0

حذّر وزير العمل سجعان قزي في حديث لـ"الراي" من أنَّ المجتمع الدولي بدأ بـ «تسويق فكرة توطين السوريين»، شارحاً أوضاع سوق العمل في لبنان قبل الحرب السورية، وقال: «توجد في لبنان أساساً أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية ناتجة عن أسباب عدّة بينها الوضع السياسي العام»، مضيفاً: «ولكن رغم هذه الأزمة شبه الذاتية، ظلّت سوق العمل قادرة على استيعاب جزء من اليد العاملة اللبنانية، أكان في المهن البسيطة أو في المهن التي تتطلّب كفايات علمية وجامعية. وظلّ مستوى البطالة مقبولاً إلى حدٍّ ما مقارنةً بدول متقدّمة تعاني أزمة البطالة، إلى أن بدأ النزوح السوري إلى لبنان العام 2011 وما بعده، فقفزت نسبة البطالة من 10.3 في المئة إلى 15 في المئة، فـ 18 في المئة ثم 20 في المئة فـ 25 و32 في المئة، وهي تستقرّ حالياً على نحو 25 في المئة نتيجة السياسة التي اتبعتها وزارة العمل، والقائمة على الحد من إعطاء إجازات العمل للسوريين في غير القطاعات التي يعملون فيها تاريخياً وعلى اعتماد نهج مكافحة مزاحمة اليد العاملة اللبنانية».

ولا تفرز سوق العمل اللبنانية أكثر من 3500 إلى 4000 فرصة عمل سنوياً، في حين أنَّ حاجتها الفعلية هي لـ 37000 فرصة عمل لاستيعاب أعداد المتخرجين، «وهذا الأمر يزيد من البطالة، علماً أنَّ كل هذه النسب لا قيمة لها أمام اجتياح اليد العاملة السورية» وفق قزي، الذي يؤكّد «ان من أصل مليون ونصف المليون سوري موجودون على الأراضي اللبنانية، 47 في المئة من هذا النزوح هو يد عاملة تزاحم اليد العاملة اللبنانية، أي هناك نحو 600000 عامل سوري في لبنان».

والأخطر من ذلك، في رأيه، أنَّ البطالة لدى السوريين الموجودين في لبنان أقلّ من البطالة الموجودة بين اللبنانيين، «لأن اللبناني كي يعمل يجب أن يجد عملاً، وأن يقوم بكل المعاملات القانونية، أن يتسجّل في الضمان، أن يكون لديه سجلّ تجاري وأن يحترم قانون العمل، في حين أنَّ السوريين لا يأخذون أي هذه المعطيات في الاعتبار، اذ يعملون من دون إجازات عمل، ينشئون مؤسسات من دون إجازات وأذونات وضرائب وأجور محترمة، يأتون بالبضائع خلسة من الخارج ويبيعونها بأسعار أقلّ من أسعار السوق العادية، ما يجعل المواطن يبحث عن الأرخص ويشتري من عند غير اللبنانيين».

وفي حين وصف كلّ ذلك بـ «الأزمة الحقيقية في البلد بالنسبة إلى سوق العمل، وهو ما يؤدي إلى الهجرة، زيادة البطالة، وأزمة اجتماعية وزيادة الجريمة وتحوُّل الشباب إلى الخصال السيئة، اضافة إلى حصول سأم اجتماعي يفضي إلى حالات انتحار وأمراض، وأزمات عائلية وتَراجُع عدد الولادات»، رأى تبعاً لذلك أنَّ «المسألة ليست فقط على مستوى سوق العمل، بل لها تأثيرات على كامل الدورة الاجتماعية والإنسانية في المجتمع اللبناني».

ولكن كلّ هذا مسؤولية مَن؟، وألا يفترض أن تكون لدى لبنان خلية طوارئ تعالج هذه المشكلة؟

هنا، يجيب قزي: «لدينا مجلس وزراء، وخلية وزارية لمعالجة أزمة اللجوء، وأوراق عمل للحد من اللجوء ومكافحة مزاحمة اليد العاملة اللبنانية، وأجهزة أمنية وقوانين... لكن ما ينقص هو الذراع التنفيذية لترجمة كل القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، واللجنة الوزارية ووزارة العمل».

