يتفرج حزب الله بصمت على ما ترغب مصادر في قوى الثامن من من اذار بتسميته المسرحية الهزلية التي تمارسها بعض القوى الناشطة على خط تأليف الحكومة اللبنانية العتيدة.
تدرك قيادة الحزب ان حجم التعقيدات والمشكلات المتشابكة ببعضها في ما يتعلق بهذا الملف ليس من طبيعة الازمات التي يمكن ان تحل بكبسة زر أو بمجرد تنازل او تمنّ او ضغط على أحد أطراف الازمة التي باتت معروفة المنشأ، وتدرك تالياً ان حجم التنازلات التي قدمتها وما تزال تقدمها والايثار السياسي الذي تمارسه بات كبيرا ويلامس حدود التضحية وانكار الذات، لكنها مقتنعة في المقابل ان مقارباتها السياسية للملفات الشائكة محكومة بثوابت وسقوف لا يمكن تخطيها باعتبارها باتت ثوابت سياسية تلازم مسيرة الحزب السياسية منذ نشأته وحتى اليوم. فالثبات والالتزام والوفاء السياسي هي سمات ظاهرة ومعروفة باتت تطبع المسار السياسي للحزب الذي لا يؤمن بالنظريات المصلحية البحتة في ممارسته السياسية، ولا يفصل بين الثوابت الاخلاقية والمصالح السياسية، ويؤكد دائماً في خطابه السياسي على ضرورة تلازم المسارات السياسية مع المبادئ والقيم الاخلاقية والدينية، وعندما تتباين هذه المسارات ويصبح ملزماً بالاختيار، فإنه يقدم الجوانب الاخلاقية على ما عداها ويرتضي بالخسارة السياسية طائعاً.
مسيرة الحزب وتاريخه القريب حافل بهذا النوع من التقديمات والتضحيات، وما زالت هذه هي الميزة الاساس التي يمتاز بها عن غيره من الاحزاب والتيارات السياسية في لبنان، التي تمارس بغالبيتها السياسة وغير السياسة كمعبر للوصول الى جنة السلطة والاستئثار بخيراتها ونعمها، واستخدام مردوداتها في مشاريع توسيع شعبيتها وتحصينها من خلال تنفيع الاتباع والانصار والمحاسيب. وبالطبع فإن مقاربة الحزب لما يحصل اليوم في لبنان على مستوى أزمة تشكيل الحكومة لا تنفصل عن نهجه المتبع في مقاربة الازمات السياسية الداخلية والخارجية، وان اختلفت التطورات السياسية.
وبهذا المعنى، فإن اوساطاً سياسية في قوى الثامن من آذار ترى ان قيادة الحزب رسمت خطوط مقاربتها للحراك السياسي الذي يحصل اليوم على مستوى تأليف الحكومة منذ ما قبل انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، وكشفت بلسان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان ثوابتنا في هذا الاطار تتلخص بتأمين الدعم الكافي واللازم لانتخاب حليفنا السياسي العماد عون رئيسا للجمهورية، باعتبار انه كان وما يزال مرشحنا الاوحد لهذا المنصب، ولم نقبل طوال سنتين ونصف السنة أي عرض من العروض الكثيرة المعلنة وغير المعلنة التي وصلتنا من الكثير من القوى المؤثرة والفاعلة الخارجية والداخلية التي كانت تطالبنا بابدال عون بأي مرشح آخر نختاره وحدنا دون ان يكون لسوانا اي حصة او اي حق حتى بـ «الفيتو» لكن خلاصات أجوبتنا طوال تلك المدة كانت ان عون وحده مرشحنا وسوف نستخدم كل السبل الدستورية والديموقراطية والقانونية لانتخابه دون سواه، وأننا لن نمل من الانتظار باعتبار ان ذلك حق لنا تكفله كل النظم والشرائع العالمية، ولن نحيد عن خيارنا هذا مهما كانت التقديمات والاغراءات ومهما طالت الايام والسنين، وهذا ما حدث في نهاية المطاف، بعد ان اقتنعت كل القوى التي فاوضتنا طويلاً بصلابتنا في التمسك بخيارنا السياسي ومضيّنا به حتى النهاية».
