0
كان ضرورياً ان ينظم "حزب الله" ليل الجمعة اطلالة اعلامية لأمينه العام السيد حسن نصرالله لا ترتبط كجاري العادة بمناسبة محددة او بذكرى معينة، وذلك لكي يقول كلمة السر - الفصل لمن يعنيهم الأمر، للحلفاء قبل الخصوم، لتنهي بشكل او بآخر العقد والعقبات التي تعوّق ولادة الحكومة العتيدة ومن ثم لكي يقلّع قطار العهد الرئاسي الجديد في انطلاقته العملية الواثقة.

فالتعقيدات التي برزت تباعاً، وعملية تصعيد المطالب والمواجهات التي سادت المشهد السياسي طوال الشهر الاول على ملء الشغور الرئاسي وهددت باشتباك سياسي مديد تدخل على خطه مفاجآت ليست في الحسبان، كلها عوامل فرضت على السيد نصرالله الخروج عن صمته والدخول المباشر على الخط واستخدام خطاب سياسي يفهم ابعاده من يعنيهم الامر. وبمعنى آخر، كرّست اطلالة نصرالله واقعتين اساسيتين تستشرفان الكثير من مناحي المرحلة المقبلة:

- إن فرصة السماح لاختبار القوى واستعراض الاحجام والمشاغبة انتهت واستنفذت غايتها، ولا موجب اطلاقاً لاطالتها اكثر من ذلك، وبالتالي صار لزاماً على المعنيين ان يعودوا الى الانضباط.
- إن هذا العهد ليس يتيماً اذ له من يوفّر حمايته ويتدخل عند اللزوم ليؤمن ازالة العراقيل من امامه.
ولا شك في ان بعض المراقبين سارعوا الى الاستنتاج من خلال ذلك ان الحزب وسيده بدأوا يجرؤون اكثر من اي وقت على المجاهرة بتأدية دور "مرشد الجمهورية" او بلغة اكثر تواضعاً عرّاب العهد الخفي واستطراداً ملاكه الحارس.
وعليه ايضاً، فان مضامين هذه الاطلالة الاعلامية المتلفزة وما اعقبها مباشرة من حركة اتصالات ولقاءات سياسية مكثفة أوحت بزوال تدريجي لما كان ينظر اليه على اساس انه خطوط حمر او جدران سميكة تحول دون استيلاد الحكومة الموعودة، ما ينطوي على دلالات حاضرة ومستقبلية ابرزها:

