0
عندما قرأ رئيس مجلس النواب نبيه بري ظهر الخميس الماضي الملخص الإخباري لزيارة الرئيس ميشال عون الى بكركي، فوجئ بأن رئيس الجمهورية بادر مجدداً الى انتقاد التمديد لمجلس النواب، من دون أن يكون قد استجد، برأيه، ما يستوجب هذا الهجوم «المعجّل المكرّر». تمعّن بري في موقف «الجنرال»، وقرّر للوهلة الاولى ألا يرد عليه، برغم انزعاجه الشديد منه.

لكن، وبعد دقائق قليلة، شعر بري أنه ليس قادراً على «هضم» كلام عون، بأي شكل من الأشكال. وما هي إلا لحظات حتى كان رئيس المجلس يخط سطوراً قليلة و «مكثفة»، لفت عبرها انتباه «الجنرال» الى أن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية ومن خلاله باقي المؤسسات كان أكثر سوءاً من التمديد للمجلس.

قبل ذلك، كانت قد بلغت مسامع عين التينة معلومات موثوقة عن انتقادات وجّهها عون، في بعض مجالسه الخاصة والعامة، الى بري والمجلس الممدّد له، لكن بري فضّل آنذاك تجاهل الأمر وعدم البناء عليه، تحسباً لاحتمال وجود أي زيادة او نقصان في ما نقل عن سيد القصر، الى أن أتى تصريح عون من بكركي، ليُخرج الجمر من تحت الرماد الى فوقه.

ويقول بري لـ «السفير» إنه استغرب أن يلجأ عون الى فتح ملف التمديد مجدداً، فيما حبر التصويت له من قبل المجلس لم يجفّ بعد.

لولانا ما وصل عون
ويضيف: دعونا نتكلّم بصراحة وشفافية.. لولا «حركة أمل» و «حزب الله» ما كان عون ليصل الى رئاسة الجمهورية، سواء عبر إصرار السيد حسن نصرالله على انتخابه، أو عبر حرصي شخصياً على تأمين نصاب جلسة الانتخاب وحماية مجرياتها من خطر «الخربطة»، علماً أنني لو تراخيت قليلاً في إدارتها، لكانت كل الاحتمالات واردة، فهل تكون ملاقاة هذه الإيجابية بالتصويب علينا من دون مبرر.

ويشير بري إلى أن شلّ عمل مجلس النواب والتعطيل المتكرر لحكومة الرئيس تمام سلام كانا من أسباب الوهن اللاحق بمؤسسات الدولة، وبالتالي لا يجوز اختصار العوامل التي أنتجت الواقع المهترئ للدولة بالتمديد الذي تم اضطراراً، وصدّق عليه المجلس الدستوري بعد الطعن الميمون الذي قدّمه «التيار الوطني الحر» تحديداً، علماً أنني كنت قد نصحتهم بعدم الطعن، لأن رفضه سيعطي مردوداً عكسياً!

وما زاد من استهجان بري، أن ما صدر عن عون من بكركي أتى معاكساً للنيات الحسنة التي كان قد أبداها حيال «الجنرال»، عندما بات انتخابه للرئاسة محسوماً. ويروي بري أنه أكد لعون حين استقبله في عين التينة، قبيل انتخابه، استعداده للتعاون معه بقدر ما يكون هو كرئيس للجمهورية مستعداً للتعاون أيضاً.

ويتابع: لقد بدا «الجنرال» في تلك الجلسة متجاوباً، وبعد ذلك عقدنا اجتماعاً جيداً وودياً في قصر بعبدا، وكانت الأمور تسلك منحى إيجابياً، قبل أن أفاجأ بالموقف الأخير.

وبرغم شعور الكثيرين بأن سجال بري - عون انعكس سلباً على مساعي تشكيل الحكومة، إلا أن بري يؤكد أنه لا يوجد رابط بين المسألتين، وهو دعا الرئيس المكلّف سعد الحريري، خلال اتصال هاتفي بينهما، إلى أن يواصل عمله وجهده بزخم لإنجاز التأليف «الذي يجب ألا يتأثر بما حَصَل».

هذه مطالبنا
وقبل أن تندلع شرارة السجال بساعات قليلة، كان بري قد طلب من معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل الاتصال بالحريري وإبلاغه قراراً نهائياً مفاده أن «حركة أمل» و«حزب الله» يطلبان الحقائب الوزارية الآتية:
«حركة أمل»: المال (علي حسن خليل)، الأشغال العامة (غازي زعيتر).
«حزب الله»: الصناعة (حسين الحاج حسن)، وزارة الشباب والرياضة (محمد فنيش).
ويبقى وزير شيعي خامس يسمّيه بري عند صعوده إلى القصر الجمهوري، للمشاركة في الاجتماع الذي يسبق الإعلان عن صدور مراسيم تشكيل الحكومة.

