عندما يتناول النقاش ملف النازحين السوريين الى دول الجوار، تتبادر الى الأذهان التجارب الأردنية والتركية واللبنانية. وما لم يتنبه اليه البعض يكمن في حجم أزمة «كردستان العراق» حيث يفيض عددهم على بقية الدول عدا عن النازحين العراقيين الذين أتخموا منطقة الحكم الذاتي. وهو ما عزّز البحث في وجوه الشبه بين تجربتهم وتجربتنا وما يفرّقهما عن التجربة التركية؟
قبل نحو شهر ونيف من اليوم كان مسؤول لبناني سابق في زيارة الى مجموعة من اصدقائه السياسيين والعسكريين في حكومة كردستان العراق يناقش معهم كما العادة في سلسلة الإستحقاقات التي تشهدها المنطقة ولا سيما التطورات المحيطة بالدولة ذات الحكم الذاتي وعلاقتها مع جيرانها والحكومة المركزية العراقية والأزمتين العراقية والسورية.
في الحوار الذي كان مفتوحاً يومها مع مجموعة من القادة والخبراء الأمنيين كان البحث جارياً في الخطط العسكرية لخوض المواجهة الكبرى مع «داعش» في الموصل وأطرافها الممتدة الى حدود المنطقة الكردية وسط الإستعدادات الجارية لتجهيز القوة العسكرية الكافية من قوات البشمركة التي رست عليها إحدى المهمات الكبرى من أجل تحرير منطقة مختلطة إسلامية ومسيحية هي على مرمى من مناطق انتشارهم الى جانب قوة عسكرية جمعت من الفصائل التي يجري تدريبها على يد قوات الحلف الدولي ومعها قوة من 3000 مسلح من العشائر العراقية السنّية التي ترغب تركيا إدخالها في المعركة ضمانة لتحاشي أيّ خطأ يمكن أن ترتكبه مرة أخرى وحدات من الجيش العراقي أو من الحشد الشعبي كما في الفلوجة والرمادي بحق أبنائها السنّة.
على هامش النقاش في الإستعدادات العسكرية توسّع البحث الى جوانب أخرى من الأزمة العراقية وامتداداتها الى الأراضي السورية بعدما أزالت «داعش» مئات الآلاف من الكيلومترات من الحدود العراقية - السورية ما جعل المواجهة واحدة على اراضي الدولتين.
فكان حديثٌ عن أزمة السوريين النازحين الى دول الجوار السوري والسبل الآيلة الى إعادتهم الى المناطق الآمنة. مع الإشارة الى استحالة مثل هذه الخطوات في مناطق سُوِّيت بالأرض ولم يعد هناك أيّ مظهر من مظاهر الحياة المدنية فيها.
فوجئ الزائر اللبناني بالمعلومات التي سمعها من المسؤولين الأكراد وخصوصاً عندما أكدوا أنّ هناك ثلاثة ملايين نازح سوري في المنطقة الكردية وقد باتوا يشكلون عبئاً رهيباً على المؤسسات الحكومية في الإقليم على كلّ المستويات الصحية والتربوية والإجتماعية والأمنية، وكذلك على مستوى الأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة الخفيفة والخدمات اليومية.
فطبيعة المنطقة التي يقطنها نحو سبعة ملايين كردي تشبه لبنان الى حدّ بعيد وهو ما فتح جدول المقارنة بقوة بين التجربتين اللبنانية والكردية. ففي لبنان أيضاً مليون ونصف مليون سوري يعيشون بين أربعة ملايين لبناني ومعاناتهم تشبه المعاناة الكردية في كلّ شيء. وكما تعاني كردستان من النازحين العراقيين الذين يُضافون الى السوريين، فإنّ لبنان يعاني من وجود الفلسطينيين بالنسبة عينها.
