0
كل شيء يدل حتى الآن على أن "حزب الله" اضطر الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعدما فوجئ بتأييد الرئيس سعد الحريري وترشيحه وهو ما لم يكن في حسابه، فبات الحزب في وضع حرج إذا ما استمر في تعطيل الانتخابات الرئاسية، كما اضطرت ايران الى التسليم بالواقع والتخلي عن طلب ثمن تسهيل الانتخابات الرئاسية، مكتفية بامتلاك ورقة سلاح "حزب الله" لترفع سعرها عند طلب التخلي عنه كي تقوم في لبنان الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، ولا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. عندها يكون عهد الرئيس عون مختلفاً عن عهود سابقة، فإذا لم يتحقق ذلك في عهد الرئيس المسيحي القوي فقد لا يتحقق في أي عهد آخر، ويصاب المصرون على الرئيس القوي بخيبة كبيرة.


والسؤال المطروح: ما هو الثمن الذي ستطلبه إيران لجعل "حزب الله" يتخلّى عن سلاحه؟ هل أن يكون لبنان في خطها السياسي، ام ان يكون لإيران دور في المنطقة ولا سيما في سوريا اعتقاداً منها أن مَن يكون له نفوذ في سوريا يكون له نفوذ في لبنان أيضاً؟ وماذا في استطاعة الرئيس عون أن يفعل إذا ظل "حزب الله" محتفظاً بسلاحه وظلّت ايران تصر على قبض ثمن التخلي عنه؟ فإذا قرّر مواجهة الحزب وقعت في لبنان حرب داخلية خطيرة قد تكون أخطر من كل حروب سابقة، وقد لا تنتهي ربما بالتقسيم لا سمح الله. واذا تجنّب هذه المواجهة خوفاً من تداعياتها، فإن الكلمة في المواضيع المهمة تبقى لدولة "حزب الله" كما كانت في عهود سابقة ومنذ العام 2005، وقد تعذّر على أي عهد إقامة الدولة التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، ويكون عهد الرئيس عون الذي علّق عليه الكثيرون ولا سيما المسيحيون، الآمال الكبيرة كسائر العهود "ولا حدا أحسن من حدا"، إلا اذا حصلت تطورات في المنطقة بعد قيام الإدارة الأميركية الجديدة ليست في مصلحة سياسة إيران في المنطقة وخصوصاً في لبنان، فيكون انتخاب العماد عون تم بلا ثمن وكذلك التخلي عن سلاح "حزب الله".
 
والسؤال الآخر الذي ينتظر الجواب قبل البحث في مصير سلاح "حزب الله" هو: متى ينسحب الحزب من سوريا ومن ضمن أي ظروف ومعادلات؟ هل قبل الانتخابات النيابية خلال ربيع 2017 أم بعدها علّ نتائجها تأتي لمصلحة الحزب وحلفائه فيفوز بأكثرية المقاعد، وعندها تكون الكلمة في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب لهذه الأكثرية وبالوسائل الديموقراطية، ويصير في الامكان عندئذ إعادة النظر في دستور الطائف لتعديل ما ينبغي تعديله لتحقيق مزيد من العدالة والانصاف والمساواة في توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث، ويكون هذا التعديل هو البديل من عقد مؤتمر تأسيسي؟
لقد سبق للبطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير أن قال في حديث له: "إما أن يكون لنا دولة تمتلك وحدها السلاح أو لا نكون". وكان مجلس المطارنة الموارنة قد دعا غير مرة في بيانات صدرت عنه الى "التخلي عن المنظمات المسلحة لمصلحة القوى العسكرية والأمنية الشرعية التي لها وحدها حق امتلاك السلاح، وهي وحدها الضامنة للسلم الأهلي، وإلا فإن كل سلاح غير شرعي يستجلب في المقابل سلاحاً غير شرعي". وكان الرئيس سعد الحريري صرّح غير مرّة بأن "الدولة لا تمشي مع سلاح خارجها، ومن العيب أن تصبح كل طائفة مسلّحة بديلاً من الدولة". في حين كان قادة في "حزب الله" يكررون القول: "ان لا رئيس يصل الى سدة الرئاسة إلا اذا كان يحرص على سلاح المقاومة". وكان العماد عون يقول إنه "لا يتخوّف مطلقاً من مشروع حزب الله ولا من مشروع ولاية الفقيه الذي يتم التحذير منه، لأن هناك استحالات عدة للوصول الى أي منهما. فالشيعة في لبنان لا يريدون ذلك، والتكوين السكاني للبنان لا يسمح بذلك" ("الشرق الأوسط"، 2009). وفي العام 2011 قال نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في حديث له: "نحن أقوى الأحزاب اللبنانية، وأن أي حكومة لا يمكنها تجاهلنا، وللمراهنين على متغيرات سورية لإضعاف المقاومة نقول لهم لا تضيّعوا وقتكم". وكان المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي قد صرّح على اثر حرب تموز مع اسرائيل: "ان لبنان سيكون بمثابة مكان لهزيمة أميركا والكيان الصهيوني، وان ايران ستكون القوة الرئيسية في المرحلة المقبلة". ثمة من يقول إن دور الميليشيات والتنظيمات المسلحة آتٍ بعد الانتهاء من ضرب الإرهاب بكل أشكاله كي تقوم في كل بلد دولة قوية ينتصر فيها الاعتدال على التطرّف".
 
إن تخلّص لبنان من السلاح الفلسطيني على أرضه كلّفه حرباً داخلية دامت 15 عاماً، ووصاية سورية عليه دامت 30 عاماً. فكم سيكلف التخلّص من سلاح "حزب الله" لتقوم الدولة القوية في لبنان اذا لم يبادر الحزب من تلقائه الى المساهمة في قيام هذه الدولة من دون انتظار التطورات في المنطقة، فيعود له الفضل عندئذ في إقامتها وتأكيد عودته الى لبنانيته الحقيقية الصادقة.

إميل خوري - "النهار" - 25 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top