0
ظروفٌ صعبة وأوضاع استثنائية عاشها حزب «الوطنيين الأحرار» في لبنان على مرّ التاريخ، خصوصاً بعد استشهاد رئيس الحزب داني شمعون الذي كان حافزاً لـ«الأحرار» لاستكمال مسيرة المقاومة والصمود آنذاك، ففي هذه الظروف امتُحن الحزب، ومنها ذهباً خرج. لكنّ «أحرار» الأمس، ورغم استمرار انتمائهم الفكري والعقائدي للحزب، ليسوا منتمين فعلياً له اليوم، فيما يسعى القادة فيه الى استرجاع أمجاد الماضي واستعادة موقعهم السياسي على الساحة اللبنانية، فإلى أيّ حدٍّ سينجحون؟ 
 
في لبنان الكثير من «الشمعونيين» من دون أن يدروا، فمَن من اللبنانيين لا يحلم بالوطن الذي كان على عهد الرئيس كميل شمعون؟ هو الذي أعطى للمرأة حقها بالانتخاب وللمصارف سرّيتها الخاصة، وهو الذي ساهم في إنجاز مشاريع ما زال اللبنانيون حتى اليوم ينعمون بخيراتها.

وبين «الشمعونيين» و«الأحرار» الفارق تنظيميّ فقط، فالشمعونيون هم مَن يؤمنون بخطّ الرئيس الراحل كميل شمعون السياسي، أما «الأحرار» فهم مَن يحملون بطاقة انتساب للحزب، إلّا أنّ الحزب لا يفرّق بين هاتين الفئتين، بل إنّ كلّ مَن يؤمن بمبادئ كميل شمعون يُعدّ من صلب الحزب.

قد تكون أكثر الأسباب التي أبعدت مناصري «الأحرار» من فكرة الانتماء الى الحزب حالياً، هي عيش قادته على أمجاد الماضي من دون التطلّع الى المستقبل الذي يهمّ الجيل الجديد، خصوصاً ذاك الذي لم يعايش حقبة بطولات مَن سبقوه.

إلّا أنّ «صفعة» الانتخابات البلدية في دير القمر، بلدة الرئيس كميل شمعون، كانت النقطة التي فاض على أثرها الكوب، فاستفاق الحزب من سباتٍ عميقٍ عاشه لأعوام، وانطلق في خطة عمل جدّية حيث شكّل لجنة برئاسة غبريال دوري شمعون وعضويّة 6 محازبين جميعهم من فئة الشباب، لدرس مكامن الخلل في الحزب وإعادة ترتيب البيت الداخلي وهيكلته في ضوء التطوّرات الآنية، بهدف استعادة موقعه على الساحة السياسية، ذلك بعدما شعر الحزب بخطر إقصائه عن الساحة المسيحية.

إعادة النظر في استراتيجية الحزب والإدارة هي العنوان الرئيس لانطلاق ورشة عمل اللجنة، إضافة الى موقف الحزب من العديد من الملفات السياسية التي تهمّ المجتمع حيث يتغيّب عن الكثير منها. وبالتالي تسعى اللجنة إلى تفعيل عمل الحزب من النواحي كافة، وضمّ أكبر عدد من المحازبين، خصوصاً من الجيل الجديد الذي ترى اللجنة وجوبَ وضع مشروع وطن يتناسب مع تطلّعاته وطموحاته بهدف استقطابه.

وعن التوريث السياسي، نفى رئيس اللجنة غبريال شمعون لـ»الجمهورية» أن «تكون رئاستي للجنة انطلاقة لرئاستي للحزب في ما بعد، فأنا لم أتدخّل أبداً في إدارة الحزب، بل إنّ مهمتي واضحة جداً في الفترة الحالية وهي إعادة تنظيمه».

البحث في وجوب تشكيل هذه اللجنة لطالما كان موضوعاً ضمن أولويات الحزب، خصوصاً أنّ الظروف كانت تؤكّد يومياً صوابية هذا الطرح، وقد وصلت الى ذروتها مع الخسارة التي مُني بها الحزب في دير القمر، فسرّعت عملية البدء في التنفيذ.

ويُرجع بعض «الأحرار» سببَ هذه الخسارة الى ضعف الماكينة الانتخابية إذ لم تكن على مستوى الماكينات الانتخابية للوائح المنافسة التي كانت تحظى بإمكاناتٍ ساعدتهم على تدعيم ماكيناتهم، إضافة الى الاستراتيجية الخاطئة التي اعتمدت، حيث أعلن الحزب عن أسماء المرشحين قبل يومين من الانتخابات، ما منع أهالي البلدة من التعرّف إليهم، خصوصاً أنها افتقدت للمشروع الإنمائي الذي ينتظره أبناء البلدة قبل أيّ شيء آخر من البلدية، بل اهتمّت لأشخاص المرشحين أكثر من البرامج، ناهيك عن تحالف الحزب مع الوزير السابق ناجي البستاني، أي خصم الأمس، الذي لم يتقبّله قسمٌ من «الأحرار» فذهبوا نحو اللائحة المنافسة.

حزب «الوطنيين الأحرار» الذي ما زال يحظى بامتداداته الراسخة وسط قواعد الشمعونيين الذين يحتفظون بصلابة مشهود لها في الخط السيادي التاريخي، هو اليوم على أبواب التجدّد، إصراره على بناء وطن على قدر تطلّعات اللبنانيين أعطاه دافعاً للبدء بورشة العمل، وهو لم يكره شرّ خسارة اليوم، لعلّه خيراً للفوز غداً. 


ربى منذر - "الجمهورية" - 8 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top