لن تقف تداعيات الصدمات المكهربة للانتخابات البلدية والاختيارية عند حدود
إنعاش حاد للخلاف بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع بل ستتدحرج
طولا وعرضا في مجمل الواقع المقبل على فوضى إفلات الزمام السياسي من عقاله.
سال حبر مدرار في رسم المشهد الداخلي غداة واقعة طرابلس "السنية"
والواقعات "المسيحية" الاخرى في الشمال التي شكلت واقعيا ذروة مفاجآت
الاستحقاق البلدي. وسيتعين علينا التحلي بمزيد من الانتظار لاستكشاف ملامح
المراجعات الذاتية الصامتة الجارية في أروقة قيادات الأحزاب والقوى لتبين
الخط البياني الذي سيحكم انهيارا شاملا لكل خريطة التحالفات التي طبعت
لبنان ما بين 2005 والزمن الانتقالي الحالي. ولكن ذلك لا يقلل خطورة
الدلالات لانفجار سجال نزق بين أكبر حليفين سابقين على غرار ما حصل بين
الرئيس الحريري والدكتور جعجع ينبئ بانصرام زمن من دون حلول زمن بديل
متماسك مكانه. مفاد هذا الانفجار التسلسلي ان "اهداء" اللواء أشرف ريفي
انتصاره الطرابلسي الى"ثورة الأرز" لن يجد من يتلقفه. والأهم في رصد خط
التأزم الصاعد بين معراب وبيت الوسط هو نعي اللواء ريفي لمعادلة المرشحين
العماد عون والنائب فرنجية اللذين ذهب ممانع آخر لها هو الدكتور فارس سعيد
الى القول انهما سقطا في صناديق طرابلس. والحال انه الفراغ الرئاسي الذي
أشعل في ثنايا انتخابات بلدية نيرانا زائدة وحملها أكثر مما تحتمل بدليل
الانفجار السياسي الحاصل على وقع تشكيلات بلدية صارت بحكم البديل من ضائع
الكتل النيابية الهائمة تحت وصمة التمديد. صمد التباين "الناعم" بين
الحريري وجعجع حتى انتخابات بيروت التي أطلقت الشرارة الى انهيار الدومينو،
ثم جاءت انتخابات الشمال لتسدد الرصاصة القاتلة في التحالف السيادي. لن
يكون السؤال الآن الا في زاوية حصرية: اذا كانت معادلة الترشيحين
المتساويين في قدرة الفيتوات المتبادلة ترنحت حتى حدود انهيار لا قبل لأحد
بوقفه فبأي قوى سياسية سينتخب لبنان رئيسا؟ لا نطرح السؤال حول المدى
الزمني لإنهاء الازمة لان الامر هنا صار خارج المتناول الداخلي كله. ولكن
مع نموذج الصدام بين حليفي الامس وما سيليه تباعا من انهيارات أخرى ترانا
نخشى تلك الفوضى العارمة التي ستطيح بقايا مشهد سياسي متآكل ومهترئ من دون
أي قدرة داخلية على احتوائه. فماذا سيعني تمسك كل من مرشحي المعادلة
الثنائية والحال هذه ما دام استفتاء طرابلس مثلا سحب الكثير من تفويض
الحريري في المضي بمرشحه، واستفتاء تنورين والقبيات ومناطق أخرى تعثر فيها
تفاهم معراب سحب الكثير المماثل من تفويض جعجع في دعم مرشحه؟ انه الاعتمال
الداخلي لأزمة الرئاسة الذي اطلق الانقلاب في طول البلاد وعرضها فلا تبحثوا
عن الشمس في عز الظهيرة.
نبيل بومنصف - "النهار" - 3 حزيران 2016
إرسال تعليق