0
طوت الانتخابات البلدية والاختيارية صفحتها، لكنها فتحت في المقابل صفحة على مشهد سياسي جديد فرضته نتائجها المفاجئة في أمكنة، والصادمة في أمكنة أخرى، لتطرح سؤالا مباشرا بدأت الاوساط السياسية تداوله حول العبرة المفترض تلقفها من تلك النتائج، وانعكاساتها على المرحلة المقبلة.

لم تترك الانتخابات البلدية في مراحلها الاربع خياراً أمام القوى السياسية للانتشاء بنصر، ما دام كل نصر تحقق في مكان قابلته هزيمة في مكان آخر، لتأتي الحصيلة النهائية في حسابات الربح والخسارة بنتائج كارثية على مختلف الافرقاء، بحيث قلصت أحجاما ضخمة، وقزمت أحجاما مضخمة وكسرت زعامات وثنائيات، في تعبير صارخ عن حال الانهيار التي بلغتها البلاد من جهة، والتي وصل اليها المجتمع اللبناني بكل مكوناته من جهة أخرى.

ولكن كيف تنسحب هذه الصورة الصادمة على المرحلة المقبلة؟ وهل تشكل مساحة لإعادة نظر وقراءة معمقة في النتائج وفي مسبباتها وارتداداتها على القيادات المتضررة في قواعدها وجمهورها، فتكون درسا وعبرة للاختبار النيابي المقبل بثبات، وإن بوتيرة قد لا تكون بالسرعة المتوقعة، أو أنها ستفتح البلاد على صفحة جديدة من التشنج والمواجهات تحت عناوين رنانة تهدف إلى استعادة شد العصب الشعبي؟

تتوافق مصادر سياسية بارزة مع الرأي الثاني، مشيرة إلى أن مسألة استخلاص العبر ساقطة في القاموس اللبناني. إذ يعول السياسيون على الذاكرة الضعيفة للبنانيين، بحيث لا يكاد يمر أسبوع على الانتخابات حتى تُفتح الملفات القديمة- المتجددة لتطرح نفسها على المشهد السياسي، وتأخذه إلى مكان جديد! وتضيف أنه لو رغب السياسيون في استخلاص العبر، لكانت نتائج الدورة الاولى في بيروت ومن بعدها في زحلة، حالت دون الوصول إلى نتائج طرابلس. إذ لم يتعلم أحد من أخطائه، بل عاد ووقع في فخاخها.
وعليه، لا تتوقع هذه المصادر أي ديمومة للتحالفات الظرفية التي فرضتها الانتخابات الاخيرة، تماما كما سقطت احتمالات التسونامي، لا على الشاطئ السني أو المسيحي أو حتى الشيعي، لتعود الامور ومعها البلاد إلى مربعها الاول: مجلس وزراء ساخن اليوم وعلى جدول أعماله ملفات معلقة من جبل النفايات في برج حمود إلى سد جنة، فيما ملف الانترنت غير الشرعي لا يزال يجول في أروقة لجنة الاعلام والاتصالات، أما ملف جهاز أمن الدولة فلا يزال في عهدة رئيس الحكومة منذ أكثر من شهر، من دون أي أفق لحلول قريبة، وقانون الانتخاب الذي يفترض أن يتم إنجازه لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه بعدما سقطت كل الذرائع بتعذر تحقيقه، لا يزال يدور في بداياته في نقاش عقيم لا يؤشر لنيات جدية في إقرار أي من القوانين المقترحة.

والمفارقة أن هذه الملفات، على أهميتها، تحجب الكثير من الاستحقاقات والتحديات الخطيرة التي تواجه البلاد اقتصاديا واجتماعياً ومالياً، فيما يبدو الوسط السياسي منشغلاً في تضييع الوقت الفاصل عن مواعيد التسويات الاقليمية الكبرى، في مزايدات وحسابات انتخابية تهدف إلى تعزيز المواقع وتثبيت الزعامات بعد الخسائر التي ألحقتها بها البلديات.

وإذا كان الاستحقاق الأكبر والأهم يكمن في إنجاز الاستحقاق الرئاسي لما له من تأثير في بث نفحة تفاؤلية في البلاد وإعطائها فترة سماح تلتقط فيها أنفاسها مجددا، تمهيدا لإعادة تكوين سلطة شرعية جديدة، فإن البلاد دخلت في السنة الثالثة للشغور من دون أي مؤشرات جدية لإمكان إحداث خرق في المدى المنظور، باستثناء توقعات متفائلة بأن يحمل الشهران المقبلان تطورات تعيد خلط الأوراق الداخلية.

ولكن في الانتظار، عودة إلى المناخ الضاغط على وقع العقوبات الاميركية على "حزب الله" وضجيج القانون الانتخابي والجلسات الساخنة للحكومة التي تضعها مجددا في دائرة الاستهداف والتعطيل.


سابين عويس - "النهار" - 2 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top