ويؤكد بري أن هذه الطلبات قاطعة ومحسومة، وما أبلغته للحريري هو «جواب نهائي»، اقتباساً من الإعلامي جورج قرداحي، وإذا أرادوا أن يسرعوا في التأليف فأنا أنصحهم بأن يسمعوا مني، وألا يضيعوا وقتهم في المتاهات.

«المال».. و«الجنرال»
ويكشف بري أن عون تعهّد له في العام 1988، عندما كان قائداً للجيش، بأن تبقى حقيبة المال بحوزة الطائفة الشيعية طوال عهده إذا انتخب رئيساً للجمهورية، وذلك خلال مفاوضات غير مباشرة تمّت بينهما آنذاك، حول إمكان أن يساهم بري ـ الذي كان وزيراً خلال تلك المرحلة ـ في إقناع القيادة السورية بتسهيل انتخاب عون رئيساً.

وفي سياق متصل، يشدّد بري على أنه ليس وارداً لديه التنازل عن حقيبة «الأشغال» لأحد، طالما يتمسّك كلٌ بموقعه، مع قيمة مضافة.

ويتساءل بري: «لماذا يحق لتكتل التغيير والإصلاح أن يحتفظ بحقيبتي الخارجية والطاقة، بينما يعترض البعض على احتفاظنا بوزارتي المال والأشغال العامة»؟

ويلاحظ رئيس المجلس أن البعض يحاول انتزاع عدد كبير من الحقائب، يفوق ما هو مقترح لحركة «أمل» و«حزب الله»، برغم أن حجم كتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» أكبر بأضعاف مضاعفة من هذا البعض، ما يدفع الى التساؤل حول طبيعة المعيار المعتمد في توزيع الحقائب وتحديد الأحجام؟

لن يحكمنا أحد
ويوضح بري أنه تمسّك باستمرار خليل وزعيتر في موقعيهما الوزاريين، رداً على رفض البعض بقائهما لدوافع كيدية من جهة، وتماشياً من جهة أخرى مع قول الحريري لي بأن حكومته ستكون امتداداً لحكومة تمّام سلام مع بعض «الرتوش».

ويقول بري بلهجة حازمة: أنا لا أريد بتاتاً أن أحكم مجلس الوزراء أو أتحكّم به، ولكنني في الوقت ذاته أرفض أن يحكمني أو يتحكّم بي أحد.. هذا الزمن ولّى ولن يعود، وأنا سأفعل كل ما هو ضروري لمنع عودته..

سيئات تركيبة الـ«24»
ويُعرب بري عن اعتقاده بأنه قد يكون من الأفضل أن تتم العودة الى تركيبة الـ30 وزيراً التي يمكن ان تتسع للجميع وأن تسمح ببناء التوازنات المطلوبة في مجلس الوزراء، مشيراً الى ان تشكيلة الـ24 تقصي أساساً شخصيات تنتمي إلى أحزاب وكتل نيابية، لها حيثياتها، كـ«الكتائب» و«القومي» على سبيل المثال لا الحصر.

فرنجية محقّ
ويعتبر بري أن زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية محقّ في مطالبته بحقيبة أساسية، قائلاً: الرجل لم يخطئ مع أحد، بل إن سلوكه خلال المعركة الرئاسية كان في غاية الشهامة، وهو امتنع عن المشاركة في جلسات الانتخاب تضامناً مع «حزب الله» وتجنباً لإحراجه، برغم أنه كان يحظى بالأكثرية النيابية لانتخابه رئيساً، وبالتالي فإن تياره يستحق أن ينال حقيبة خدمية أساسية، هي بمثابة الحد الأدنى من الحقوق المكتسبة لمن كانت الرئاسة في متناوله، في لحظة ما.

وتعليقاً على رفض بنشعي نيل وزارة التربية، يشدّد بري على أنه يتكفل بمعالجة مطلب رئيس «المردة» عندما يصبح إنجاز التشكيل متوقفاً على حقيبته حصراً. ويضيف: أنا أعرف كيف أتفاهم مع فرنجية، هذا شأني، وأنا أدرى بما أستطيع فعله..

عماد مرمل - السفير 21 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top