0
خلّفت التطورات السياسية التي شهدها لبنان في الاشهر القليلة الماضية وراءها شغورا في مقعدين نيابيين، الاول كان يشغله روبير فاضل الذي قرر الاستقالة احتجاجا على السلوك السياسي العام وعلى تعطيل دور المؤسسات الدستورية في البلاد. أما الثاني، فشغر بانتخاب صاحبه العماد ميشال عون، رئيسا للجمهورية.

ولما كانت المادة 41 من الدستور أوجبت الشروع في انتخاب خلَف خلال شهرين من تاريخ خلوّ المقعد النيابي ما دامت المهلة التي تفصل الشغور عن نهاية ولاية المجلس تزيد عن ستة أشهر، توجهت أنظار البعض في طرابلس وكسروان، المنطقتين المعنيتين بهذا الفراغ، نحو القرار الذي ستتخذه الجهات الرسمية في شأن الانتخابات الفرعية التي ينص الدستور على ضرورة اجرائها. وهنا، لم تبد حكومة تصريف الاعمال من جهة، ولا القوى السياسية الوازنة في القضاءين من جهة أخرى (وأبرزها تيار المستقبل، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، أي حماسة تجاه الاستحقاق الفرعي ولا استعجلت إجراءه. فالانتخابات النيابية مقررة خلال أشهر في أيار 2017، وخوض انتخابات فرعية لإيصال نائبين الى البرلمان لهذه الفترة القصيرة "ما بتحرز" في نظرها.

وحده وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي "يريد" هذه الانتخابات، وقد وجه في 17 تشرين الثاني الجاري كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء يتعلق بإجراء الإنتخابات النيابية الفرعية في طرابلس، طالبها فيه "باتخاذ الإجراءات الآيلة إلى إتمام الإستحقاق في أسرع وقتٍ ممكن إنفاذاً لأحكام الدستور واحتراماً لإرادة الناس".

واذ تقول مصادر سياسية في عاصمة الشمال إن الوزير المستقيل الذي حقق فوزا نوعيا في الانتخابات البلدية الاخيرة في المدينة، يعدّ العدة لخوض غمار الاستحقاق النيابي الفرعي، وتردد أنه قد يرشّح الشابة فرح عيسى عضو المجلس البلدي الحالي، لملء المنصب الارثوذكسي الشاغر، تلفت عبر "المركزية" الى ان الرئيس ميقاتي قد يرشّح الوزير السابق نقولا نحاس اذا ما جرت الانتخابات. أما تيار "المستقبل" فلم يتحرك بعد على هذا الخط، ذلك انه لا يستعجل انتخاب نائب ما دامت الانتخابات مقررة خلال أشهر.

من جانبه، لا ينوي النائب المستقيل فاضل الترشح مجددا، بطبيعة الحال، و"الا لما كنتُ استقلت"، على حد تعبيره. وهو يأسف لان الحياة السياسية في لبنان غير سليمة "فالبعض يعتبر خدمة المواطن مجرد شعار ومطية يستخدمها للوصول الى سدة البرلمان"، ويشير الى ان وظيفة النائب هي "التشريع والمراقبة والمحاسبة"، فاذا لم يقم بها، أين الغرض من دخوله الندوة البرلمانية؟

وليس بعيدا، تذكّر مراجع دستورية عبر "المركزية" بأن المادة 136 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص أن "بعد كل ثلاث جلسات عمل على الأكثر في العقود العادية والاستثنائية (لمجلس النواب) تخصّص جلسة للأسئلة والأجوبة أو جلسة للاستجوابات أو للمناقشة العامة مسبوقة ببيان من الحكومة". وهي تشرح ان الغاية من الاستجواب هذا هو إفساح المجال امام النواب للعب دورهم في مراقبة أداء الحكومة تمهيدا لمحاسبتها، غير أن هذه الممارسة مفقودة في لبنان، بفعل تعثر عجلة المؤسسات وعدم انتظام عملها من جهة، والاستهتار بالمفاهيم الدستورية والديموقراطية من جهة ثانية حيث باتت النيابية لـ"الوجاهة" لا أكثر. الا انها تعتبر ان العامل الاساس خلف غياب المحاسبة هو حكومات "الوحدة الوطنية" التي تضم الاطراف السياسيين كلهم في كنفها، فهذه "البدعة" تلغي مبدأ "الموالاة" التي تتسلم مقاليد الحكم، والمعارضة التي عليها ان تراقب أداء السلطة للمساءلة والمحاسبة. وتعرب عن أملها في أن يتمكن العهد الجديد من تخطي هذه الظاهرة، أقله بعد الانتخابات النيابية المرتقبة، فتستقيم الحياة الديموقراطية وتوضع على السكة الصحيحة مرة لكل المرات".

"المركزية" - 29 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top