0
من الطبيعي أن يكون العماد ميشال عون وهو رئيس للجمهوريّة غيره وهو رئيس حزب أو حتى رئيس حكومة، وغيره أيضاً منفياً في باريس ثم مقيماً في الرابية، فهو الآن رئيس كل لبنان وكل اللبنانيين، ولا تمييز في ما بينهم إلّا بقدر ما يعطي بعضهم للوطن أكثر من الآخر ولا يأخذ منه فقط.


لقد كان العماد عون وهو خارج الرئاسة تارة في خط 14 آذار وطوراً في خط 8 آذار بحسب ما تقضي التطورات والمستجدّات واللعبة السياسية. وعندما انتخب رئيساً للجمهورية ظنّت كل من قوى 8 و14 آذار أنه سيكون في خطّها السياسي وراهنت على ذلك. فرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع كان قد عقد معه اتفاقاً على أساس ورقة "إعلان النيات"، ثم أعلن تأييد ترشّحه لرئاسة الجمهورية، وأعلن بعده رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري تأييده هذا الترشّح على أساس تفاهمات لم تعرف تفاصيلها. وكان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قد وقّع مع العماد عون "ورثة تفاهم" جعلته يثق به ويصرّ على التمسّك بترشيحه للرئاسة من دون سواه. ولكن عندما أصبح العماد عون رئيساً للجمهورية لم يعد رئيساً لـ"التيار الوطني الحر"، ولا مع خط 8 أو 14 آذار إنّما مع الخط الذي يخدم مصلحة لبنان أولاً وأخيراً وينتهج السياسة التي تخدم مصلحة الوطن والمواطن قبل أي مصلحة. فإذا كانت هذه السياسة لا ترضي "حزب الله" ومن معه، ولا ترضي إيران وتعتبر أنه خرج على الخط السياسي الذي كان فيه بعدما صار رئيساً للجمهورية وبدأت حملة عليه ووضع العصي في دواليب تأليف الحكومة، وخلق المتاعب له وهو في مستهل عهده، علَّه يعيد النظر في موقفه، فإن "حزب الله" يكون على حق إذا كان العماد عون تعهّد له بالتزام سياسة الحزب ومن معه وأنه لن يخرج عليها بعد انتخابه رئيساً. أما إذا لم يكن العماد عون قد تعهّد لأي حزب أو تكفّل بالتزام سياسة معينة ولا لأي جهة خارجية، فلا يحق انتقاده أو محاسبته على موقف لم يلتزمه، بل يحق له أن يتخذ الموقف الذي يراه في مصلحة لبنان، وهو ليس مسؤولاً عن خطأ أي حزب في تقديره ورهانه على ما سيكون عليه موقف العماد عون وهو رئيس للجمهورية، لا بل من حقه ومن مسؤوليته ألّا يكون مع هذا الطرف أو ذاك، بل يكون الحكم العادل والحاكم الحازم ولكن بعدل. وقد اختار حتى الآن أن يكون في المنطقة الرمادية بين مختلف الألوان السياسية والحزبية، وهو الذي يقرّر ويختار اللون الذي يناسب لبنان وشعبه.
 
الواقع أن كل الدلائل تشير حتى الآن الى أن ثمة توافقاً عربياً ودولياً على أن يبقى لبنان خارج صراعات المحاور، لأن تركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة والحساسة لا تسمح له بأن يكون منحازاً لهذا المحور أو ذاك لئلا ينعكس ذلك سلباً على الداخل ويلحق الضرر بأوضاعه الأمنية والاقتصادية والمالية. وقد التقى كثير من أشقاء لبنان وأصدقائه على أن ينأى لبنان بنفسه عن كل ما يجري حوله ولا يتدخّل لا سياسيّاً ولا عسكرياً في شؤون أي دولة قريبة كانت أم بعيدة كي يرتاح ويريح ويبقى ملتقى العرب لا ساحة لخلافاتهم، وهو ما دعت إليه المملكة العربية السعودية، وأيّدت مصر ذلك، وقد يكون لجامعة الدول العربية موقف معلن من هذه السياسة للبنان عندما تعيد القوى السياسية الأساسيّة في لبنان تأكيد تحييده عن صراعات المحاور الاقليمية والدولية حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي.
 
لذلك ليس من حق أي حزب في لبنان أو أي خارج أن يلوم الرئيس عون على السياسة التي يقرّر اتخاذها ما دام أنه لم يلتزم لأي حزب اعتماد السياسة التي كانت شرطاً لتأييد ترشيحه للرئاسة. فكما أنه كان حراً في التزام أي سياسة وهو رئيس "التيار الوطني الحر"، فإنه حر في اتخاذ أي سياسة تكون في مصلحة لبنان وشعبه وهو رئيس للجمهورية، وكونه صار رئيساً لكل لبنان ولكل اللبنانيين ولم يعد رئيس حزب أو زعيم طائفة، بل صار حكماً في الخلافات بين الأطراف اللبنانيين، وحريصاً على التوازنات الداخلية الدقيقة بحيث يجعلها لا تختل لأي سبب من الأسباب لأن التجارب دلّت على أنه كلما اختلّت هذه التوازنات انفجرت الأزمات، وعندما يستعصي على لبنان حلّها يلجأ الى خارج، أو ان الخارج يدخل من باب الخلافات في لبنان ليفرض حلاً قد يكون لمصلحته وليس لمصلحة لبنان.
 
لقد تعلّم مرشحون للرئاسة من تجارب الماضي أن كل مرشّح يلتزم تنفيذ السياسة التي توصله الى رئاسة الجمهورية ويخلّ بها يدفع الثمن جسدياً أو سياسياً ومعه لبنان وشعبه، وأن أي دولة تحاول فرض سياستها على لبنان برغم ارادة شعبه وارادة حكامه، تستطيع أن تخلق له المتاعب لكنها لا تستطيع أن تفرض سياستها عليه.
 
الى ذلك، يمكن القول إن الدولة اللبنانية لن تغامر في اتخاذ سياسة ترضي طرفاً ولا ترضي طرفاً آخر ما لم تضمن وحدة الداخل وغطاء الخارج. وهذه السياسة يتخذها لبنان بعد الانتخابات النيابية المقبلة التي يفترض أن تمثل نتائجها ارادة الشعب الحر والتي لها وحدها أن تقرّر أي لبنان تريد وليس أي لبنان تريده كل طائفة...

إميل خوري - "النهار" - 5 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top