0
اللقاء بين سامي الجميل ودوري شمعون، لا يستمدّ حضوره من ألق العلاقة التاريخيّة ما بين الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، ولا ينغرس رصينًا في تربة المدى المسيحيّ ولا المساحة الوطنيّة. فلقد صور اللقاء بينهما على أنه محاولة تكوين جبهة اعتراضيّة، وليس واضحًا بعد توجّه الجبهة الثنائيّة بين حزبين أخرجا نفسيهما من الحاضر والمستقبل وفصلاها عن التاريخ حين كانت الكتائب والأحرار تملكان القدرة على التأثر والتأثير وتحركان الجبهة اللبنانيّة مع بيار الجميل وكميل شمعون وكان معهما قبل مجزرة إهدن الرئيس الراحل سليمان فرنجيّة.

تقول أوساط مسيحيّة، ليس المدى المسيحيّ حكرًا على أشخاص أو أحزاب يشخصنونه ويختصرونه بهالاتهم. وبطبيعة الأحوال من شأن هذا المدى أن يقبل التنوّع في بنيته. القضيّة غير محصورة بالتنوّع فهو مطلوب، ولكن من شاء التنوّع عليه أن يصوغ المضمون السياسيّ، فتنتمي الصياغة بدورها إلى واقع شعبيّ، إما يأتي منها أو هي تأتي منه، في حين أنّ لقاء سامي ودوري خلا من مضمون محدِّد للتوجهات والآفاق في المسرى الاعتراضي أو في جوهر المعارضة للقاء بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، وفي الميزان الشعبيّ، فمن يسير على الأرض يجب أن يشعر بارتياح بسبب اندماجه بالأرض طبيعة وبشرًا، فالمناخ أو الوجدان المسيحيّ بأكثريته المطلقة مشدود إلى اللقاء والتحالف بين القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحرّ، وقد أفضى إلى انتخاب العماد ميشال عون كرئيس قويّ جاء من قلب هذا الوجدان، وعبّر عنه تعبيرا صادقًا وواضحًا، وتضيف تلك الأوساط في معرض حديثها أنّ أحدا لم يخرج الكتائب اللبنانيّة كحزب عريق من المعادلات السياسيّ، بل هو من اخرج نفسه بفعل مجموعة معارضات عشوائيّة لم تنتمِ في هيكليّتها إلى الواقعيّة السياسيّة في امتدادتها الطبيعيّة.

لا تعبّر مأزوميّة الكتائب والأحرار عن مظلوميّة لحقت بهما أو عانا منها. أزمة الكتائب والأحرار، أزمة خطاب سياسيّ يبيت في ماضويات عقيديّة سحيقة وقد أمست عقيمة ومسدودة الآفاق، حتى ظهر البون شاسعًا بين الجمهور والقيادة في كل من الحزبين، وتشير تلك الأوساط، إلى أنّ الحزبين المتلاقيين خاويا الوفاض، يحتاجان للخروج من شرانق كثيرة لا يزالان سكنى حروفها الضيقة التي في حقيقة الأمر لا تمتّ إلى الواقع وجوهره بصلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تبيّن الأوساط مكامن العطب في الخطاب السياسيّ، فترى فيه جمودًا في مسائل تخصّ واقع المسيحيين في لبنان والمشارقة، والجمود عينه ينساب إلى عناوين أساسيّة وجوهريّة لم يتمّ التعاطي معها بحركيّة وعناية فائقة إسقاطًا للنتائج التي بلغتها المرحلة الراهنة، فيقف الحزبان عند مسألة سلاح الحزب في اللغة عينها بلا مقاربات يفترض أن تمتاز بشيء من المرونة والسيولة في الموقف، ولا يكتشف المرء حضورًا على مستوى تكثيف القراءة الاستراتيجيّة فيما خصّ لبنان بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، وتأثير الحرب السوريّة بنتائجها بالداخل اللبنانيّ بل بالمنطقة، لا ترى مقاربة واضحة ونوعيّة على مستوى قراءة الحزبين لقانون انتخابات فينتاب المرء إحساس دفين بأن الضبابية سيدة الموقف، ويسير كلاهما بفتور كبير، بلا برودة أو سخونة، وينطبق على ذلك قول سفر الرؤيا «كن باردًا أو ساخنًا ولا تكن فاترا لأنّ الفاتر أتقيّأه من فمي».

وفي حقيقة الأمور وبناء على الأوساط، فإن مأزومية الحزبين تختصر بثلاثة أمور:
1-أزمة خطاب مفقود، فالتطلّع بلا لغة لا صورة له ولا حضور ولا بهاء. فكلّ تطلّع يحتاج إلى لغة، وكلّ لغة تحتاج إلى رؤى، وكلّ رؤى إلى قواعد فكريّة متحركة في آفاق المستقبل. ولذلك فإن قيادة الحزب سواء في الكتائب والأحرار ليس عندها ما تقوله أو تظهره في المدى السياسيّ اللبنانيّ سوى تكرار الماضي في الحاضر، وجذبه إلى معارضة عبثيّة لا طائل تحتها.

