باتت المساعدات العسكرية الأميركيّة الى الجيش اللبناني أمراً طبيعياً، في ظلّ إصرار واشنطن على دعم المؤسسة العسكريّة التي أثبَتت جدارتها في مواجهة «داعش» ومحاربة الإرهاب على الحدود وفي الداخل.
أبعد من المساعدات الى الجيش، فإنّ الثقة التي تُوليها الإدارة الأميركية للمؤسسة العسكرية باتت واضحة للعيان، إذ إنّ الدول الكبرى لا تعمل وفق العاطفة، بل على أساس: «أثبت نفسك ونحن نساعدك».
تُترجم الثقة الأميركية والغربية بالجيش عبر المساعدات المتتالية التي تصل لبنان، وكان آخرها أمس حيث أشرفت السفيرة الأميركيّة اليزابيث ريتشارد على تسليم الجيش شحنة كبيرة من المساعدات العسكريّة الأميركيّة تبلغ قيمتها 50 مليون دولار، وتضمّ 50 عربة «هامفي» مصفّحة، 40 قطعة مدفعيّة ميدان هاوتزر، 50 قاذفة آليّة للرمانات MK-19، و1000 طنّ من الذخيرة الصغيرة والمتوسّطة وقذائف المدفعيّة الثقيلة.
وبغض النظر عن الطريق الذي تسلكه المساعدات الأميركيّة، أكان بحراً أو جواً، ومهما كان حجمها أو نوعيتها، يبقى الأهم الرسالة التي تصل مع الأسلحة والتي تُقرأ في كتاب سياسات الدول وحساباتها وتُبنى على أساسها الاهداف والخطط الاستراتيجية.
عانى الجيش في الماضي من حجب السلاح عنه، لذلك، ومع كلّ مدفعية كانت تفرّغ من الباخرة الرابضة على شاطئ بيروت أمس، ومع كلّ عربة «هامفي» تسير على أرض المرفأ، كان الأمل يبرق في عيون الجنود الذين يشرفون على إفراغ الأسلحة والأعتدة والذخائر، ويؤمّنون الحماية للمرفأ.
وفي نفس كلّ جنديّ لبناني يشاهد حجم الإهتمام الأميركي بتسليح الجيش، طمأنينة تجعله يفكّر بأنّ عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، فلا الزمن هو زمن الـ1958 حين شُرّعت الحدود أمام مَن قام بثورة لخدمة أهداف خارجيّة، ولا المرحلة هي مرحلة العام 1969 حين وُقّع «اتفاق القاهرة» وتخلّت الدولة عن سيادتها، ولا تشبه أحداث عام 1973 عندما كان الفدائي الفلسطيني ومناصروه في الداخل يطلقون النار على ثكنات الجيش والوطن في آن، من دون أن يُسمح للجيش بالردّ لأنّ هناك قسماً من اللبنانيين تعاطف مع الفلسطيني أكثر من وطنه، ولا التاريخ اليوم هو 13 نيسان 1975 عندما دخل لبنان المحظور، مع إننا نعيش كلّ يوم تلك التجربة، لكننا ما زلنا ننجو من تكرارها بفعل تماسك المؤسسة العسكرية وإنتزاعها الغطاء السياسي لتنفيذ مهامها الوطنيّة.
يعلم العسكري الذي كان يصفّ المدافع قرب بعضها البعض، أنها ستُنقل الى الجبهات، لكنّ التقاط الصورة يبقى أساسياً ليرى اللبنانيون ويطمئنّوا إلى أنّ الجيش بات يملك الذخائر والأسلحة. فالصورة مهمة للغاية لأنّ الإعلام يشكل الجزء الأكبر من الحرب، وتنظيم «داعش» إنتشر وتمدّد مستغلّاً «البروباغندا» الإعلامية والتخويف المتعمد و»صيت» القتل والترويع الذي يسبقه، ويُهجّر البلدات والقرى قبل إطلاقه الطلقة الاولى.
