0
إذا كانت الانتخابات البلدية والاختيارية جرت على أساس تنافس عائلي بنكهة سياسية، لا سيما في المدن، فإن الانتخابات النيابية، مثل كل انتخابات، تجرى على أساس مبادئ سياسية تتنافس فيها اللوائح بحيث لا يصح تأليفها في دوائر تحت شعارات ومبادئ سياسية وفي دوائر تحت شعارات أخرى، وهذا ما يحول دون مقارنة نتائج الانتخابات البلدية بنتائج الانتخابات النيابية.

إن "الحلف الثلاثي" الذي كان مؤلفاً من كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده خاض الانتخابات النيابية بلوائح مشتركة وبشعار سياسي واحد هو التصدي لـ"المد الناصري" الذي كان يخشى أن يهدّد لبنان بهويته وكيانه، بحيث ذهب الشعور المذهبي حد التصديق بأن تمثال السيدة العذراء في حريصا قد استدار ليبارك صناديق اقتراع المسيحيين في كسروان، وهو ما جعل لوائح "الحلف الثلاثي" تكتسح كل مقاعد جبل لبنان النيابية وحتى في كسروان عقر دار الرئيس فؤاد شهاب. وهذا يطرح السؤال: هل في استطاعة التحالف الثنائي المسيحي المؤلف من "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" أن يحقّق فوزاً كاسحاً للوائحه المشتركة في الانتخابات النيابية المقبلة إذا لم يكن شعاره السياسي واحداً، ويكون موقفه واحداً من مشروع التوسّع الإيراني ومن سلاح "حزب الله" الذي يحول منذ عام 2005 دون قيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها إذا لم يوضع هذا السلاح في كنف الدولة وتكون الأمر عليه لها؟ وهل يكون موقفه واحداً من تحييد لبنان عما يجري حوله ضماناً للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الدائم والثابت، أم يظل لكل حزب رأي يخالف رأي الآخر كما هو حتى الآن، ما يجعل من الصعب خوض الانتخابات النيابية بلوائح مشتركة ليصير في الامكان تنفيذ ما جاء في "إعلان النيّات" وحتى ما هو جيد في "ورقة التفاهم" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر؟"
 
المطلوب إذاً من "التيار الوطني الحر" أن يحدّد موقفه الذي يجعله يلتقي مع "القوات اللبنانية"، سواء من سياسة التوسّع الإيراني في المنطقة وفي لبنان، وسواء من سلاح "حزب الله" بحيث لا يظل يتدخّل من يشاء وحيث يشاء داخل لبنان وخارجه ويخلق العداوات له مع دول عدة شقيقة وصديقة. فليس في الامكان جمع حزبين في تحالف واحد ولكل حزب مبادئه المتناقضة مع الحزب الآخر، وأن لا شيء يسمح بذلك إلا إذا حصلت تطورات في المنطقة أنهت صراع المحاور فيها ولا سيما بين السعودية ومن معها وإيران ومن معها. ومن دون حصول ذلك فإن مصير ورقة "اعلان النيات" سيكون كمصير "ورقة التفاهم" التي لم يتحقّق شيء حتى المهم منها مثل قانون الانتخاب، وبناء الدولة والقضاء المستقل، ومكافحة الفساد بتفعيل مؤسّسات الرقابة، ومعرفة مصير المفقودين خلال الحرب واللبنانيّين في إسرائيل، والاغتيال السياسي، ووضع اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان وتأمين عودتهم إلى ديارهم وإنهاء موضوع سلاحهم خارج المخيمات.
 
وكان العماد ميشال عون قد أعلن اثر توقيع "ورقة التفاهم" هذه مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في شباط 2006 "أن اللقاء هو التقاء حول الايجابيات وبناء لبنان (...) ونحن مشهورون بسلوكنا وبالاتفاق على الـ"لأ". أما اجتماعنا فهو للاتفاق على الـ"نعم" لبناء لبنان وتقوية الوحدة والتعاضد لحل جميع المشاكل. واعتقد أنه من خلال هذه الذهنية يمكن إنشاء لبنان المستقبل". وتحدث بعده السيد نصرالله فقال: "لقاؤنا مع العماد عون هو لقاء ينطلق منذ وقت طويل، وقد حرصنا على أن لا يكون بروتوكولياً فقط ومجاملات على الطريقة اللبنانية. انه لقاء تأسيسي حقيقي للتعاون بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، قائم على التفاهم ورؤية ومنهج، وقد بذلت لجنة مشتركة جهداً وأنجزت مسودة تم إقرارها. ونحن تياران نلتقي على رؤية ونتعاون على أساسها وهدفنا هو سيادة لبنان وحماية استقلاله وحريته وبناء الدولة التي تحمي الجميع وترعاهم وتحل مشاكل البلد. دولة قوية قادرة تملك شجاعة أن تتحمّل المسؤولية ولا تلقي التبعات على الآخرين. دولة مبادرة صاحبة قرار ومشروع (...) ونعتبر اللقاء بداية ممتازة جداً بين تيارين لبنانيين وطنيين كبيرين، وهو ليس لقاء تعاون في مقابل احد، إنّما هو دعوة للآخرين لنجلس ونتفاهم ونتحاور لبناء البلد بعيداً من لغة الشطب والالغاء والحذف وتجاوز أي شريحة لبنانية أو تيار لبناني أساسي في البلد".
 
لقد مرّت عشر سنين على "ورقة التفاهم" بين الحزب والتيار ولم يتحقّق شيء مهم منها ولا سيما بناء الدولة، فهل يكون مصير ورقة "إعلان النيّات" كمصيرها إذا لم تغيّر الانتخابات الرئاسيّة ولا النيابيّة شيئاً من الوضع الشاذ، وإذا لم يقرّر العماد عون هل هو مع "حزب الله" أو مع "القوات اللبنانية"، أو كيف يكون "حزب الله" مع "التيار الوطني الحر" ولا يكون مع "القوات" حليفة هذا التيار؟


إميل خوري - "النهار" - 3 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top