0
يرى مسؤول سابق وجوب إخراج رئاسة الجمهوريّة من سلّة التفاهمات على مواضيع عدّة لئلّا تفتح بازاراً للمقايضات والتسويات على حسابها كأن لا اتفاق على رئيس للجمهوريّة إلّا بالاتفاق على قانون للانتخاب، ولا اتفاق على قانون للانتخاب إلّا بالاتفاق على مجلس للشيوخ وتحديد صلاحياته، ولا اتفاق على مجلس للشيوخ إلّا بالاتفاق على تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة. فإذا كان اجتماع الدوحة انتهى باتفاق فلأنّه سبقه اتفاق على رئيس الجمهوريّة هو العماد ميشال سليمان، ولم تفعل الدوحة سوى تأكيد الإصرار على انتخابه.

لا شك في أن المواضيع التي طرحت في جلسات الحوار مهمّة وإصلاحيّة ويجب العودة إليها بعد انتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة منبثقة من مجلس نيابي ينتخب على أساس قانون عادل ومتوازن يحقّق التمثيل الصحيح لشتّى فئات الشعب وأجياله. وينبغي بعد انتخاب رئيس للجمهوريّة الدخول في بحث جدّي ومعمّق للإصلاحات التي نصّ عليها اتفاق الطائف بغية التوصّل إلى إقرارها بتقديم تنازلات متبادلة. فاعتماد النسبية في قانون جديد للانتخابات يقابله مثلاً انتخاب مجلس للشيوخ يعتمد قانوناً يعطي لكل مذهب حق انتخاب ممثّليه فيه، على أن يكون له حق النظر في المواضيع المهمّة والأساسيّة التي لها صلة بالميثاق الوطني والعيش المشترك والوحدة والسلم الأهلي، بحيث تصبح كل طائفة مطمئنة الى ما يضمن حقوقها ويحافظ على خصوصيّتها. واعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة يخرج القوى السياسيّة الأساسيّة في البلاد من ساحة الصراع على السلطة المركزية وينقلها إلى ساحة الصراع على اللامركزية.
 
لذلك من المهم جداً البدء بالأساس كي يقوم البناء. والأساس هو انتخاب رئيس للجمهوريّة، علماً أن الاتفاق قبل انتخابه على قانون للانتخاب وعلى انتخاب مجلس للشيوخ وتحديد صلاحيّاته وعلى اللامركزية وصلاحيّاتها، كلّها تؤخّر انتخابه، عدا أنّها قد تتعرّض للرد من قبل رئيس الجمهوريّة إذا كان له رأي مخالف فيها، فتبقى هذه الاتفاقات عندئذ غير نافذة لأنّها لا تقترن بتوقيعه.
 
إن التسلسل الطبيعي لتكوين السلطة يبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة وهو ما نص عليه الدستور بقوله: "ان لا عمل آخر للمجلس غير ذلك، يليه اتفاق على قانون للانتخاب إذا لم يكن قد صار اتفاق عليه كي تستطيع الحكومة الدعوة الى انتخابات نيابيّة فوريّة بعد الانتخابات الرئاسيّة، ولكي ينبثق منها مجلس نيابي يمثل تمثيلاً صحيحاً شتّى فئات الشعب وأجياله، حتى إذا ما تشكّلت حكومة منه تكون هي الأخرى ممثّلة لهذه الفئات وتستطيع اتخاذ القرارات المهمّة المعبّرة تعبيراً صحيحاً عن إرادة الشعب بكل فئاته. ومن المُستحسن أن يتم انتخاب رئيس للجمهوريّة وقد صار اتفاق على قانون للانتخاب يجعل الرئيس في وضع القادر على الدعوة الى انتخابات نيابية تجرى على أساسه، لأنّه يخشى إذا لم يتمّ اتفاق على القانون أن يُواجه رئيس الجمهوريّة وهو في مستهل عهده مشكلة الاتفاق عليه، حتى إذا ما تعذّر ذلك عاد لبنان الى مواجهة الخيارات الصعبة وهي: إمّا إجراء انتخابات نيابيّة على أساس قانون الستين أو لا انتخابات، وإمّا التمديد لمجلس النواب مرّة ثالثة، أو يكون فراغ تشريعي فيصبح رئيس الجمهوريّة عندئذ رئيساً لدولة الفراغ الشامل.
 
لذلك يجب التركيز في حوار الأقطاب على انتخاب رئيس للجمهوريّة بالتوافق على إلزام النواب الحضور لينتخبوا من يريدون رئيساً، ليتمّ بعد ذلك وضع قانون يسمح بإجراء انتخابات نيابيّة على أساسه، وقد تصبح حتى النسبيّة في كل لبنان مقبولة إذا تمّ التوصّل إلى حل لمشكلة السلاح خارج الدولة، لأنّها مشكلة واجهت رؤساء سابقين وستُواجه رؤساء لاحقين إذا لم يتم التوصّل إلى حل لها. ذلك أن تطبيق قاعدة النسبية بدقّة ونزاهة في حاجة إلى وجود دولة لا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها حماية لحقوق كل مواطن وحرية كل ناخب.
 
الواقع أن المشكلة التي يواجهها كل رئيس للجمهوريّة هي مشكلة السلاح خارج الدولة. فإذا لم يتمّ التوصّل إلى حل لها فإنّه سيُواجه مشكلة تشكيل الحكومات ومشكلة إقرار كل مشروع أو اتخاذ موقف مهم في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، لا بل مشكلة العبور إلى الدولة، وهي مشكلة لم يتمّ التوصّل إلى حل لها منذ العام 2005 فبقي لبنان يعيش في ظل اللادولة. 


إميل خوري - "النهار" - 9 آب 2016

إرسال تعليق

 
Top