0
ودّع الرئيس باراك أوباما الاميركيين في خطاب اتسم بنبرة متفائلة بمستقبل الولايات المتحدة وان شابها بعض الحزن على الفرص التي فاتت، وعلى ما كان يمكن انجازه في بلاد أظهرت الانتخابات الاخيرة عمق الانقسامات السياسية والقيمية فيها. الخطاب الذي القاه اوباما في مدينته شيكاغو أمام أكثر من 20 ألف شخص كان من جهة احتفالاً بانجازاته الداخلية والخارجية، وتحذيرا للاميركيين من خطر التقاعس في الدفاع عن القيم الديموقراطية وخطر ظاهرة القادة الاوتوقراطيين الذين يحكمون سيطرتهم على عالم متغير، في انتقاد ضمني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الخطاب تضمن انتقادات ضمنية لخلفه دونالد ترامب جاءت في سياق حديثه عن مكافحة الارهاب في اطار قانوني أقوى، ونبذ التعذيب والعمل على اقفال معسكر غوانتانامو وتحسين القوانين المتعلقة بأعمال الرصد لحماية الخصوصية والحقوق المدنية، "ولهذا أرفض التمييز ضد المسلمين الاميركيين وهم وطنيون مثلنا". وحذّر اوباما من خطأ الانسحاب من المواجهات الدولية الكبيرة من أجل توسيع رقعة الديموقراطية وحقوق الانسان. ورأى ان مكافحة التطرف والمذهبية هي جزء من الصراع ضد الاستبداد والعدوان القومي. وأضاف ان النظام العالمي الذي بنته الولايات المتحدة وشركاءها الديموقراطيين بعد الحرب العالمية الثانية وفقا لمبادئ سلطة القانون وحقوق الانسان وحرية العبادة والتعبير والتجمع، هذا النظام يتعرض للتحدي الان. أولاً من المتعصبين العنيفين الذين يدعون انهم يتحدثون باسم الاسلام، وثانيا من "الاوتوقراطيين في العواصم الاجنبية الذين يرون في الاسواق الحرة في الديموقراطيات المفتوحة والمجتمع المدني ذاته خطراً على سلطتهم".
كلام جميل. لكن المشكلة هي ان أوباما نفسه لم يمارس ما يبشر به الآن. وفي كل المواجهات المبدئية التي خاضها في السياسة الخارجية كان يتراجع: طلب تجميد الاستيطان الاسرائيلي لكنه اضطر الى التراجع في وجه تصلب بنيامين نتنياهو. طالب الاسد بالتنحي ولكن من غير ان يحدد ما الذي سيفعله اذا رفض الاسد ذلك. وفي وجه احتلال شبه جزيرة القرم وضمها الى روسيا، رفض تسليح الاوكرانيين لممارسة حقهم المشروع في الدفاع عن النفس. تردد اوباما في ممارسة قيادة قوية حيال الاسد في 2012 و2013 ساهم في اقناع بوتين بأن احتلال شبه جزيرة القرم لن يؤدي الى عواقب وخيمة.
لكن سوريا تشكل الاخفاق الاكبر لاوباما في السياسة الخارجية. والاخفاق ليس سياسياً وعسكرياً، بل هو بجوهره اخفاق اخلاقي. وعود بالتسليح والتدريب للمعارضة، إما كانت ناقصة وإما غير جدية. الفراغ الذي خلّفه في سوريا، جاءت روسيا لتملأه عسكرياً. خلال حقبة أوباما أصدقاء أميركا في المنطقة وخارجها لم يكونوا يثقون بها، وخصومها لا يخافونها.

هشام ملحم - النهار 12 كانون الثاني 2017

إرسال تعليق

 
Top