0
على إيقاع الانتصارات والحسم المبين في معركة حلب وما إليها، أضفت إطلالة أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، مناخًا واقعيًّا ومرنًا ومنفتحًا على المكونات السياسيّة في لبنان، مجاريًا بذلك وثبة جبران باسيل رئيس التيار الوطنيّ الحرّ، ومتلاقيًا معه على تسهيل التأليف وتسييله على أساس أن تلك الحكومة ليست حكومة العهد ولا ترصف بهذا الاتجاه، بل هي حكومة مهمتها إقرار قانون انتخابات وإجراء الانتخابات على أساسه.

من المهم جدًّا وفي هذا السياق، وكما أفادت أوساط سياسيّة متابعة، تظهير المحتويات الإيجابية الساطعة في هذا الزمن بالذات وعنوانه الزمن اللبنانيّ، وهو الطاغي على ما يبدو على مرحلة ما بعد الحسم الميدانيّ في سوريا بتبويب التسوية السياسيّة الخاصّة بسوريا والعراق، وفي اليمن تمّ تبيان هذا الزمن بعنوان واضح ترسّخ على أرضه وهو تأليف حكومة وحدة وطنية تمثّل فيها الحوثيون وتمثّل فيها أنصار الرئيس اليمنيّ عبد ربه.
وتعتبر تلك الأوساط بان افتتاح الزمن بصفته هذه تمّ في لبنان مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، وبتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة بسياق مرن وطيّب، تنفيذًا لروح التسوية التوافقيّة بل الشركويّة المترجمة للمبدأ الميثاقيّ الآيل لتلاقي ممثّلي الوجدانات الطائفيّة بأكثريتها الساحقة في السلطة ضمن منطق الشراكة المشار إليه، على أن يستكمل أيضًا بتعيين من يمثّل الوجدان الأرثوذكسيّ وهو راسخ ومتحرّك تاريخيًّا وواقعيًّا في موقع نائب رئيس الحكومة، وهذا ما شدّد عليه اللقاء الأرثوذكسيّ في بيانه الأخير بعيد اجتماع الهيئة الإدارية فيه برئاسة أمينه العام مروان أبو فاضل. 

ليس الحراك في قلب الزمن والتعبير في جوفه منفصلاً عن الكلام الفصيح المقال في حلب ميدانًا. فهو مترابط في المقاييس والمعايير المحدّدة له ولهدفه، فالزمن هو القالب، لكنه لا يستوي ولا يسمو بلا محتوى محدّد بتداعيات الأحداث حينًا وتجلياتها حينًا آخر.فالاستواء يتوضّح بتموضع عدد كبير من القوى راهنت على نتائج ظهرت وهميّةـ بنيت عليها قصور من خيال فما لبثت أن هوت وسقطت بفعل النتائج العكسيّة، واحتراق أوراق ظنّ كثيرون بأنّها تملك القدرة والقوّة على الرسوخ. لم يعد المحور الأميركيّ-السعوديّ والخليجيّ متحكّمًا بالمنطقة، ومتكلّمًا في ديارها ومقتحمًا لأقطارها، وسيّدًا على العديد من أنظمتها، فقد خفت صوته، ونضبت ينابيعه، وتلاشت قدراته، وحلّ مكانه ثنائيّ جديد يملك مشروعًا متوازنًا لبناء شرق أوسط جديد قائم على التوازن في علاقة مكوناته، وعلى الشراكة في تمتين أنظمة دوله، وعلى آفاق همّها الوصول نحو حلّ عادل للقضيّة الفلسطينيّة، وجعل القدس مدينة للسلام بين الأديان.

