0
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان جوزف نفاع وعاد ابي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر ولفيف من الكهنة، في حضور النائب نعمة الله ابي نصر، قائمقام كسروان - الفتوح جوزف منصور، وفد من رؤساء البلديات والمخاتير في المتن الأعلى برئاسة الوزير السابق عبد الله فرحات، رئيس الرابطة المارونية في بلجيكا المهندس مارون كرم، وفد من التجمع الفرنسي للمستقبل في لبنان برئاسة القنصل خليل حديفة، محافظ الجنوب السابق نقولا ابو ضاهر، الأمينة العامة للمؤسسة المارونية للانتشار هيام بستاني وحشد من الفعاليات والمؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان " فيما كان زكريا الكاهن يحرق البخور، تراءى له ملاك الرب عن يمين المذبح"،(لو1: 9 و11)، قال فيها: "أثناء صلاة زكريا المرتفعة من قلب نقي، وحياة بارة، ومسلك بحسب وصايا الله، تراءى له ملاك الرب معلنا البشرى بأن صلاته استجيبت وامرأته إليصابات، العاقر والمتقدمة في السن مثله، ستحبل وتلد ابنا يسميه يوحنا.
هذا يعني أن الصلاة هي الوسيلة الأساسية والظرف الأنسب للدخول في حوار مع الله. نحن بها نسبح الله ونمجده ونشكره ونستغفر منه، ونرفع إليه طلباتنا بدالة الأبناء. وهو يستجيب في الوقت المناسب وبالطريقة التي يريدها. فكم الحال رب يسوع علينا: "إسألوا تعطوا. أطلبوا تجدوا. إقرعوا يفتح لكم. فإن كل من يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له" (متى 7: 7-8). الصلاة حاجة لنا كجماعة، ولكل واحد وواحدة منا، إذ فيها تتجلى لنا إرادة الله، وندرك ما يريده منا، ونستنير في كل أعمالنا، فتأتي منقاة من أي عيب، ومجملة بالعدل والخير والمحبة".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحن نفتتح مع أحد البشارة لزكريا بمولد يوحنا، زمن الميلاد أو المجيء. فيوحنا يختتم مسيرة أنبياء العهد القديم نحو المسيح المنتظر الذي "كتب عنه موسى والأنبياء" (يو1: 45؛ لو24: 27). ويفتتح مسيرة رسل العهد الجديد، مستبقا مجيء الرب يسوع، ومهيئا له. وبهذه الصفة هو "السابق" المنادي بالمسيح الذي يأتي، وهو "المعمد" للتوبة وتهيئة القلوب لقبوله. نحن مدعوون في زمن المجيء للاستعداد لميلاد المسيح الفادي والمخلص بالتوبة والصلاة، لكي يكون ميلاده فينا، بل ميلادنا نحن فيه".

وتابع: "إني أرحب بكم جميعا، ونحيي بنوع خاص وفد رؤساء البلديات والمخاتير وشخصيات من المتن الاعلى، وفي مقدمهم الوزير السابق عبدالله فرحات، ووفد التجمع الفرنسي للمستقبل في لبنان بشخص رئيسه القنصل خليل حديفة والمرافقين. اننا نصلي معا، كي ندخل زمن الميلاد بروح التوبة والتأمل في سر محبة الله لنا. وهي محبة دفعت بالآب إلى إرسال ابنه مولودا من مريم عذراء الناصرة بقوة الروح القدس، لخلاص كل إنسان.ونرجو أن تؤدي بنا المسيرة الميلادية إلى اللقاء الشخصي والجماعي بالمسيح المخلص والفادي، فتكون ذكرى ميلاد المسيح تحقيقا لميلاد كل واحد وواحدة منا إنسانا جديدا على مقياس يسوع المسيح".

وقال: "قبل أن تكون صلاة زكريا عملا طقوسيا قائما على تقديم البخور في مقدس الهيكل، كان عنده حياة بارة مع زوجته إليصابات، إذ "كان كلاهما بارين وسالكين في جميع وصايا الرب ورسومه بلا لوم"(الآية 6).
إنهما مثال في الأمانة لله والتمسك بوصاياه وبتعليم الكنيسة. كثيرون أمام الصعوبات أو خيبات الأمل يبتعدون عن الله والممارسة الدينية، وكأنهم ينتقمون بهجر الكنيسة وقداس الأحد والتعاليم الدينية. يذكرنا زكريا وإليصابات أن وصايا الله ورسومه إنما وضعت لخير الإنسان وخلاصه وسعادته، لا لتكون قمعية ومدعاة ليتحرر منها. مثل هذا التصرف يدل على أن الإنسان لم يكن يتبع الله حبا به، بل بالشكل الخارجي فقط.
فلأن زكريا كان أمينا ومخلصا لله بالرغم من حرمانه ثمرة ولد من زواج، الأمر الذي كان يعتبر في عصره عارا، "استجاب الله صلاته"، ووهبه ولدا قال عنه" لم يولد مثله في مواليد النساء" (لو7: 28). فما أصدق قول بولس الرسول: "كل شيء يؤول لخير الذين يتقون الله" (روم 8: 28). إتقاء الله يقتضي انتظار تجلياته بصبر الرجاء. ليس صمت الله، في بعض الأحيان، إهمالا لنا، بل قد يكون ضرورة لإظهار مجده، كما في البشارة بمولد يوحنا، على ما تنبأ أبوه زكريا يوم مولده: "تبارك الرب إلهنا، لأنه افتقد شعبه وحرره، وأقام لنا عهد خلاص من أعدائنا ومبغضينا" (لو1: 68-71).

