0
كشفت تقارير دبلوماسية وردت من واشنطن انه من المفيد جدا وقف التعاطي مع نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي فتحت الطريق امام المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب للدخول الى البيت الأبيض مطلع العام المقبل، على انها من المفاجآت غير المتوقعة او كانها جرت في دولة من مجاهل افريقيا. لا بل انها كانت في نتائجها وما كشفت عنه من متغيرات في العقل والمنطق والسلوك لدى غالبية الأميركيين، شكلت صورة صادقة للغاية ومعبرة الى اقصى الحدود عما فعلته إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما من أخطاء قاربت في جوانب منها حدود الجرائم بحق الشعب الأميركي وصورة اميركا في الخارج.

وقالت ان الإدارة الجمهورية كرست ما سعت اليه ايديولوجيات عديدة قامت في الشرق والغرب توحي بان بلادهم الدولة الوحيدة التي تبيع وتشتري حلفاءها في العالم بأبخث الأثمان وتتخلى عنهم في وقت الشدة وتحديدا في اللحظات التي يمكن أن تعقد فيها صفقة سلاح او نفط او قمح.

وقالت هذه التقارير ان الشعب الأميركي لم يصوت لدونالد ترامب على انه من نوابغ العصر او لأنه مفكر سياسي كبير او رجل مفاوض دبلوماسي او وزير خارجية سابق حقق صفقة لبلاده، بل لأنه رجل اعمال لا يفقه السياسة وهو يكافح من خارج الطاقم السياسي الاميركي الذي يحكم بلا رحمة.

ولذلك على العالم ان يتوقف عن التطلع الى هذه الإنتخابات على انها اتت برئيس يقال تارة انه معتوه ومختلف عن العالم او انه غبي كما صورته وسائل الإعلام الأميركية التي فشلت في تأليب الرأي العام ضده بقدر ما شكلت سببا للإنقلاب على المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون او قتل روح الحماس لدى فئآت من مناصريها ترددوا في التصويت لها اعتقادا منهم ان النتائج مضمونة لها في صناديق الإقتراع.

ولذلك، رأى اكثرية الناخبين في ترامب رجلا واعدا يتحدث باسم أكثرية الشعب الأميركي وبلغة الفقراء منهم والرازحين تحت وطأة الضرائب التي تذهب بمعظمها الى ايواء النازحين والمهاجرين غير الشرعيين الذين يقصدون بلادهم بالملايين من دول اميركا اللاتينية والجوار الاميركي ومن الشرق الاوسط وسوريا لإيوائهم واسكانهم وتعليمهم وتوفير الطبابة لهم.

وعليه، عكست هذه الصورة كيفية انتخاب قسم كبير من الأميركيين شكلوا 50 % من الذين كانوا بعيدين عن اللعبة الانتخابية في السابق ولم يكونوا من الذين يصوتون لمرشحي اي من الحزبين الجمهوري او الديمقراطي، فوجدوا باكثريتهم في ترامب رجل الاعمال الآتي من عالم المال والشهرة والنجاح وهو محاط بطاقم سياسي ودبلوماسي واداري ومالي واسع الشهرة وكبير للغاية يمكنه ان يدير بلادهم ويسعى الى الربح والرخاء المالي والإقتصادي وتخفيف الضرائب عنهم.

وقالت التقارير ان الأكثرية الأميركية عبرت عن الرغبة بان يحمل ترامب تغييرات سياسية ايجابية داخل المجتمع الاميركي وقد يغير من سياسة التدخل الخارجية التي قادها باراك اوباما على الساحات العالمية وهو ما تسبب بتشويه صورة الولايات المتحدة في الخارج. عدا عن بروز من استخف من قادة ثورات ودول بقدرات دولتهم العسكرية والإقتصادية فرفعوا بوجهها مواقف التهديد والتحدي. وبدل ان يواجههم باللغة والمنطق عينهما انكفأ وادار الظهر للأزمات الدولية على خلفية الوعود التي قطعها بوقف قتل اي من الأميركيين على اية اراض خارج بلاده، فقاد المعارك من القمرة الخلفية ولم يحصد سوى الفشل في افغانستان والعراق وسوريا وغيرها من البلدان التي عاشت ازمات بابعادها الدولية والاقليمية.

وفي مقابل هذه الصورة التي عكستها التقارير الواردة من واشنطن ومن مراكز الدراسات التي ما زالت تبحث في الأسباب التي قادت الكثير من المراقبين الى الرهان على فشل ترامب في المواجهة مع كلينتون، فقد شدد بعضها ان على الشعب الأميركي ان ينتظر بعض الوقت ليرى جوانب من رهانه الخاسر على ترامب. فالاخير اطلق ما اطلقه من مواقف وهو ينظر الى واشنطن والإدارة الأميركية "من تحت" ولم يقاربها بعد "من فوق" حيث يتوقع ان تتغير نظرته الى الكثير من الأمور التي رفعها في حملته الإنتخابية.
ولذلك فقد نصحت هذه التقارير بانتظار كيفية تعامل الادارة الجديدة مع التحديات الداخلية والخارجية التي ستواجهها فور دخول ترامب المكتب البيضاوي، ولفتت الى صعوبة إحداث اي تغيير في سياسات بلاده الداخلية والخارجية والتي رسمتها الإدارات السابقة والتزمها كل من سكن البيت الأبيض فتراجع كثر عن وعود قطعوها واعترف آخرون بالفشل في تحقيق ما وعدوا به الشعب الأميركي. ولذلك سيجد ترامب نفسه متغيرا في مقاربته للقضايا الدولية فور جلوسه رئيسا في المكتب البيضاوي ليواجه القضايا الداخلية والعالمية بـ "مسؤولية الرئيس" الذي سيتخذ قرارات اجتماعية ومعيشية يومية للأميركيين وفي الإستحقاقات العسكرية والسياسية والدبلوماسية الكبرى في العالم وليتحمل مسؤولياتها وتبعاتها.

وعن المتغيرات التي يمكن ان تشهدها المنطقة، قالت التقارير الديبلوماسية ان منطقة الشرق الأوسط ولبنان دولة من دولها، لن تشهد في المدى المنظور اية متغيرات اساسية رغم الوعود التي قطعها ترامب عبر مستشاريه من اصول لبنانية وعربية، عن انه مصر على الإستمرار بالحرب الإستباقية على داعش والمنظمات الإرهابية قبل معالجة مصير النظام السوري نفسه. وهو ما سينعكس تدريجيا على الوضع في لبنان بقدر ما سيغير في قضايا الشرق الأوسط، لأن ليس لدى الإدارة الأميركية والعالم اليوم ملف مستقل اسمه لبنان بمعزل عما يجري في محيطه والمنطقة.

"المركزية" - 12 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top