0
بعدما نجح "حزب الله" في إيصال مرشحه العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية تحت ضغط تداعيات الشغور الرئاسي الذي استمر لسنتين ونصف السنة، هل ينجح ومن معه في جعل الانتخابات النيابية المقبلة تجري على أساس قانون النسبية من دون سواه والا فلا انتخابات؟

الواقع أن خطة "حزب الله" الثانية هي تعريض لبنان لفراغ شامل لا خروج منه الا بعقد مؤتمر تأسيسي أو إجراء تعديلات على دستور الطائف تغني عن عقده ويكون أهم ما في هذه التعديلات إعادة النظر في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث بحيث تصبح أكثر عدالة وانصافاً ومساواة وقد بدأ الحزب تنفيذ هذه الخطة بترشيح العماد عون للرئاسة الأولى من دون سواه لأن ترشيحه يشكل عاملاً مهماً من عوامل تعطيل نصاب جلسات الانتخاب عدا أن الأكثرية المطلوبة لانتخابه يصعب توفيرها الا اذا عاد ما كان يعرف بقوى 14 آذار عن ترشيح الدكتور جعجع، ومن ثم عن تأييد أي مرشح وإن مستقلاً لئلا يحظى بتأييد الأكثرية المطلوبة فيصبح للبنان رئيس فتسقط بانتخابه أول ورقة من أوراق إحداث فراغ شامل في لبنان. وعندما بدا لـ"حزب الله" أن ترشيح "تيار المستقبل" النائب سليمان فرنجية للرئاسة قد يحظى بتأييد الأكثرية المطلوبة اذا انعقدت الجلسة، قرّر الحزب استمرار تعطيل جلسة الانتخاب لكي يستمر الشغور وكان لا بد لقوى في 14 آذار والحال هذه من تأييد ترشيح العماد عون لأن استمرار الشغور الرئاسي بات يهدد وحدة الأرض والشعب والمؤسسات وهو ما تخاف من عواقبه وان انتخاب عون رئيساً للجمهورية حتى وان لم يكن من خطها السياسي يظل أسلم للبنان من عواقب استمرار الشغور الرئاسي وتداعياته السلبية على عمل المؤسسات.
 
وعندما لم تنجح خطة إحداث فراغ شامل في لبنان من خلال الاستمرار في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، انتقل "حزب الله" الى المرحلة الثانية من الخطة، وهي محاولة تعطيل اجراء انتخابات نيابية الا على أساس قانون النسبية من دون سواه ليضع من تبقى من قوى 14 آذار بين خيارين: إما القبول بهذا القانون لتجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه وإما لا انتخابات تجرى على أساس قانون الستين ولا على أساس أي قانون آخر. كما أن لا تمديد ثالثاً لمجلس النواب فيقع عندئذ الفراغ التشريعي بعدما تعذّر تحقيق الفراغ الرئاسي بانتخاب عون رئيساً للجمهورية. فهل توافق القوى التي ترفض قانون النسبية وتفضل القانون المختلط الذي يحظى حتى الآن بتأييد "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وهل تنجح الاتصالات التي يقوم بها "التيار الوطني الحر" في التوصل الى التوافق على قانون ما والا حسم الخلاف بتصويت الأكثرية المطلوبة على أي مشروع من المشاريع الموجودة لديه فالرئيس بري لا يرى مصلحة في أن يحسم الخلاف حول قوانين الانتخابات بالتصويت عليها في مجلس النواب، لأن المسألة ليست مسألة أكثرية عددية توافق وأقلية تعارض، خصوصاً إذا كان بين الأقلية حزب أو أحزاب فاعلة ترفض ما وافقت عليه الأكثرية وقد تذهب الى حد مقاطعة الانتخابات إذا جرت على أساسه فتعطّل عندئذ إجراؤها ويعود خطر الفراغ. لذلك لا بد من التوافق على قانون للانتخاب قبل طرحه على مجلس النواب للمصادقة عليه فهل يتم التوافق على قانون النسبية ولكن يشترط تحقيق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين وتخلي حزب الله عن سلاحه وهل تحقق النسبية أهدافها من دون الأخذ بالصوت التفضيلي الذي يصر الرئيس حسين الحسيني على اعتماده والا فقدت النسبية الغاية المرجوة من اعتمادها.
 
لقد كان لافتاً قول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة: "إن تيار الدولة القوية القادرة له أسس أولها أن يكون لديها مجلس نيابي منتخب يعبّر عن كل مكونات الشعب اللبناني. وهذا يعني إجراء انتخابات حرة نزيهة على أساس قانوني يعطي القوى السياسية أحجامها الحقيقية وليس المضخمة وأن القانون الوحيد الذي يحقق ذلك هو النسبية الكاملة" هل معنى ذلك أن لا قيام لدولة قوية في لبنان إلا على أساس النسبية المثيرة للخلاف؟ علماً أن "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" والتقدمي الاشتراكي تقدموا بمشروع مختلط وللأكثرية النيابية المطلوبة أن تختار بينهما.
 
الواقع أن "حزب الله" ربط قيام الدولة القوية بانتخابات تجرى على أساس النسبية حتى إذا فاز فيها مع حلفائه بالأكثرية يكون لهم الحكم كاملاً باعتماد الديموقراطية العددية، ولا تبقى ضرورة عندئذ للديموقراطية التوافقية ولا حتى حاجة لسلاح الحزب لأن الدولة تصبح دولة الحزب، والا لا تقوم دولة قوية باجراء انتخابات على أساس قانون غير مقبول من الحزب ومن معه ويبقى مع عدم قيام هذه الدولة سلاح الحزب، الى أن ينتهي دوره الإقليمي.

إميل خوري - "النهار" - 16 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top