حتى اليوم، على الأقل، لا يزال لبنان بلد الجميع يحترم جميع الطوائف والمعتقدات، وبلد الانفتاح وتقبل الآخر من دون فرض أي طرف معتقداته على الآخر. والجامعة اللبنانية هي جامعة اللبنانيين، وواجهة العلم والتعليم الرسمي والتربية والشباب الذي هو عصب البلاد. لذلك فإن ما حدث أخيراً في الجامعة مرفوض كلياً، من دون الخوض في التفاصيل والمزايدات. فالأمر لا يقف عند حدود محاولة طرف فرض "قواعده" و"قوانينه" على الآخرين داخل حرم الجامعة اللبنانية الوطنية فقط، بل هو أيضاً تعرض لقيم التراث اللبناني وأبرز ما تمثله السيدة فيروز في وجدان جميع اللبنانيين وجميع العرب. منع إحياء ذكرى شاب متوفٍ ومنع بث أغاني السيدة فيروز ليس أمراً عابراً عادياً وتفصيلياً في بلد اسمه لبنان، يفخر بكونه بلد الاشعاع الثقافي والفني والانساني والتعددي بفعل تركيبته الفريدة. والأخطر من ذلك أن يجري تبرير المنع بحجج واهية لا تقنع أحداً، فيما أثار الحادث روح الاستفزاز والتحدي لدى كل الآخرين، بل لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين. أما كان يمكن أن يشكل هذا الحادث سبباً لفتنة، لا سمح الله؟ ألا يشكل مؤشراً خطراً لتطرف ديني واجتماعي لا يخدم أصحاب القضية التي ينتمي اليها الفريق المانع والمحاول فرض موقفه واتجاهاته على الآخرين؟ إننا نعتقد أن الإساءة الأكبر التي تسبب بها هذا التصرف هي برسم الفريق الذي ينتمي اليه الطلاب الذين منعوا إحياء الاحتفال وبث أغاني السيدة فيروز، ولكن ذلك لا يقلل من مسؤولية ادارة الجامعة والجهات الرسمية المعنية التي يعود اليها اتخاذ الموقف الحازم ومنع كل ما يسيء الى المسيرة التعليمية والأكاديمية للجامعة والى القيم اللبنانية.
المطلوب اليوم أن نحمي ثقافتنا وحضارتنا ودستورنا وجماعاتنا وتربيتنا، ولا يمكن أي فريق أن يفرض أي شيء على فريق آخر. فالجامعة اللبنانية لبنانية أولاً، وهي لجميع اللبنانيين، وما حدث أمر معيب ومرفوض كليا. ويجب على إدارة الجامعة أن تعالج الأمر بأسرع ما يمكن، وألا تقبل الجامعة بتكرار ما حصل.
لقد كلف السلم الأهلي في لبنان الكثير من التضحيات والكثير من التجارب المرّة والقاسية. وإذا كنا لا نميل إطلاقا الى تضخيم الأمور وتضخيم هذا الحادث بالذات، فإن ذلك لا يعني تجاهل ردود الفعل السيئة والواسعة التي تسبب بها، والتي أكدت ان لبنان لا يمكنه تحمّل تصرفات واتجاهات من هذا النوع الذي لا ينسجم مع طبيعته ومع مناخ الحريات الذي يميزه. ونأمل أن يكون ما حصل عبرة نهائية لمن يجب أن يعتبروا.
ميشيل تويني - "النهار" - 7 كانون الأول 2016
إرسال تعليق