لكن، بعد ان سلم الجميع بانتخاب عون رئيساً، وراحوا يفاوضونه للالتحاق بالتسوية السياسية، تقول الاوساط الآذارية، كشف الحزب مجددا عن نظرته للمرحلة اللاحقة وأبلغ عون نفسه بشكل علني ايضا اننا وفينا بعهدنا معك، وما زلنا على التزامنا المبادىء السياسية التي نعتنقها كما تعهدنا تماماً، وكما تعرف وفاءنا جيدا، فإننا أهل وفاء لكل حلفائنا السياسيين وبالتالي منذ لحظة انتخابك ستجدنا متمسكين بكل حلفائنا الاخرين في المقابل، ولن نقبل إقصاءهم سواء كانوا من الشيعة او من المسيحيين او السنة او الدروز او غيرهم، لأن مقارباتنا السياسية لم تكن يوما مذهبية او طائفية ولن تكون، وانت أكثر من يعرف بالتالي كم من القوى السياسية التي جاءتنا مرارا ومنذ العام 2005 وحتى الامس القريب تعرض افكارا للبحث في هدف عقد تفاهمات معنا وكنا نحيلها للتفاهم معك أولا، وعلى القاعدة نفسها، فاننا اليوم متمسكون بحلفائنا الاخرين ولن نقبل ان يتم استضعافهم او هضم حقوقهم السياسية ولو بقي الامر معلقاً لسنوات. وبالتالي فان كلمة السيد التي قالها منذ بداية هذه المرحلة بأننا أودعنا كل ما يتعلق بنا في شأن ملف تشكيل الحكومة الجديدة لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، تشبه تماما كلمته التي قالها منذ أكثر من 3 سنوات حين قال ان مرشحنا الاوحد لرئاسة الجمهورية هو العماد ميشال عون. وبالتالي فان أي محاولات لاحداث اي خرق يمكن ان تعول عليه كل القوى السياسية الفاعلة لن يكون الا من خلال الحديث مع الرئيس بري، والمحاولات التي تتم دائما للنفاذ من خلال قيادة الحزب الى الضغط على بري او غيره لن يكون مصيرها الا كمصير المحاولات الكثيرة التي تمت سابقاً لفك تحالفنا مع عون».
وفي هذا الاطار يلفت المصدر السياسي الآذاري الى ان حزب الله وعلى عكس ما يعتقد الكثير من المتابعين والمحللين والمنظرين السياسيين فانه لا ينظر بعين الريبة والتوجس من التقارب العوني - القواتي ابدا، بل يعتبر الحزب انه هو الذي دفع باتجاه هذا النوع من التفاهم منذ فترات طويلة عندما كان يواجه كل المحاولات المتكررة والدؤوبة التي بذلها حزب القوات اللبنانية مرات عديدة ومنذ ما قبل العام 2005 لتقاربها مع الحزب وعقد نوع من التفاهم معه وصولا الى التحالف اذا وافق، لكن قيادته كانت ترفض دائما وتحيل الامر الى ضرورة التفاهم مع عون كخطوة أولى يتم بعدها درس الخطوات التالية، التي ينبغي على القوات اتخاذها واعلانها في هذا المضمار. وهذا الامر تكرر مع حزب المستقبل وغيره مرارا من خلال الدعوة للتفاهم مع عون وانتخابه اولا كخطوة اولى على طريق الحل السياسي والمصالحة الشاملة. وبهذا المعنى فإن قيادة الحزب تعتبر نفسها أم القضية في عملية التقارب العوني - القواتي، والعوني - المستقبلي، ولم تتوجس يوماً من أي تقارب او تفاهم حصل في هذا الصدد.
عباس صالح - "الديار" - 3 كانون الأول 2016
إرسال تعليق