0
اعتبر الرئيس نجيب ميقاتي أن "أهمية اتفاق الطائف - الميثاق أنه أعاد، بالتوافق، توازنا بين جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بعيدا من الأرقام والإحصاءات والنسب، ليكون لبنان وطنا نموذجا فريدا في محيطه والعالم، وليقيم شراكة حقيقية في المسؤولية بين جميع أبنائه". وشدد على أن "التوازن وحده الذي يحققه النهج الوسطي يثبت قواعد نظامنا وديموقراطيتنا، ويعزز المواطنة الحقة، ويحفظ صيغة لبنان ويبقيها نموذجا يحتذى به".

وقال خلال ورشة عمل دستورية بعنوان "تحصين وثيقة الوفاق الوطني ومناقشة الثغرات الدستورية" في الحبتور: "بداية أشكر فخامة الرئيس ميشال سليمان على هذه الدعوة خاصة وانني عشت مع فخامته أكثر من نصف عهده وعشنا سوية حلاوة السلطة ومرارة الحكم، ولكن المرارة كانت أكبر. شكلت وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت عام 1989 واصطلح على تسميتها اتفاق الطائف تجديدا لتوافق اللبنانيين على بناء لبنان وطنا نهائيا موحدا، حرا، ديموقراطيا، عربي الانتماء والهوية، وعلى تعلقهم بالحرية والعدالة والتنوع. وهذه الصيغة الميثاقية، وهي الثانية بعد ميثاق عام 1943 الذي عكسه البيان الوزاري لحكومة الإستقلال الأولي، تحتاج إلى تنظيم قانوني يتطور باستمرار ويظهر في الواقع والتطبيق والممارسة عناصرها الإيجابية، وينأى عن عوامل الفرقة والتشرذم والزبائنية والفساد، انطلاقا من استقلالية السلطات وتعاونها، وفي طليعتها استقلالية السلطة القضائية، وتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري كضمانة للحريات العامة والحقوق الأساسية، وتقريب الإدارة من المواطنين".

أضاف: "هكذا يشعر اللبنانيون حقا أن الدولة دولتهم وتدافع عن مصالحهم وتجسدها، وتناضل من أجل تدعيم العيش الواحد المشترك بينهم، فيدركون بعفوية ولكن بقوة أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" على حد تعبير مقدمة الدستور التي جاءت ثمرة عشرات، لا بل مئات الوثائق اللبنانية الصرف. على أنه يبقى أن ما رمت إليه مقدمة الدستور من إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، لم يتحقق منه أي أمر، ولم تتخذ بشأنه أي خطوة بناءة وفقا لما كانت تهدف إليه وثيقة الوفاق الوطني، بل على العكس من ذلك تعززت الطائفية والمذهبية والمحاصصة، مما ادى الى تراجع ملفت في الشعور الوطني وصل الى حد اليأس. انطلاقا منه، تبقى وثيقة الوفاق الوطني وما عكسته من إصلاحات دستورية، هي الحل الأنسب شرط المثابرة لتطبيقها تطبيقا كاملا وسويا".

وتابع: "كان طموح اللبنانيين في وثيقة الوفاق الوطني وتكريسها في التعديلات الدستورية، أن تشكل نقلة نوعية متقدمة نحو دولة أقل انعكاسا حادا للتوازنات الطائفية، لكن ما يجري على أرض الواقع هو عودة إلى الوراء، اذ ارتبطت المؤسسات العامة للمجتمع اللبناني أكثر فأكثر بالإطار الطائفي او المذهبي، ولم تمتلك الدولة حيزا أكبر من الاستقلالية عن القوى الطائفية والمذهبية، بل ارتهنت لها بشكل شبه كلي. من هنا أقول، دون الغوص في الأسباب المحلية والخارجية التي أدت الى هذا المسار، أنه لا بد من وقفة والعودة الى مسار وطني موحد وجامع ولا سيما مع استمرار الجهد بالنأي بلبنان عن البركان المشتعل في الجوار والسعي لحل قضايانا الداخلية الشائكة، وأن نستعيد دولتنا كاملة، قوية وفاعلة بالديموقراطية والحرية والعدالة وسيادة القانون".

وقال: "هذا التحدي الذي يواجهنا يتطلب منا أن نعمق النظر في وثيقة الوفاق الوطني والتعديلات الدستورية التي عكستها، لنعمل وبجهد على تطويرها مع الإصرار على تطبيقها بجدية لأن العثرات التي رافقت هذا الاتفاق لم تكن نتيجة مضمونة، بل بفعل الممارسة والتطبيق خلال الأعوام الماضية والذي أفرز ممارسات أفقدته الكثير من خصائصه وعرضته للسهام المباشرة وغير المباشرة".

