0
تقف النازحة السورية عبلة الحلبي من ريف ادلب، عند مدخل خيمة نزوحها في المجيدية، تلطم يداً بيد لتقول «قاسية هذه الظروف التي نعيش، الحاجة تنكد عيشنا والفقر يواكبنا في كل ناحية، والأمراض المتعددة والمتنوعة تصيب أطفالنا، وها نحن مع بداية شهر الصوم، نحار كيف نؤمن إفطاراتنا، ونعيد ولو بسمة عابرة لصغارنا، ليس باليد حيلة، فكل ما يمكن فعله في هذا الشهر الفضيل، الدعاء والتضرع إلى الله».

ما ينكد عيش عبلة وهي أم لستة أطفال، مقتل زوجها في الحروب السورية المتواصلة. بات الفقر سمة لمئات ألوف النازحين، الذين كوتهم نار الغربة وهدهم النزوح القاسي، كما يردد النازح من حلب أبو أحمد حسن الحجازي، العامل في سهول سردة المحاذية للسياج الحدودي، براتب 275 دولارا: «لقد تعبنا في نزوحنا، وبتنا في حالة من اليأس الفعلي، الحرب متواصلة في بلدنا، وغربتنا ستطول حتما، ليس لدينا من خيار لسد حاجاتنا اليومية إلا التعب المضني، رمضان هذا العام يبدو أشد ألماً، المشاكل تتراكم من حولنا، والكل همّه لقمة العيش التي بدت وكأنها تركض أمامنا، نجهد وكل أفراد العائلة للحاق بها».

«خرجت الى سوق الخان الشعبي، لشراء حاجيات رمضان، القليل من اللحم والخضار والفاكهة حاجة يوم أو يومين، وصلت الى حدود الـ100 الف ليرة، كل ما نتمكن من جمعه خلال الشهر لا يتجاوز الـ300 الى 400 ألف ليرة، فكيف بنا تمضية هذا الشهر، أطفالنا بحاجة الى ألعاب، الى ملابس جديدة، يصعب علينا حقا تأمينها».

«موائد إفطاراتنا، تنحصر بين البطاطا والبيض والقليل من المعلبات، التي وفرناها على مدى الأسابيع الماضية، لتكون جانبا من مونة رمضان»، هذا ما تردده النازحة من بيت جن إلى شبعا سليمة أبو علي: «نحاول جاهدين تقطيع أيام الصيام، لقد كتب علينا الذل والحاجة والعوز، سنقبل بهذا الواقع المر حتى يفرج الله عن بلدنا».

داخل مخيم النازحين القابع عند الطرف الشمالي لسهل الخيام، والذي يضم أكثر من 140 خيمة، شكل النازحون لجنة تمثلهم، قصدت عدداً من الخيرين في القرى المحيطة، جمعت مبلغاً من المال، يقول أحد أعضاء اللجنة جمال حميد من ادلب: «سنسعى لشراء ما يمكن من مواد تموينية، نوزعها على العائلات الأكثر حاجة في المخيم، تمكنها من تجاوز أيام الشهر الفضيل ومتطلباته، هناك أرامل مع أطفالهن الصغار، ايضا عجزة كبار السنّ من دون معيل، عائلات غير مسجلة أو شطبت من لوائح مساعدات الأمم المتحدة الشهرية».

«الأسعار أيضا تظلمنا في رمضان، لقد ارتفعت بنسبة 10 الى 20 في المئة»، يقول النازح فارس ابو السموري، من ريف حلب بينما كان يوزع على أطفاله الخمسة، هدية العيد التي شملت ألعابا وملابس، مضيفاً: «في الحقيقة اخترت تلك المتدنية أسعارها، وجادلت البائع طويلاً، بحيث تمكنت من توفير عشرة آلاف ليرة، نحن بحاجة اليها، وعلينا التكيف مع هذا الوضع المعيشي القاسي».

«نلجأ الى مواقد الحطب في طهو إفطاراتنا، ونترك الغاز للحاجيات الخفيفة مثل تحضير الشاي أو القهوة وحليب الأطفال»، هذا ما تشير إليه النازحة سميرة ابو لهب من جسر الشغور، «همنا أن ننجز الإفطار بأقل كلفة ممكنة، فوجبات رمضان على مدى شهر كامل، تلزمها ميزانية غير متوفرة في حساباتنا».

اليوم الرمضاني يكلف بين الـ30 الى 40 دولارا، لعائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، ومثل هذا المبلغ يصعب توفيره يومياً، كما يقول النازح من ريف حلب حسن الشحروري، «أنا أعمل داخل حقل زراعي في سهل مرجعيون، بأجر شهري لا يتجاوز الـ300 دولار أميركي، نجهد كثيرا لنتجاوز مصاريف هذا الشهر الفضيل، علما أن العائلة بحاجة الى مصاريف مختلفة اخرى، مساعدات الجهات المانحة المادية لا تغني عن جوع، انها تغطي جانبا صغيرا، ولكن حقا اننا في ضائقة خلال هذا الشهر، فعيدنا يبقى في إعادة الهدوء والطمأنينة لبلدنا الذي اشتقنا اليه، فهناك للعيد نكهة وبهجة».


طارق أبو حمدان - "السفير" - 9 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top