وعليه، يضيف الزائر اللبناني، لم تقف المفاجأة عند هذا الحد في وجوه الشبه بين بلدينا. فقد أظهرت الإحصاءات التي أجرتها سلطات كردستان ومعها مجموعات عمل دولية وأممية أنّ بين النازحين السوريين الى كردستان «نازحين اقتصاديين» ما زالت عائلاتهم في سوريا وهم يستفيدون من فرص العمل في كردستان والمساعدات الدولية ولم تحل التدابير دون سلوكهم الطرق المفتوحة بين العراق وشمال سوريا لزيارة عائلاتهم في الشمال السوري في الحسكة والقامشلي وأريافه وصولاً الى القرى والمدن الكردية المنتشرة على الحدود مع تركيا وهي مناطق آمنة وتتوافر فيها ظروف العمل لكنّ ذلك لم يؤدِ بعد الى عودة النازحين اليها.
والى وجوه الشبه بين التجربتين الكردية واللبنانية، وكما في لبنان يخشى المسؤولون الأكراد من مخاطر كثافة النازحين السوريين على فرص العمل في مناطقهم وكلفة توفير الحدّ الأدنى من المساعدات التي يحتاجون اليها في ظلّ الأزمة الإقتصادية العالمية الناجمة من انخفاض أسعار النفط تزامناً مع استحالة توفير عودتهم الى موطنهم الأصلي في ظلّ الفرز الطائفي الذي يعيشه بعض المناطق السورية وحِدّة الخلافات المذهبية التي حالت ولا تزال دون ذلك الى اليوم.
وما يخشاه المسؤولون الأكراد ناجم من حجم المعركة القائمة في الموصل وسوريا في آن. فهي تعزّز المخاوف من تهجير مناطق سورية وعراقية واسعة قد تدفع الى زيادة النازحين العراقيين الى كردستان على رغم ما هو متوقع من إمكان إعادة النازحين من الطوائف المسيحية العراقية الى بعض مناطق الموصل فور تحريرها من «داعش»، لكنهم لا يشكلون سوى نسبة قليلة من النازحين لديهم.
وفي الجديد الذي سمعه الزائر اللبناني أنّ السلطات التركية وحدها تجاوزت جزءأً من مشكلة النازحين السوريين اليها عبر تجنيسهم بأعداد كبيرة. ويقدّر المسؤولون الأكراد أنّ نحو مليونين ونصف مليون سوري نالوا الجنسية التركية وقطع موضوع دمجهم في المجتمع التركي أشواطاً بعيدة وحلّت الأزمات التي كانوا يعانون منها على مستوى التعليم والطبابة وكلّ نواحي الحياة اليومية الأخرى وبات لديهم ما يحظى به المواطنون الأتراك من حقوق وواجبات.
وعليه يخلص الزائر اللبناني الى بعض النصائح التي عاد بها من اربيل ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ عودة جزء من النازحين السوريين الى أرضهم الأصلية قد يتحوّل حلماً بعيد المنال «فما لدينا ولديكم في لبنان من نازحين سيبقون ضيوفاً الى أمد طويل».
فليس من السهل ترقّب أيّ بحث دوليّ جدّي في إعادتهم الى المناطق الآمنة، وإنّ قدرات لبنان والأردن وكردستان لا تشبه في جوانب كثيرة منها قدرات الأتراك على استيعابهم. هذا عدا عن خطوات أنقرة الخاصة بتنظيم «المنطقة الأمنية الآمنة» في جرابلس ومحيطها.
وهي في عهدتهم ما بين كوباني شرقاً وعفرين غرباً، وهي منطقة تمتد بطول 90 كيلومتراً وبعمق قد يمتد قريباً الى 40 كيلومتراً ما سيسمح بإعادة توطين النازحين السوريين الذين لم يتجنّسوا بعد في تركيا إليها وهو ما تفتقده دول الجوار السوري الأخرى الى حين.
جورج شاهين - "الجمهورية" - 24 تشرين الثاني 2016
إرسال تعليق