مباشَر مع الرقة بعدما بايعَت "داعش"، وهناك أسماء تُخطط لتنفيذ عمليات، وخلايا يتمّ تحريكها.
وطلبَ الجانب اللبناني، في حال لا يريد الفلسطينيون دخولَ الجيش وإعادةَ نكبة نهر البارد، تشكيلَ قوّة أمنية تكون مسؤولةً تجاه الدولة، على أن تضرب بيدٍ من حديد وتأتي بكلّ المطلوبين، وهو أمرٌ يعني الطرفَ الدوليّ كذلك والأوروبّيين بالتحديد خوفاً منهم على أمن قوّاتهم الموجودة في الجنوب والتي تشكّل صيدا الشريانَ الأساسي لتحرّكِهم بين بيروت وجنوب الليطاني.
أمّا الرد الفلسطيني فكان بالعموميات، إلّا أنّ الظاهر أنّ عباس كلّفَ عزام الأحمد متابعة وضعِ آليةٍ معيّنة مع الجانب اللبناني لضبط الوضع، حيث يكون للفلسطينيين كلمةُ الحسم داخل المخيم، إذ إنّ الجيش مصِرٌّ على أنه في حال لم يحلَّ الفلسطينيون الوضعَ فإنه سيتدخّل.
إلى ذلك، هناك حديث أساسي عن مسؤولية القيادات الفلسطينية داخل المخيم، والتي سمحَت بدخول لاجئين فلسطينيين من مخيّمات سوريّة حاملين فكرَهم المتطرّف، وشكّلوا لهذه المجموعات بيئةً حاضنة، والأخطر أنه داخلَ المخيم أصبحت هناك خلطةٌ عجيبة من المجموعات الإسلامية، من "النصرة" و"داعش"، مجموعات بلال بدر، مجموعات أسامة الشهابي وغيرها، والهمُّ الأساس هو عدم تحويل المخيّم إلى ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، علماً أنّه يمكن للجيش في أيّ ساعة أن يدخل إليها كونها أرضاً لبنانية.
بيروت في خطر؟
أمّا في موضوع اللاجئين فقد نوقشَ ملفّ التوطين، رغم إدراك الجميع بأنّ الحلّ ليس لبنانياً، لذلك طُلب إجراء إحصاء حول اللاجئين الفلسطينيين الآتين من سوريا ليَخرجوا من المخيمات التي ما عادت تحمل، خصوصاً بعد ظهور مؤشّرات بتكوّنِ مجموعاتٍ في بيروت مشابهة لتلك الموجودة في عين الحلوة، وهو أمرٌ خطير.
وفي الوقت الذي كان اللاجئون ينتظرون أن يزورَهم عباس، اعتذرَت السفارة لأسباب أمنية واكتفى باستقبال مشتركَين في برنامج فنّي أثناء وجوده في بيروت، وهو ما أثار نقمةَ اللاجئين الذين كانوا يودّون أن يعاينَ أوضاعَهم على الأرض.
من جهته، أصرَّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على موضوع الأمن داخل المخيّم، إذ إنّه في بداية الحرب خدمَ في هذه المنطقة ويعرف تفاصيلها، فضلاً عن أنّ الملف الذي كان في حوزته وحضّرَته الأجهزة الأمنية كان كاملاً ومفصّلاً، وفيه وثائق بالصوت والصورة عن بعض الأمور، كما قدّم الجانب اللبناني خريطةً بالتفصيل لكيفية توزُّعِ مناطق النفوذ في المخيّم وقادة المجموعات وعددها إضافةً إلى تسليحها.
ربى منذر - "الجمهورية" - 27 شباط 2017
إرسال تعليق