- إن سقف المرحلة المقبلة رُسمت خطوطه، فالعهد الرئاسي يحظى برعاية تامة وبثقة بدليل هذه الاشادة الصريحة المتكررة من السيد نصرالله بسيّد العهد الرئاسي الجديد، واعتباره موضع ثقة مفتوحة، وبدليل رفضه المتجدد لأي محاولات ترمي الى فصم عرى التفاهم او قطع جسور الثقة التي تربط الحزب بالتيار الوطني الحر وبمؤسسه الذي ولج قصر بعبدا منذ فترة قصيرة.
- من البديهي انه كان للبعض تفسيره الخاص المستغرب بل غير المحبّذ لهذا الامر، فحواه أن الذين راهنوا في السابق على فرضية ان "حزب الله" ادى ما في عنقه من تعهدات ووعود وعهود حيال الرئيس عون وانه صار في حل تام منها، وبالتالي صار بالامكان من الان فصاعداً دفعه بعد ذلك الى الشروع في اعطاء تعهدات جديدة مبكرة لحلفاء آخرين لهم في ذمته جميل ولا سيما رئيس تيار" المردة" النائب سليمان فرنجية، قد خرجوا ايضاً من تجربة الشهر المنصرم باستنتاج فحواه ان الحزب ليس من الصنف الذي يعطي وعوداً ويطلق تعهدات لأحد بهذه الخفة او تحت وطأة ضغوط من هذا النوع، فحسابات الحزب خصوصاً في القضايا الاستراتيجية اعمق من ذلك بكثير.
- إن بعض حلفاء الحزب الذين بنوا حساباتهم على اساس انه بالامكان فرض معادلات معيّنة كأمر واقع من شأن الحزب ان يقبل بها في مرحلة تتصف بالانتقالية قد ايقنوا ان لكل شيء تقديره وحسابه الدقيق عند القيادة العميقة في الحزب. وقد كان ذلك جلياً في حديث نصرالله المقتضب عن انتظار تطورات وتحوّلات كبرى حين قال إن اوان الكشف عنها لم يحن بعد، ولكنه اوحى بضرورة الانضباط والكف عن الحروب الصغيرة للتعاطي معها ومع نتائجها.
وبناء على ذلك، فان ثمة من بدأ يخامره شعور بأن الحزب نجح اخيراً في وضع حدّ لمشهد التفلّت والانفلات والمناكفة الذي ساد معسكر 8 آذار في الاشهر القليلة الماضية، واوحى بأنه آيل الى انفراط لا التئام بعده، وبالتالي ستكون الخطوة التالية التي سيشرع الحزب بها هي اعادة ترتيب البيت الداخلي لهذا الفريق الذي كان صار في منازل متعددة توطئة لاعادة تجديد شبابه انطلاقاً من اعتبارين اساسيين، الاول ان الاسباب والعوامل التي صدّعت بنيان هذا المحور وسرّعت في انفجار التناقضات بين مكوّناته قد انطوت اخيراً لا سيما بعد ملء الشغور الرئاسي، والثاني ان المرحلة المقبلة لا سيما بعد انتصار خيار عون رئيساً تفرض على الجميع التكيّف مع هذا التحوّل ومقاربته ايجابياً.

اما الجديد المدوّي الذي انطوت عليه اطلالة نصرالله فهو كلامه المباشر عن حزب "القوات اللبنانية". اذ لم يعد خافياً ان نصرالله يتوقف ربما للمرة الاولى عند هذا التنظيم ويخصّه بكلام من نوع انه قوة سياسية لها حضورها، وليس جديداً القول ان هذا الامر اثار وفق اكثر من مصدر موجة ايجابية لدى هذا الفريق خصوصاً انه يسعى منذ مدة الى تكريس صورة جديدة تفتح امامه ابواب الطائفة الشيعية وحزبها الطليعي، اذ عدت اوساط (التنظيم) كلام سيّد الحزب نوعاً من اعتراف ولو متأخر بهذا التنظيم واقرار ولو غير مباشر بامكان فتح جسور علاقة مستقبلية معه تقطع مع الماضي حيث كانت العداوة والقطيعة سمة حصرية لهذه العلاقة.

اذا كان كلام نصرالله يشي بالنسبة الى البعض بوعود تذخر بالايجابيات حيال "القوات"، فان السلوك السياسي لهذا التنظيم منذ ما يقارب العام ينطوي على رسائل ايجابية للحزب. فزعيمه سمير جعجع كف منذ مدة عن الرد على خطابات نصرالله، فضلاً عن موقفه المدوي المتجسد بالانحياز الى مرشح الحزب الحصري للرئاسة الاولى، اي العماد عون، والذي غيّر المعادلات.

وبصرف النظر عن التحليلات، الواضح ان "حزب الله" يأخذ في الاعتبار، بلا شك، التحوّل الهادئ للمسار السياسي لفريق عدّ لفترات طويلة الاحتياط الاستراتيجي للمحور الخصم، ولكن قرار الانفتاح التام والنهائي على هذا التنظيم يحتاج، وفق رأي عارفين بالعقل الباطني للحزب، الى جملة اختبارات وتجارب اولاً، فضلاً عن ان الحزب لا يجد ان المسألة هي اولوية بالنسبة اليه في هذه المرحلة.

ابراهيم بيرم - "النهار" - 14 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top