2-أزمة القاعدة، وتسأل القيادة عن القاعدة الحزبية وأين حراكها، وتعطي مثالاً عن ذلك، قضية النفايات بحيث تبين أنّها لم تجذب القاعدة بكثافة للاعتصام أمام مكبّ برج حمود، كما أنّه لم تبلغ تلك المعركة مراميها وأهدافها. فلو كانت القاعدة الكتائبيّة ومن دون مقاربات على مستوى قواعد لتيار الوطنيّ الحرّ أو القوات لكانت كسبت في معاركها. لقد فقدت الحيثيّة وهذا عائد إلى عدم تحديد أهداف جاذبة للناس، وذا بدوره ما ينطبق على حزب الوطنيين الأحرار.

3-أزمة قيادة، ممّا لا شكّ فيه أنّ الكتائب والأحرار يعانيان أزمة قيادة غير متفاعلة مع القاعدة الحزبية ولا حتى مع المكتب السياسيّ وبخاصّة في الكتائب. ويعتقد مصدر كتائبيّ بأن للأزمة جزئين:

-الجزء الأوّل أن الحزب جاء من تكوين عائليّ له وليس من تكوين ديموقراطيّ، فالشيخ بيار المؤسّس ظلّ رئيسًا حتى توفاه الله، ومن بعده ورث أمين قيادة الحزب، إلى أن عاكسته الظروف السياسيّة ونفته إلى الخارج، وحين خرج الحزب من السيطرة العائليّة وترأسه الدكتور جورج سعادة ثمّ منير الحاج والدكتور إيلي كرامة ثمّ كريم بقرادوني، فتحت العائلة المؤسسة الحرب عليه ليعود من بعدها إلى أحضانها، وهذا ليس بسبب الخيارات السياسيّة بل بسبب أنّ العائلة تراه إرثا عائليّا خاصّا بها. وبعد استشهاد بيار، وقد كانت الآمال معقودة عليه، أمسك الرئيس الجميّل بالحزب، وقاده بصورة واعية على الرغم من أي خلاف قد يثار معه، وحين قرّر التنازل بالرئاسة لمصلحة سامي لم يسر الحزب نحو التمأسس والوثبات كما تمّ الوعد، وهذا بدوره أخرج الحزب من التاريخ. تلك الأمور لا تنطبق على حزب الأحرار فدوري شمعون لا يزال على رأس الحزب بلا تغيير، وقواعده أمست متنازعة مشلّعة بكل ما للكلمة من معنى.

-الجزء الثاني، أن الحزب لم يتحوّل إلى مؤسسة حزبيّة لها آفاقها التغييريّة مع الشيخ سامي. وتظهر بعض الأوساط امتعاضا كبيرا من بعض سلوكياته، وتسجّل أن سجعان قزّي كان جريئًا في موقفه الأخير، وقد وضعت خانة خروجه بانه يشتهي أن يبقى في الوزارة، وفي حقيقة الأمر أن خروج سجعان من الكتائب عبّر عن جرح كبير يعيشه عدد كبير من أعضاء المكتب السياسيّ الكتائبيّ، فيبدو سيرج نادر مع الاحترام الكامل له الناطق الأوّل للحزب، فيما المفترض أن للحزب مفكرين كبارًا يتقدمون على سيرج بحسب أوساط كتائبيّة، وليس على سيرج نادر سوى التبرير بحماسة لا تدنيه من القاعدة بل لا تحركها.

يروي بعض من يعايشون الحقبة، أنّ الرئيس امين الجميل غير موافق على سلوكيات ابنه سامي، وقد حاول غير مرّة الدخول على الخطّ للتصويب والتحديد من غير الوصول إلى نتائج. ويعتقد الرئيس الجميل بأن الخلاف مع القوات اللبنانية لا طائل فيه وهو مختلق لأجل لا شيء، وقد نبّه القيادة إلى ضرورة تحاشيه وتفاديه لأنه سينعكس سلبًا على القاعدة القواتيّة في نظرتها إلى الكتائبيين، في حين أن المطلوب البلوغ نحو تأمين قواعد متلاحقة مع التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة حفاظًا على الوجود. وتقول الأوساط إن المفكر الكتائبيّ العريق جوزف أبو خليل يشاطر بحدود واضحة رؤية الرئيس الجميل، ولا يبدي حماسة لما يحصل الآن، في حين أن نائب الرئيس الدكتور سليم الصايغ يعلو صوته مدافعًا عن اللقاء بين الكتائب والأحرار وهو العارف بثقافته العالية جدًّا وقراءته الهادئة بأنّ الأفضل كان الوصول إلى تفاهم مع القوات اللبنانية والتيار الوطنيّ الحر، وقد تبين أن دفاعه عن الحزب لا يملك القناعة الواضحة.

اللقاء بين الكتائب والأحرار يعبّر عن مأزومية ذاتية وبنيويّة وهو خال من أهداف أو مواد. وتنهي الأوساط قراءتها، بالتالي: بدلاً من الالتهاء بلقاءات لن تنتج شيئًا الأفضل الانكباب على الحوار مع التيار والقوات فاللقاءات من شأنها أن تساهم في بلورة الأمور ضمن قوة المسيحيين كمكوّن تاريخيّ للبنان. هذا لقاء يعبّر عن صراخ وليس عن حركة.

جورج عبيد - "الديار" - 15 كانون الثاني 2017

إرسال تعليق

 
Top