أضاف: "الأولوية الآن هي الشروع في استكمال تطبيق هذا الاتفاق قبل المناداة بتغييره أو تعديله، مع قناعتي بأن الواقع السياسي في البلاد لا يسمح بمقاربة موضوع التعديل او التغيير. لذلك أرى ضروريا بأن يصار إلى وضع القوانين الأساسية لحسن تنفيذ مضامين هذا الإتفاق وتبيان كل إيجابياته وسلبياته لأن تكرار الدعوات إلى اعادة النظر ببعض بنوده سيفتح الباب عمليا على أمور لا مصلحة في الوقت الراهن لإثارتها قبل تحصين الساحة الداخلية التي تمر اليوم في حالات من التجاذب والضياع وتتأثر مباشرة بأوضاع المنطقة التي تتجه إلى مزيد من التشابك والتعقيد".

وتابع ميقاتي: "من العناوين التي أقترحها لتعزيز وتحصين وثيقة الوفاق الوطني، أولا، اعتماد قانون عصري للانتخابات النيابية يعتمد النسبية ويعزز الشفافية مع اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية وذلك لضمان أوسع تمثيل وتأمين مقتضيات الشراكة الوطنية والإنصهار الوطني. ثانيا، إقرار قانون اللامركزية الادارية الموسعة، بالتالي إنشاء مجالس الاقضية الإدارية المنتخبة دون أن تؤول هذه اللامركزية إلى أي شكل من أشكال الفيديرالية، بل يكون ذلك في سبيل تحفيز الإنماء وتعزيز العيش المشترك وتغذية الديموقراطية وتسهيل معاملات المواطنين الإدارية. ثالثا، تطوير الأطر القانونية للمجلس الدستوري، إن لجهة تعيين أعضائه او لجهة صلاحياته، فتناط به صلاحية تفسير الدستور ويحق له النظر مسبقا بدستورية القوانين الأساسية مع إتاحة مراجعته بموجب إحالة من الهيئة العامة لمحكمة التمييز أو هيئة القضايا في مجلس شورى الدولة، في إطار دعاوى مقامة أمام القضاء. رابعا، تعزيز استقلالية القضاء وتحصينه عبر حصر التعيين فيه بالرئيس الأول لمحكمة التمييز والنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي على أن ينتخب أعضاء مجلس القضاء الأعلى السبعة الباقين من القضاء وفق ترتيب معين".

وقال: خامسا، وضع قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. سادسا، تعزيز دور المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية وتقوية قدراتهما، فتصبحا العمود الفقري للتعليم في لبنان عبر توفيره للجميع، مع تفعيل التربية المدنية وإيلاء التعليم المهني والتقني الإهتمام لما له من دور في تأمين حاجات البلاد. سابعا، تعديل قانون القضاء العسكري وحصر صلاحياته بجرائم ومخالفات العسكريين دون سواها. ثامنا، اعماد الشفافية والمنهجية في المالية العامة للدولة، عبر إيجاد حل جذري ونهائي لما سبق، وآلية واضحة للسنوات المقبلة. تاسعا، وضع قانون لإنشاء مجلس الشيوخ يواكب بخطة واضحة لتطبيق ما ورد في المادة 95 من الدستور. عاشرا، إعادة تكوين المجلس الاقتصادي والاجتماعي للتنمية مع تأكيد إشراك الشباب والمرأة. حادي عشر، وضع خطة إنمائية شاملة في كل المناطق ولا سيما في المناطق النائية.

أضاف: "حفلت تجربة الماضي القريب في لبنان بالكثير من المحطات التي ستبقى حلاوتها ومرارتها ماثلة في الأذهان لفترة طويلة، لكننا نأمل أن يستمر العمل لإعادة بناء مرتكزات دولتنا على قواعد متينة يكون منطلقها الإنتماء إلى الوطن وليس إلى الطائفة فقط، والولاء للمبادىء وليس للأشخاص، والتمسك بالدستور نصا وروحا، بعيدا من الحسابات الضيقة والتفسيرات الظرفية، وتطوير الديموقراطية بالتزامن مع تعميم الوسطية والاعتدال بعيدا من الإنحياز والتطرف. ولعل أهمية اتفاق الطائف - الميثاق أنه أعاد، بالتوافق، توازنا بين جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بعيدا من الأرقام والإحصاءات والنسب، ليكون لبنان وطنا نموذجا فريدا في محيطه والعالم، وليقيم شراكة حقيقية في المسؤولية بين جميع أبنائه".

وختم ميقاتي: "قام لبنان دوما على المواقف التي أقامت جسرا بين ضفتين عبر عليه اللبنانيون، في ظاهرة فريدة من نوعها في العالم، فتلاقوا على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وميولهم، فكانت الوسطية هوية وطنية جامعة، وكلما كان اللبنانيون يبتعدون عن هذا المفهوم، كان وطننا يتعرض لأزمات سياسية خطيرة تهدد كيانه. اليوم، ما زال وطننا على خط الزلازل السياسية وغيرها، والعيون شاخصة إلى نظامنا السياسي وسط مخاوف الاهتزاز والسقوط. وحده التوازن الذي يحققه النهج الوسطي يثبت قواعد نظامنا وديموقراطيتنا، ويعزز المواطنة الحقة، ويحفظ صيغة لبنان ويبقيها نموذجا يحتذى به". 

3 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top