0
فتح الرئيس ميشال سليمان في مؤتمر "لقاء الجمهورية" باب البحث في تحصين "وثيقة الوفاق الوطني" باعلان توصيات تحسّنها لأن لا تحصين لها من دون تحسين عدد من بنودها. لكن هذا التحسين قد لا يأتي على أيدي سياسيّين، ولا سيّما عندما يكونون متناحرين ويحاول كل واحد منهم صوغ دستور على النحو الذي يرضيه، بل على أيدي رجال قانون ودستور مشهود لهم بالعلم والمعرفة، فتتألف منهم هيئة تكبّ على تحسين ما يحتاج إلى تحسين في "وثيقة الوفاق الوطني" تحصيناً لها وذلك في ضوء ما ظهر من ثغر والتباسات أو سوء فهم عند تطبيق بنودها. وأهم ما يجب تحسينه فيها هو الحؤول دون حصول أي فراغ في السلطات يؤدي الى شل عمل المؤسسات، وهو ما حصل حالياً من جرّاء استمرار تعطيل الانتخابات الرئاسية، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، سنتين ونصف سنة، لأن المشترع لم يخطر في باله أنه سيأتي يوم يعمل نواب على تعطيلها مخالفين بذلك أقدس واجباتهم الوطنية وصدق وكالتهم عن الشعب.


أمّا كيف يمكن منع حصول هذا التعطيل الخطير، فإن ثمّة من يرى اعتماد أحد السبل الآتية: إمّا بنص صريح واضح يلزم النائب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ضمن المهل المحددة في الدستور، وهي مهل ينبغي احترامها كونها متصلة بحسن سير عجلة الدولة، وإمّا بعدم احتساب النائب المتغيّب من دون عذر مشروع في عِداد النواب الذين يشكّلون أكثرية الثلثين، وإمّا بحل مجلس النواب بموافقة أكثرية ثلثي عدد الوزراء الذين تتألف منهم الحكومة إذا تعذّر على المجلس انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة يتم تحديدها.
 
أمّا تعطيل تأليف حكومة فلا شيء يمنع ذلك سوى الموافقة على الفصل بين النيابة والوزارة، إذ ليس من المنطق في شيء الجمع بين النيابة والوزارة، وعلى السياسيين أن يختاروا بينهما، ولا أن يتم تأليف حكومة وحدة وطنية كقاعدة لا خروج عنها إلّا عندما تقضي الظروف بتأليفها، وهذا يعود الى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة، لأن جعل تأليف حكومة وحدة وطنية أمراً مُلزماً بذريعة تحقيق "الشركة الوطنية" ولاتخاذ القرارات المهمة، هو شكل من أشكال تعطيل تأليف كل حكومة إذا كان لدى خارج أو داخل نيّة في ذلك، عدا أن مثل هذه الحكومات يقضي على دور مجلس النواب في المحاسبة والمساءلة ويفتح أبواب الفساد على مصاريعها ويفقد أي قانون القدرة على مكافحة هذا الفساد. أما القول بتحقيق المشاركة الوطنية في اتخاذ القرارات المهمة، فإن دستور الطائف لحظها بجعل جلسة مجلس الوزراء لا تنعقد إلا بحضور ثلثي عدد الوزراء الذي تتألف منه الحكومة. وفي المادة 65 من الدستور التي عدّدت المواضيع الأساسيّة التي تحتاج الموافقة عليها الى الثلثين، يمكن إضافة مواضيع إليها بالاتفاق إذا كان لا بد من ذلك. ولكي لا تطول مدة تأليف الحكومة فلا تبقى مفتوحة كما هي حالياً، فلا بد من تحديد مهلة لوضع البيان الوزاري والمثول أمام مجلس النواب لطلب الثقة، لا أن تقتصر المهلة على التأليف فقط، لأن ما يحصل أحياناً هو أن الحكومة يتم تأليفها ثم يصير خلاف على وضع بيانها الوزاري. لذلك فإن الحل يكون بتحديد مهلة ليس للتأليف بل للبيان الوزاري لئلا يقال إن تحديد مهلة للتأليف قد يساء فيه الظن، سواء برئيس الجمهورية إذا لم يكن يرتاح إلى مَنْ سمّته الأكثرية النيابية لتأليف الحكومة فيحاول عرقلة التأليف، أو بأي حزب يحاول ذلك حتى وإن كان قد سمّى مَن يؤلف الحكومة ثم اختلف معه على توزيع الحقائب. ويخشى في هذه الحال أن يبلغ الانقسام بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف حدَّ إعادة تسميته في استشارات جديدة، وهو انقسام خطير عندما يكون بين رأسَي السلطة التنفيذية لئلا ينسحب على كل السلطات والمؤسسات ويعطّل سير عملها، إذ أن تأمين حسن سيرها يتطلّب تعاوناً صادقاً خصوصاً بين هاتين السلطتين.
 
لقد بات ضرورياً سدّ الثغر التي ظهرت في دستور الطائف في ضوء تطبيقه وليس في ضوء سوء ممارسته كي تتفادى البلاد مواجهة خطر تعطيل الانتخابات الرئاسية ساعة يشاء حزب أو طائفة أو خارج يضمر الشر للبنان، ولا أن يظل لبنان يواجه أزمات عند تأليف الحكومات لخلاف على المحاصصة وليس على المشاركة التي كفلها الدستور بتمثيل كل المذاهب في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وبحضور الثلثين. فرئيس الجمهورية والرئيس المكلّف هما المسؤولان عن تأليف الحكومة وليس أي حزب أو كتلة أو طائفة، ولا حق للنواب سوى أن يمنحوها الثقة أو يحجبوها عنها إمّا احتجاجاً على تأليفها، وإمّا اعتراضاً على بيانها الوزاري.
 
لذلك لا سبيل الى تحسين نصوص الدستور لتحصينها إلّا بإخراج الموضوع من أيدي السياسيّين ووضعه في أيدي أهل الخبرة والاختصاص، ويكون البحث في ذلك في أجواء ملائمة ووقت كافٍ لأن تحديده قد يشكّل ضغطاً على مَنْ يتولّون صوغه فيخرج "مسلوقاً" أو متلبساً كما حصل في بعض مواد دستور الطائف، خصوصاً إذا كانت العلّة في النفوس، وهي علَّة لا شفاء منها، وليست في أي نصوص.

إميل خوري - "النهار" - 
8 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top