0
أقول بوعي شديد إن أخبار مايا دياب وميريام كلينك وهيفاء وهبي أهمّ بكثير من هموم الناس، ومن أخبار تأليف الحكومة وتوزيع الحصص. تأمّلوا مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن الطبخات الوزارية المجهضة، وتلك المواقع التي تنقل صور الاحتفال بعيد ميلاد مايا دياب، وأحمر الشفاه الذي تضعه ميريام كلينك، والمشروع الجديد الذي تعتزم تنفيذه امرأة الغواية الهيفاء. تأمّلوا. وقارِنوا.

لا يتردّدن أحد في المشاهدة والمفاضلة. الأكثر تصفحاً وقراءةً واهتماماً هي أخبار الآنسات الثلاث. بعدها تأتي أخبار الجرائم الفظيعة، وقد تنافسها في احتلال المراتب الأولى، لتحلّ في أسفل درجات الاهتمام أخبار التوزير واليد الأوركسترالية الإيرانية على لبنان. لكن ماذا لو كانت المقارنة بين المواضيع التي تتناول مكبّات النفايات وفساد البيئة وتلوّث الهواء وأقساط المدارس والجامعات وأسعار فواتير الكهرباء والماء من جهة، وبين المواضيع التي تتعلق بحقوق الطوائف والمذاهب والأحزاب في مسألة تأليف الحكومة؟ أيّهما الأكثر أهمية لدى هؤلاء اللبنانيين، مآسيهم الفعلية أم فضائح النهب وتقاسم الحصص؟
 
بين أوجاع الناس وهواجسهم المعيشية، والقضية المتعلقة بالغرائز المذهبية والحزبية والقطيعية السياسية، يختار اللبنانيون الثانية. تأمّلوا مواقع التواصل الاجتماعي... وقارِنوا بين المنزلتين. ما الغاية مما كتبْتُه أعلاه؟ واضحة وبسيطة: اللبنانيون مأخوذون بالعَرَضي والتافه والمثير والسطحي، لأنهم يهربون من "الحقيقة"، ويتهرّبون من مواجهتها. هم يعون تماماً واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي المهين والمزري، لكنهم لا يفعلون شيئاً لمنع هذا الواقع من أن يصبح هو مصيرهم المحتوم. إنهم مستعدّون للقبول بكلّ ما يُرتَكب من الهفوات والشناعات والأخطاء و"الجرائم"، في حقّهم وحقّ بلادهم.
 
هل يجب أن أكتب عن المنزلة التي يشغلها مصير المكتبة الوطنية في مواقع التواصل الاجتماعي، أم عن معرض الكتاب الفرنكوفوني وصلاح ستيتية، أم عن لوحات أيمن بعلبكي والمعارض الأخرى؟
 
أعتذر مليون مرّة لأني أثير سؤالاً "تافهاً" عن مسألة ثقافية، أعرف تماماً أنه لن يحرّك ساكناً لدى الطبقة الحاكمة ولا لدى اللبنانيين. لكني أريد أن أسأل هؤلاء الذين يشغفون بأخبار مايا وميريام وهيفاء، ماذا يجب أن يشغلهم حقّاً: حياتهم وكراماتهم الممعوسة أم توزير سارقٍ في الحكومة العتيدة؟ وهذه الحكومة العتيدة، أستكون حكومة وحدة وطنية أم الحكومة - المزرعة؟
 
هل يتابع العهد الجديد أخبار مايا وميريام وهيفاء، أم يتابع "فجعنة" قيادة "التيار"، و"حزب الله"، و"أمل"، و"المستقبل"، و"القوات"، و"الكتائب"، و"التقدمي"، و"المردة"، و"القومي"، و"البعثي"، أم... سيستلحق نفسه قبل الوقوع في المستنقع الكبير؟!

عقل العويط - "النهار" - 15 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top