أضاف: "تبدأ الصلاة بالمسلك الصالح أمام الله، بحسب الوصية الإلهية: "يا بني، سر أمامي وكن كاملا"، وتتواصل بالصلاة اللفظية، وفي الصلاة الليتورجية الأسرارية، حيث تصبح صلاة تسبيح وشكر لله، وصلاة استغفار وتوبة والتماس بدالة الأبناء. هذه الصلاة المسلكية واللفظية والليتورجية تدخلنا في عمق العلاقة مع الله، وترفعنا إلى قمم التجرد والنزاهة والأخلاقية التي توجه أعمالنا ومواقفنا في الجماعة، أكنا في الكنيسة، أم في العائلة، أم في المجتمع، أم في الدولة".

وتابع: "إن الصلاة تذكر الذين يتعاطون السياسة والشأن العام، أن سلطتهم تنبع من نظام طبيعي أوجده الله الخالق، وأن الله يبقى الروح الذي ينفخه في ضمائرهم لكي يعملوا من أجل الخير العام والمصلحة المشتركة. وتذكرهم أن الله أكبر منهم جميعا، وأنه البداية والنهاية؛ وأن المسيح هو صانع نظام السلام على الأرض، وهو نظام يؤتمنون عليه لكي يصنعوا السلام بواسطة العدالة الاجتماعية والقضائية، وبواسطة الإنماء الشامل للشخص البشري والمجتمع؛ وان المسيح يقود تاريخ البشر؛ ويحرر القلوب من التعلق المفرط بالمصالح الذاتية والأميال المنحرفة التي تولد النزاعات والخلافات والحروب (راجع نداء آباء المجمع الفاتيكاني الثاني إلى حكام الدول)".

أضاف: "بهذه الروح وهذا الانتظار يتطلع اللبنانيون إلى السلطة العليا الجديدة، رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المكلف اللذين أتيا بنتيجة التوافق بين معظم الكتل السياسية، فيرغبون أن تكون الحكومة الجديدة المنتظرة حكومة جامعة وفاقية ذات فعالية، تجمع ولا تلغي، تتقاسم المسؤوليات بروح الميثاق الوطني والدستور، لا بذهنية المحاصصة والتشبث بهذه أو تلك من الحقائب، ويرجون أن يتم تأليفها والبدء بممارسة صلاحياتها الإجرائية قبل عيد الاستقلال، لكي تكتمل فرحة اللبنانيين جميعا".

وختم الراعي: "نحن من جهتنا نواصل الصلاة على هذه النية، وفينا رجاء بأن الله يستجيب صلاة المؤمنين المتكلين على عنايته. كما نصلي من أجل إيقاف الحروب في بلدان الشرق الأوسط ولاسيما في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وإيجاد الحلول السياسية للنزاعات القائمة، وتوطيد سلام عادل وشامل ودائم، ومن أجل عودة النازحين واللاجئين والمخطوفين والمبعدين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم. للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، كل شكر وتسبيح، الآن وإلى الأبد، آمين".

بعد القداس، استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية، كما التقى النائب نعمة الله ابي نصر، الذي أشار بعد اللقاء الى انه عرض مع البطريرك الراعي الاوضاع الراهنة. وقال: "حملني غبطة البطريرك تحياته الى فخامة الرئيس متمنيا للعهد الجديد التوفيق".

بعدها، استقبل الراعي رئيس الرابطة المارونية في بلجيكا المهندس مارون كرم، الذي أشار بعد اللقاء الى انه عرض مع البطريرك التطورات والمستجدات على الساحة المحلية، ناقلا له تحيات أبناء الجالية والتفاؤل الكبير بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية مما يعيد عجلة الحياة السياسية والدستورية والاقتصادية الى البلاد.

وشكر كرم البطريرك على زيارته الأخيرة لبلجيكا ومشاركته في مؤتمر "الحوار والأمن في الشرق الاوسط" الذي عقد مؤخرا في مدينة فينيس الايطالية بمشاركة عربية ودولية وبرعاية البرلمان الاوروبي. ومن الزوار، على التوالي: نائب رئيس بلدية كفرقطرا جورج معلوف، مدير بنك بيروت - زوق مصبح ايلي صابر، مسؤول العلاقات مع الاحزاب الوطنية اللبنانية في التيار الوطني الحر الدكتور بسام الهاشم، وفد من أكليريكية غزير برئاسة الأب ريمون باسيل الذي قدم للراعي نسخة عن كتابه الجديد "لاهوت الشهداء عند الموارنة من خلال البيت غازو"، المحامي لوران عون، ثم أمين سر نقابة شعراء لبنان الشاعر أميل نون ووفود شعبية من مختلف المناطق اللبنانية.

13 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top