0
إذا كانت الخطوة الأولى هي التي تُحسب في كل مسار مهم، فإن الخطوة الأولى للعهد لم تكن ناجحة في تأليف أول حكومة، إذ كان على رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري أن يعارضا تأليف حكومة وحدة وطنية، وهي حكومة لا تتألف عادة إلا عندما تواجه البلاد مرحلة دقيقة وصعبة مثل الحرب. وهذا ما لا يواجهه لبنان لكي يكون تأليف مثل هذه الحكومة ضرورة وطنية تفرض القرارات التي ستتخذها مشاركة كل القوى السياسية الأساسية فيها.


أما وأن لبنان وهو على أبواب انتخابات نيابية، فينبغي أن تكون الحكومة التي ستشرف عليها حكومة من خارج مجلس النواب أو حكومة لا مرشحين فيها للنيابة تأكيداً لحيادها وضماناً لحسن سير العملية الانتخابية بحيث ينتخب الشعب بإرادة حرة ممثليه ومن دون ضغوط وتدخلات وبعيداً من وسائل الترحيب والترغيب.

لذلك كان على الرئيس عون والرئيس المكلّف الحريري تخيير القوى السياسية الأساسية في البلاد بين التوافق على تأليف حكومة تتمثل فيها وبسرعة، أو القبول بتأليف حكومة من شخصيات مرموقة لا مرشحين فيها للانتخابات. فلو أنهما اعتمدا ذلك لكان تم التوصل الى تأليف حكومة من هذه الشخصيات في حال تعذّر تأليفها من ممثلي هذه القوى. واذا كان ثم من يهدد بحجب الثقة عن حكومة مستقلين فليتحمل المسؤولية أمام الرأي العام، إذ لا يعود عذر لأي حزب أو تكتل في حجب الثقة عن مثل هذه الحكومة بعد أن يكون قد تعذّر التوصل الى اتفاق على تأليف حكومة تمثل الأحزاب الأساسية في البلاد، وهو الحاصل حالياً، فبات تأليفها يستنزف قوة العهد ويضعف وهجه والثقة الشعبية به. واذا كان كل عهد سيواجه أزمة تأليف الحكومات ولا يخرج منها إلا بعد أشهر، فإن المطالبين باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية في تأليف الحكومات يكونون على حق، إذ لا يعقل أن يذهب ثلث ولاية عهد الرئيس إن لم يكن أكثر على حلحلة عقد تأليف الحكومات لأن تأليفها لم يعد من صلاحية رئيس الجمهورية ومسؤوليته بل من مسؤولية الأحزاب والكتل المتناحرة والتي تتزاحم على الحقائب بعد أن تتفق على حصة كل حزب وتكتل فيها. فعندما كان تأليف الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية كان هو الذي يتحمل هذه المسؤولية، وكانت الأحزاب والكتل بأكثريتها تمنح الثقة لهذه الحكومة حتى وإن لم تكن مقبولة من بعضها لتتجنب خصومة مع رئيس الدولة وهو في مستهل عهده لأن لا مصلحة لها في ذلك. وهذه الصلاحيات هي التي مكّنت الرئيس بشارة الخوري من تأليف حكومة برئاسة حسين العويني من خارج المجلس لتشرف على الانتخابات، والرئيس كميل شمعون من تأليف حكومة من خارج المجلس وهو في مستهل عهده برئاسة الأمير خالد شهاب، والرئيس فؤاد شهاب من تأليف حكومة رباعية برئاسة رشيد كرامي اختصر فيها القوى السياسية الأساسية في البلاد، والرئيس شارل حلو من تأليف حكومة من خارج المجلس برئاسة حسين العويني، والرئيس سليمان فرنجية من تأليف حكومة من خارج المجلس أيضاً برئاسة صائب سلام، والرئيس الياس سركيس من تأليف حكومة من خارج المجلس برئاسة سليم الحص.

وعندما خضع لبنان للوصاية السورية في عهدي الرئيس الياس الهراوي والرئيس اميل لحود، لم يكن تأليف الحكومات يواجه أزمات لأن دولة الوصاية كانت هي التي تتولى فعلياً تأليفها وتزيل العقبات بسهولة. وعندما انتهت تلك الوصاية وكان الرئيس ميشال سليمان يريد تأليف حكومة من خارج المجلس، عارضته القوى السياسية الأساسية وأصرّت على تأليفها من داخل المجلس تحت طائلة التهديد بحجب الثقة عنها. ومرّت ولايته وهو يعاني عند تأليف كل حكومة أزمة التأليف المعقّد، وهو ما يعانيه الرئيس عون في مستهل ولايته ولاسباب شتى. فهل يقرر بعد نفاد صبره وصبر الرئيس المكلف تأليف حكومة من خارج مجلس النواب لتشرف على الانتخابات النيابية المقبلة؟ وما العمل اذا رفضت احزاب تأليفها وهددت بحجب الثقة عنها لا لشيء الا استنزافاً للعهد، فلا هي تتفق على حكومة وحدة وطنية ولا هي توافق على حكومة من مستقلين؟ وهذا ما يؤكد أنه قد يكون وراء الأكمة ما وراءها...

أما اذا كانت نهاية العهد هي التي تُحسب في مسيرته وليست البداية، وإن الحكومة الأولى للعهد هي التي تتألف بعد الانتخابات النيابية المقبلة، فعلى الناس أن ينتظروا نهاية العهد ليشكروه على انجازاته ويذمّوه لأنه خيّب آمالهم فيه.

الواقع إن المتشائمين بمستقبل لبنان وفي ظل أي رئيس، قد يكونون أشبه برجل رزق مولوداً بعد 12 سنة من زواجه، وعندما بشّره الطبيب بولادته ليسمع كلمة شكر منه، أجابه الوالد: "المهم يعيش"... وفي لبنان متشائمون مثل هذا الرجل، لا يفرحون لولادة رئيس للجمهورية بعد سنتين ونصف سنة، بل يقولون: "المهم يعيش".

إميل خوري - "النهار" - 2 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top