بدأ الأفرقاء في لبنان، ومن ضمن منظومة الزمن المتكوّنة من المعايير والمقاييس المشار إليها، ينطلقون بحسابات جديدة، ظهرت فيها مجموعة استعدادات طيبة للتحاور الجاد، بعيدًا عن الشجار الحاد، تفتتح على ما يبدو وبحسب المعلومات المتوافرة بتأليف الحكومة قبل الأعياد، علمًا بأنّنا لا نزال في الحقبة الزمنيّة الطبيعيّة والموضوعيّة للتأليف، ومن ثمّ تنطلق نحو قانون للانتخابات النيابيّة يتمّ النقاش فيه وحوله فتقرّه الحكومة وترسله للمجلس النيابيّ لمناقشته في الهيئة العامّة. وتعتبر الأوساط أن الإشارة التي أرسلها قائد القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع من على باب قصر بعبدا، كانت كافية لمبادلتها بإشارة طيبة من قبل أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، بقوله «ان كلامي ليس استهانة بالقوات فهي قوة اساسية موجودة في لبنان لكن الجميع يعرفون اننا مشغولون في مكان اخر والجميع يعرف المكان وكل ما نسب عن طلبنا من التيار عن فصل تحالفنا مع القوات هو غير صحيح ولم نطرحه في الجد ولا في المزح، ونحن اعطينا اشارة ايجابية عندما بدأت الاتصالات بين التيار الوطني والقوات».

ليس تأليف الحكومة قلب الزمن اللبنانيّ وجوهر اللحظة الحاليّة، فالحكومة وسيلة لترسيخ السلطة الإجرائيّة في المؤسسات العائدة للدولة، قانون الانتخابات هو قلب الزمن لكونه التعبير الأفصح في ترجمة النظام السياسيّ وتجسيده. لقد علا النقاش فيه أكثر من مرّة، واختلف الأفرقاء حول طبيعته، لكنّهم أجمعوا على ضرورة رفض قانون الستين لكونه أسوأ قانون وجد على كلّ المستويات، وفؤاد شهاب صانعه عاد فتبرّأ منه. سيتكثّف النقاش فيه، وتبدو في الآفاق مجموعة مقترحات قدّمها عدد من الأحزاب لدراستها.
في المعلومات الواضحة، لقد حسم النقاش في مسالة التاليف، فيتبيّن أنّ التشكيلة ستبصر النور، مع سؤال تمّ توجيهه حول وزارة العدل على وجه التحديد، ذلك أنّ الخيار الأفضل وبحسب قراءة أجرتها مصادر سياسيّة، ان يتبّوأ الوزارة شخصيّة قانونيّة محترمة وراقية بالمفهوم الأكاديميّ والسياسيّ للكلام، من دون التقليل من أهمية الأسماء المحترمة، غير أن بعضها وبحسب المصادر عينها لها اعتبارات أخرى تتجمّع فيها عناوين مختلفة منها مسألة المحكمة الدوليّة الخاصّة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتلفت تلك المصادر النظر أنّ المرحلة المقبلة تفترض تحرير المحكمة إذا رامت الحقيقة من التبعيات السياسيّة والدوليّة. وقد أظهرت القرائن أن المحكمة الدولية انطلقت من إرادة سياسيّة وليس حقوقيّة. وتلفت تلك المصادر النظر بضرورة أخذ تلك المعطيات بعين الاعتبار، وترى في شخص الدكتور سليم جريصاتي المؤهّل لهذا الموقع الأساسيّ والحاوي لكلّ هذه المعطيات.
وفي المعلومات أيضا يبدو أنّ قوى سياسيّة بدأت تسوّق للقانون المختلط، وتضع اللبنانيين بين خيارين: إمّا القانون المختلط وهو مرشّح للإقرار أو العودة إلى قانون الستين. وتعتبر أوساط هنا، انّ رجوع اللبنانيين لواحد من الخيارين يعتبر مسًّا بالحقيقة اللبنانية، ويقود البلاد نحو المزيد من التدحرج وتتجه نحو المزيد من الاحتراب في ظلّ انتفاخ عميم عند الطبقة السياسيّة لتجديد حضورها بواحد من هذين المشروعين. فقانون الستين يعوّم الفساد والفاسدين والمفسدين، وهذا ما أظهره أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس الأوّل في حديثه إلى اللبنانيين أثناء شرحه لمساوئ قانون الستين، قينتج عن هذا التعويم عودة الطبقة السياسيّة عينها للاستثمار في السلطة. ومعروف أن هذا القانون يعمّم بدوره ثقافة المحادل والرشاوى وقد ظهرت غير مرّة في انتخابات 2005 و2009. وفي الوقت عينه إنّ القانون المختلط ما بين الأكثريّ والنسبيّ وبحسب عدد من الدراسات هجين للغاية وأسوأ من قانون الستين بحال شاء بعضهم المقارنة والمقاربة. فعلى هذا القانون تنطبق الآية القرآنية الكريمة القائلة: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟» (الزمر9)، وهو، تاليًا، مشروع احتراب مقيت بين اللبنانيين، من ضمن تساؤل يطرح بجديّة، ما هي معايير التلاقي بين النائب المنتخب على اساس النسبيّة والنائب المنتخب على أساس الأكثريّة، البون في الحسابات والتطلعات وفي العلاقة مع الناخبين والمجتمع سيكون حتما كبيرا فيما النائب إلى اي منطقة او طائفة انتمى، يمثّل الأمّة اللبنانيّة جمعاء بحسب المادة 27 من الدستور.

