0
ليس مفترضا بالسياسيين اللبنانيين أو سواهم الاستغراب مما تضمنه العرض العسكري الذي قدمه "حزب الله" في القصير السورية، انطلاقا من ان احدا لا يتوهم أن الحزب يحارب في سوريا بسلاح المشاة أو بالرشاشات، فيما الحرب هناك تحصل بالطائرات والبراميل المتفجرة وبكل أنواع القصف المدمر، كما أن الاستغراب ليس في مكانه حول مصدر الاسلحة او طبيعتها، سواء كان سلاحا من ايران او من النظام السوري او غنائم ما معينة من حرب سابقة. ما يتم التوقف عنده بالنسبة الى بعض السياسيين المتابعين يتصل بحاجة الحزب الى تظهير ذلك في هذا التوقيت، وخصوصا أنه لم يعرف عنه الاستعراض بالمظاهر سوى من اجل توجيه رسائل معينة، ثم بالدلالات سواء كانت تعني أن بلدة القصير باتت امتدادا للمناطق التي يسيطر عليها الحزب على الحدود اللبنانية وما يمكن ان يعنيه ذلك سواء استطاع النظام من اقتطاع الخط الساحلي في سوريا لنفسه امتدادا، او وصولا الى مناطق نفوذ الحزب في لبنان، او كانت تعني ان الاستعراض العسكري للحزب على الاراضي السورية، وهذا يعني ان سوريا لن تعود في اي حال كما كانت. والأمر يسري على حالي تمكين النظام من اعادة سيطرته على كامل الاراضي السورية ام لا، انطلاقا من ان النظام يعرف من عايشوا الحرب في لبنان ان العروض العسكرية لاي ميليشيا، انما تعني نهاية سيادة البلد حتى لو كانت هذه الميليشيا حليفة. ففي مقابل التهليل الذي اظهرته وسائل تابعة للنظام ازاء العرض العسكري للحزب في القصير، من المؤكد ان هناك قصر نظر في قراءة ما يعبر عن نهاية سوريا كسوريا، حتى لو كان النظام يستعيد زخمه بالاطمئنان الى بقائه في السلطة نتيجة انصراف اميركي او خارجي عن بت مصيره في هذه المرحلة. ونهاية سوريا كما كانت معروفة لا تنتظر طبعا عرض الحزب عسكريا من أجل تأكيد ذلك في ظل تدخلات اقليمية ودولية استباحت سيادة سوريا، بحيث لم يتبق منها شيء، بل ان العرض من جانب الحزب يؤكد ان سوريا لن تعود كما كانت، وقد حجز الحزب لنفسه موقعا في الواقع السوري في المدى المنظور، تماما كما ساعدته سوريا في السابق بأساليب مختلفة في حجز موقع له في الداخل اللبناني، على نحو لم يستقم بعد ذلك أي مفهوم لسيادة مطلقة للبنان على كل أراضيه أو على حدوده وسياسته وقراره الخارجي أيضا. وسيكون من النافل القول وفقا لهؤلاء السياسيين ان الحزب في سوريا ليس كما في لبنان لاعتبارات متعددة، لكنه بعدما أصبح المدافع الميداني الابرز عن النظام وعن بقائه، سيكون أكثر من متوقع أن يكون للحزب دور في سوريا ولا نية او افق لانسحابه منها. وبذلك يصبح الواقع السوري أكثر فأكثر أقرب الى مرآته في لبنان زمن الحرب وما بعدها أيضا، ومهما سعى النظام الى إبراز صورته كمنتصر حتى الآن في هذه الحرب، فإنه قد يكون مدركا أكثر من سواه مغزى العرض العسكري، أكان من دولة كروسيا سبق أن قامت بأمر مماثل في قاعة حميميم، أم من جانب الحزب الذي يتمثل هو او يترجم تمثيلا ميدانيا ايرانيا مماثلا لروسيا، لجهة مكان قوته وقاعدته في سوريا، وذلك انطلاقا من واقع افتراضي ان النظام يدرك مغزى كل ذلك، وهو قام بما قام به في لبنان لأكثر من ثلاثة عقود.

هناك الشق المتعلق بالدلالات المتصلة بالحزب ورسائله الى جمهوره حول ساحة المعركة التي ينخرط فيها وارتياحه الى المعطيات التي تحوط به في هذه المعركة من جهة، والمكاسب التي يعبر عنها العرض في القصير من حيث امتدادات الحزب ونفوذه لقاء الخسائر البشرية الجسيمة التي مني بها. يربط بعض السياسيين بين ما قاله رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد وما سبق ان عبر عنه مسؤولون في الحزب مباشرة ومداورة من "ان النصر في لبنان تحقق وهو في سوريا آت". ورصف الدبابات في عرض مماثل لما جرى تصويره في القصير، يوجه رسالة الى استعدادات لخوض معركة إضافية كبيرة، لعلها معركة حلب التي تبذل جهود وتقام مناورات روسية من أجل ضمها الى سيطرة النظام، فيما استعدادات الحزب لا تظهر أن إيران بعيدة من ذلك ايضا وان لها دورها المؤثر كذلك.
 
بدا محرجا العرض في توقيته غداة انتخاب رئيس جديد لبنان أطلق خطابا حاول ان يحصل فيه على ثقة الخارج القلق على استقرار البلد، وأظهر طموحا من اجل اعادة رأب الصدع الذي احدثته عوامل كثيرة مع الخارج، وكان من بينها مواقف تتصل بالحزب وبـ"التيار الوطني الحر" الذي انتقل وهو في الحكم الى مكان آخر مبدئيا، وظهر الحزب يتحرك حتى خارج اطار احترامه لموقع الرئيس الذي دعم وصوله، وتاليا فإن الخطاب الذي ألقاه عن تحييد لبنان عن صراعات المنطقة فقد سريعا مضمونه. وعلى عكس الكلام المعلن عن تفويضه الى الرئيس نبيه بري الملف الحكومي، يظهر لحليفه في رئاسة الجمهورية ان التفاهم الذي عقده الاخير مع "القوات اللبنانية" لن يتخطى في احسن الاحوال امساك الحزب بورقة اساسية ان لم يكن الورقة الاساسية في القرار اللبناني. هذا لا يعني ان احدا في الداخل او الخارج لا يدرك ان انخراط الحزب في الحرب السورية يتعلق بما هو ابعد واكبر من لبنان، لكن مؤشرات كل ذلك ليست في مصلحة الحكم الجديد، خصوصا متى كان حليفا للحزب.

روزانا بومنصف - "النهار" - 16 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top