مرفأ بيروت هو أحد أهم شراين لبنان والعاصمة، فيه رُتّبت المدافع، الواحد جنب الآخر، وعلى أرضه اصطّفت أيضاً 50 عربة «هامفي» طُليت باللون الأصفر الفاتح، فـ«الهامفي» من الوسائل التي تساعد على تنقّل الجنود بين المراكز خصوصاً أنّ الإنتشار الأكبر للجيش هو على الحدود في السلسلة الشرقية بين عرسال ورأس بعلبك والقاع، ما يجعله بحاجة الى آليات متطوّرة للتنقّل.
في الأمس، وقف العسكري اللبناني الى جانب الأميركي في المرفأ أثناء تسلّم الأسلحة، في إشارة الى أنّ أميركا، الدولة العظمى، لن تترك لبنان وحيداً في مواجهة «داعش» والإرهاب، ولو كانت تريد ذلك لكانت تركته لقدره من دون أيّ دعم.
مع كلّ خطوة كانت تمشيها السفيرة الأميركية برفقة نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن مانويل كرجيان الذي مثّل قائد الجيش العماد جان قهوجي والشرح عن نوع كلّ قطعة سلاح، كانت الاستفسارات تُطرح عن مدى استفادة الجيش من تلك الأسلحة وتأثيرها في مجريات المعركة، فهل تستطيع المَدافع أن تخترق تحصينات الإرهابيين في الجرود، وكيف يمكن أن تساعد في مواجهة هجوم مباغت، وهل يمكن صدّ أيّ تحرّك للمسلّحين، وهل تنفع كلّ تلك الأسلحة إذا فوجئ الجيش بتحرّك ينفّذه بعض المجموعات الإرهابية من الداخل، وماذا عن الأسلحة الأميركية المقبلة؟
لم تتأخّر السفيرة بعد إشرافها على عملية التسليم وإلقاء التحية على الجنود اللبنانيين والأميركيين، في التأكيد على أنّ «الولايات المتحدة هي أكبر شريك أمني للبنان. فخلال هذا العام وحده ساهمنا في أكثر من 221 مليون دولار من المعدات والتدريب للقوى الأمنية اللبنانية»، مشيرة الى أنّ «لبنان هو خامس أكبر متلقٍّ للتمويل العسكري الأجنبي للولايات المتحدة في العالم. وهذا ما يدلّ على مستوى التزامنا».
ولفتت اليزابيت الى أنّ «بعضاً من المعدات التي يمكن رؤيتها حولنا ستساعد جنوداً لبنانيين في التحرك بأمان ضمن نطاق مسؤوليتهم. وبعضها سيسمح بنقل المعركة إلى أرض العدو، ما يساعد على الانتقال إلى الهجوم»، مشدِّدة على أنّ «هذه شراكة مستوحاة تماماً من تفاني وإصرار الجنود اللبنانيين: الناس العاديون الذين يمكن أن يضعوا حياتهم كلّ يوم على خط الدفاع عن الشعب اللبناني والدفاع عن الوطن.
كما أنّنا معجبون جداً بالتخطيط في قيادة الجيش والمدى الذي وصلوا اليه في تحديد ما يحتاج اليه هذا الجيش للوصول إلى النجاح. لقد حاولنا بكلّ جهد أن نستجيب لهذه الطلبات بسرعة».
من جهته، شكر كرجيان للسلطات الأميركية هذه المساعدة النوعية، والدعم العسكري المتواصل الذي تقدمه الولايات المتحدة الى الجيش اللبناني.
مع الإنتهاء من تفريغ أيذ شحنة أميركية، تتّجه الأنظار الى الشحنات المقبلة، لكنّ الأهمّ هو إذا ما كانت المظلة السياسية الحامية للإستقرار ستستمرّ وقتاً طويلاً، لأنّ الأمنَ هو أمنٌ سياسي في الدرجة الأولى.
آلان سركيس - "الجمهورية" - 10 آب 2016
إرسال تعليق