0
لم يكن السبت يوماً عادياً. كانت الأجهزة الأمنية تترقّب عملاً انتحارياً، بعد انذارٍ تلقته يُفيد عن احتمال تنفيذ خلايا متشددة مرتبطة بتنظيم «داعش» تفجيرات ضد أهداف مدنية.
لم يكن الهدف محدّداً أو واضحاً. الخشية كانت عامة، إلا أن «بيكار» الاستهداف حُصِر بثلاث مناطق: وسط المدينة، الجميزة والحمرا، ولا سيما أنّ استخبارات الجيش كانت قد أوقفت نهار الجمعة الشاب بلال ش. في وادي خالد، الذي اعترف بأنّه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية ضد أهداف في لبنان. الموقوف الذي قضى سنتين في سجن رومية المركزي لارتباطه بـ«الأمير العسكري» لـ«النصرة» في الشمال أسامة منصور، أبلغ المحققين أنّه بايع لاحقاً تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة، وأنّه تواصل مع قيادي في الرقة يبلغه بنيته تنفيذ عملية انتحارية في سوريا، غير أنّ الأخير أشار عليه بتنفيذها في لبنان، وتحديداً في العاصمة بيروت. وطلب إليه الانتظار لتحديد الهدف وتسليمه حزاماً ناسفاً. وهكذا كان، غير أنّ استخبارات الجيش تمكنت من توقيفه قبل تنفيذ العملية وضبطت متفجرات لديه. توقيف بلال ش. لم يرفع الخطر. كان التهديد لا يزال قائماً.
ترافق ذلك مع «رأس خيط» كانت تتابعه استخبارات الجيش يتعلّق بانتحاري محتمل قد يتحرّك لتنفيذ عمليته في بيروت. أصل المعلومة حصلت عليه استخبارات الجيش من فرع المعلومات. جرت «مقاطعة» المعلومات والتنسيق في هذا الخصوص. الرصد التقني كان دليل المحققين. كان ضباط الاستخبارات قد حصلوا على رقم هاتف الانتحاري المفترض، لكنّ هويته كانت لا تزال مجهولة. جرى تعقّبه تقنياً منذ بداية النهار، لكن لم يكن هناك إمكانية لتوقيفه في المرحلة الأولى. فقد كان المشتبه فيه «يختفي» بإطفاء هاتفه من حين إلى آخر، ما يُضيِّع أثره. لكن عناصر مجموعة القوة الخاصة في فوج المكافحة في مديرية استخبارات الجيش قرروا نصب أكثر من كمين، أحدها كان في منطقة الكولا، فيما الآخر في مقهى الكوستا في الحمرا. انتظره عناصر القوّة الخاصة في المقهى، علماً بأنّ هذه المجموعات تلقت تدريبات على توقيف الانتحاريين. ولدى دخول الانتحاري إلى المقهى، لم يتعرّف إليه أفراد المجموعة. مكث لدقائق، كان فيها مربكاً قبل أن يخرج ليجري اتصالاً. أجرى اتصالين، فكان ذلك كفيلاً بكشفه. إذ تمكن فريق الرصد التقني من تحديد الهدف فور استعماله هاتفه. أُبلغت المجموعة الكامنة في الداخل ليُحدّد الهدف بـ«علامة فارقة». وبعدما حاول الدخول مجدداً، تم الإطباق عليه. أوقف بطريقة مباغتة من قبل أفراد المجموعة الذين حرصوا على تثبيت يديه لمنعه من تفجير نفسه، فيما تولّى اثنان منهم ضربه على رأسه لإفقاده وعيه. لماذا لم يُفجّر الانتحاري نفسه فور دخول المقهى؟ تردّ المصادر الأمنية بأنّه فوجئ بعدد زبائن المقهى الذي كان قليلاً. وبحسب المصادر، كان عمر العاصي ينتظر اكتظاظ المقهى برواده لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا. وأفاد أحد العاملين في الـ«كوستا» بأن العاصي دردش معه عن العمل، وسأله عن «ساعة العجقة».
تردد أن العاصي مكث ليلة في مخيم برج البراجنة، لكنّ المصادر الأمنية نفت ذلك، مؤكدة أنّه لم يدخل الضاحية الجنوبية لبيروت أصلاً، إنما انطلق من صيدا متوجّهاً إلى بيروت. وبعد توقيفه، جرى دهم منزله في شرحبيل في صيدا. فأوقف شقيقاه وشخصان كانا عندهما في المنزل للتحقيق في احتمال تورطهم معه. كما صودر جهاز كمبيوتر من منزله. وقد تبيّن أنّ العاصي من جماعة الأسير، علماً بأنّه سبق أن أصيب في اشتباكات وقعت في عام ٢٠١٣ في صيدا. وقد ظهر في مقطع فيديو تزوره النائبة بهية الحريري للاطمئنان إلى صحته.
لم ينتهِ التحقيق مع العاصي بعد. المعلومات الأولية تُفيد بأنّ الموقوف عبّر عن عدم ندمه على تخطيطه لاستهداف المدنيين بعملية انتحارية، وأبلغ المحققين أنّه على استعداد لإعادة الكرّة إنّ قُدِّر له ذلك، قائلاً لهم: «لست نادماً. بعملها مرة تانية».

رضوان مرتضى - الاخبار 23 كانون الثاني 2017

إرسال تعليق

 
Top