وبالنسبة إليه، فإنَّ «الأجهزة الأمنية لا تحتاج إلى أوامر وتوجيهات يومية من السلطة التنفيذية لتقوم بدورها»، معرباً عن اعتقاده في الوقت نفسه «أنَّ بعض الأجهزة الأمنية، نتيجة توجيهات سياسية، انكفأت عن الاستمرار في مكافحة النزوح العشوائي وتوقيف المخالفين وقفل المؤسسات المخالفة».

ويضيف: «أنا كوزير عمل، في السنة الأولى من تولّي العمل في هذه الوزارة، كنت أعتمد على الدور الذي تقوم به القوى الأمنية، أما اليوم فلا أرى أي قوة أمنية تردع هذه المخالفات، ومكافحة اليد العاملة أصبحت امتيازاً لوزارة العمل، علماً أنَّها وزارة إدارية ليست لديها قوة القضاء لتحكم أو قوة الأمن لتردع. كل ما تقوم به الوزارة كناية عن إنذار أو محضر ضبط أو إحالة على النيابة العامة، وكل هذا لا يخيف إذا كان لا يؤدي إلى طرد المخالفين من الأراضي اللبنانية، سجْنهم أو إقفال المؤسسة».

وحين سألت «الراي» عما إذا كان هناك أي بوادر توطين، أجاب: «هناك إجماع لدى كل القوى اللبنانية على رفض التوطين، لكن هناك خلافاً حول كيفية إدارة هذه الأزمة وكيفية مواجهة هذا العبء الكبير الموجود على كل اللبنانيين، دولةً ومجتمعاً وشعباً. هناك مَن يعتقد ان علينا التكيف مع هذا الأمر لأن كل النازحين سيعودون يوماً ما، وثمة مَن يعتقد أنَّ النازحين السوريين لن يعودوا على الأقلّ بجزء كبير منهم إلى سورية، ليس لأنهم لا يريدون العودة بل لأن نوعية الحلول المطروحة لمستقبل سورية لا تسمح بإعادة السوريين إلى أراضيهم، ولأنَّ السوريين اعتادوا نمط الحياة الموجود في لبنان وهو ما لم يعتادوه في سورية ويفضّلوه على نمط الحياة الذي كانوا يعيشون في ظله في مجتمعاتهم».

وطرح قزي سلسلة من الأسئلة تتمثّل في «هل يستطيع لبنان الخارج من 30 سنة حرب، المنقسم على نفسه، المتعدد الطوائف، الذي يتمتّع بنسب نمو ضعيفة، ومديونية تفوق الـ70 مليار دولار أن يتحمل مليونا ونصف المليون سوري يضافون إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني؟»، مشدداً على أنَّ «هذا مشروع آيل إلى نزوح لبنان من مكانه وإلى ضياع هذا الوطن الذي سقط الشهداء من أجل المحافظة عليه من الناقورة حتى النهر الكبير ومن شواطئ البحر حتى قمم حرمون والقرنة السوداء».

وكان قزي قد تطرّق مرات عدّة إلى موضوع التوطين وحذّر منه مراراً، لكنّه جدّد دعوته للبنانيين والسوريين والمجتمع العربي والدولي إلى التفكير الجدي لوضع برنامج تدريجي لعودة السوريين إلى سورية قبل انتهاء الحرب في بلادهم «وإلا ستبدأ حرب أهلية بين اللبنانيين والسوريين في لبنان. الحرب الأولى كانت بين الشعب اللبناني والجيش السوري، واليوم (قد تقع) بين الشعبين. وهذا أمر لا نريده ولا نتمناه، لا بل هو أمر يجب أن نحاربه، ولكن كي نحاربه يجب أن نضع حلولاً. وأول الحلول هو عودة النازحين إلى سورية. ويمكن للمجتمع الدولي خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا أن تتفقا على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وهي متوافرة، فينتقل اليها النازحون إليها ويعيشون في ظروف إنسانية أفضل وعلى أرض بلدهم ويثبّتون وحدة سورية. وإذا كان السوريون يريدون فعلاً تغيير النظام في بلادهم، فإنَّ هذا التغيير لا يتم من خلال شارع الحمراء البيروتي».


"الرأي الكويتية" - 6 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top