0
خلطت نتائج الانتخابات الاميركية اوراق السياسة الدولية وقلبت الاولويات رأساً على عقب، بعدما خالفت كل التوقعات واستطلاعات الرأي وأوصلت دونالد ترامب الى البيت الابيض. المفاجأة لم تقتصر على الاميركيين وحدهم الذين انبرى جزء منهم الى تنظيم تظاهرات في بعض الولايات رفضا لرئاسة "الجمهوري المتطرف"، بل أذهلت سائر دول العالم التي أجرت حساباتها للمرحلة المقبلة على أساس فوز هيلاري كلينتون.

ومع ان خطاب النصر الاميركي اتسم بكثير من الاعتدال، بيد ان مرحلة حذر تسود العالم قبيل تسلّم ترامب مقاليد الحكم ترقبا لما سترسو عليه الخطوط العريضة للسياسة الاميركية الجديدة ومفاجآتها التي مهدت لها مواقف الرئيس الجديد في مناظراته الثلاث مع منافسته. وما يرفع منسوب الحذر بحسب ما تعتقد اوساط دبلوماسية، هو ان العهد الاميركي المقبل الذي ينطلق فعليا مطلع العام الجديد يتمتع بميزات لم تتوافر للادارة الحالية لعلّ ابرزها "سيطرة" الحزب الجمهوري على معظم المؤسسات الدستورية بدءاً من مجلسي الشيوخ والنواب وصولا الى رئاسة الجمهورية، ما يمنح ترامب هامشا واسعاً للتحرك واتخاذ القرارات من دون عراقيل او محاولات التفاف عليه كما حصل إبان عهد الرئيس باراك اوباما الذي كبّله فوز الجمهوريين بغالبية "الكونغرس" .

والميزة "الجمهورية" الفريدة، تقول الاوساط لـ" المركزية" ستطلق يد ترامب في الولايات المتحدة والعالم انطلاقا من توافر عدة العمل التي تمنحه مساحة واسعة وقدرة كبيرة على احداث ما يطمح اليه من تعديلات وتغييرات في كل الملفات التي يسجل عليها "نقاطا سوداء" وفي مقدمها الاتفاق النووي مع ايران الذي جاهر ترامب خلال حملاته الانتخابية ومناظراته التلفزيونية بأنه عازم على تغييره في شكل يأخذ في الاعتبار مصالح الدول المجاورة التي تضررت منه عبر تدخل طهران المباشر في شؤونها. وتتوقع في هذا الاطار ان يُدخل الرئيس الجديد تعديلات مهمة على الاتفاق الذي وصفه بالكارثة، بحيث يعيد فتح المفاوضات في شأن بعض بنوده من خلال إعادة إرساله إلى الكونغرس الأميركي.

وامام هذا الواقع، تعتبر الاوساط ان عددا من دول المنطقة المتوقع ان يتأثر سلباً بفوز ترامب وتصيبه "الشظايا الجمهورية"، اي ايران ومن يدور في فلكها، ينكب على اجراء تقويم للمستجد ليحدد في ضوئه خريطة طريق المرحلة. وللغاية، يضغط في اتجاه انجاز تسويات قد تمكنه، في اعتقاده، من التفلت من عقال سياسات ساكن البيت الابيض الجديد. وتتوقع ان تلجأ ايران والحال هذه الى تسهيل التسويات السياسية في دول المنطقة بدءاً من اليمن، باعتبار أن العلاقة مع الدول العربية ستشهد تحسنا كبيرا في عهد ترامب، بخاصة دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر، بحيث يفتح بوابة التقارب مع الرياض عبر الحل اليمني فيتجنب بذلك الضغط الاميركي ويخفف من وطأة تدخل العهد الجديد في هذه الملفات ساحباً بساط الذرائع من تحت قدميه.

ولبلوغ هذا الهدف، ترى الاوساط ان المرحلة الفاصلة عن تسلم ترامب رئاسة الدولة العظمى ستشهد تحولات مهمة على مستوى الملفات الاكثر سخونة من اليمن الى العراق فسوريا، بحيث اذا ما تم تخفيف سقف الشروط العالي المنبثق من موقع السطوة والقوة في طهران، أمكن الوصول الى تسويات سياسية بالحد الادنى تجنّب طهران نيران ترامب القادمة لا محالة.

"المركزية" - 10 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top