إنّ اللحظة اللبنانية الجديدة بنظامها السياسيّ الداخليّ تتكوّن من قانون انتخابات رصين قائم على النسبيّة الكاملة والمطلقة، فهي تعبير عن الجِدّة بل تؤسس لها في الحياة السياسيّة اللبنانية بدم جديد يضخ في شرايين النظام السياسيّ بدءا من المؤسسة التشريعيّة والتمثيليّة وهي السلطة الوحيدة المنبثقة من الشعب لكونه أي الشعب مصدر انبثاقها المباشر. لقد أظهر أمين عام حزب الله هذا البعد المشتهى من دون التركيز في لبنان دائرة واحدة بل بالإمكان الكلام في عدد قليل من الدوائر الموسّعة، للحفاظ على التعادل بين جميع المكوّنات اللبنانيّة كامتداد لمبدأ ظهور هذا العهد وولادته بالأهداف والمقاصد. ويبدو أنّ الركيزة الحامية للنظام والعهد كوسيلة واقعيّة أن تترسّخ المناصفة الفعليّة إلى جانب الركيزة الأخرى وهي النسبيّة، سواء جاءتا عن طريق مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ وهو المشروع الكامل الدامج بين النسبية والمناصفة ضمن لبنان دائرة واحدة، ويجعل كما قال بيان اللقاء الأرثوذكسيّ من المجلس النيابيّ ولو لمرّة واحدة مجلسا تأسيسيّا لدولة المواطنة، فالمادة 95 من الدستور واضحة من حيث جعل المناصفة وهي موجودة في المادة 24 أيضا شرطا أساسيّا لإلغاء الطائفيّة السياسيّة.

تعميم المشاركة وبحسب بعض المصادر، بات شرطًا أساسيًّا لاستقامة الحلّ السياسيّ أو التسوية السياسيّة ليس في لبنان بل في سائر المشرق والإقليم الملتهب. فحين يطلب من وزير الخارجية السوريّة منذ صيف 2015 كتابة دستور جديد وبعد الحسم الميدانيّ في سوريا، فالمعنى كامن في قلب الشاعر، ويقوم على ترسيخ المشاركة بين اطياف المجتمع السوريّ ضمن نظام جديد متوازن جامع بين كلّ المكونات الطائفيّة والمذهبيّة. ترجمة هذا في لبنان قائمة في الأسباب الموجبة التي اوحت للقاء الأرثوذكسيّ مع إيلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابيّ سابقًا ونخبة مفكرة اجتمعت معه لتقديم هذا المشروع وجعله على رأس المشاريع المقدّمة للنقاش. 

إنّه الطريق الأمثل والذي تبناه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والتيار الوطنيّ الحرّ، للوصول إلى دولة مدنية إلى إلغاء الطائفية السياسيّة. الطائفيّة المتلاشية والفوضويّة والتي سادت خلال حقبة التسعينات وصولاً إلى مرحلة ما قبل انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة، تعالج بالطائفيّة المتوازنة والرصينة ومنها نعبر إلى نظام قويّ ومتين وثابت.

تلك هي أسس اللبننة الجديدة من لبنان إلى المشرق العربيّ بأسره.


جورج عبيد - "الديار" - 11 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top