في ذلك الزمان، وبعد أن استقل لبنان، وجد أمراء مزارعنا أن مجلس الشيوخ في حال إقراره كما جاء في دستورنا المتوازن آنذاك، سيف مسلط فوق رؤوسهم في مجلس النواب، يمنع "البرطيل" ويحد من الفساد الذي أورثه الحكم العثماني فصار يسري في الدماء. فقرروا إلغاءه. وبعد رحيل الفرنسيين كان لا يزال مسلطاً فوق رقابهم، كما أن قضايا التخطيط المستقبلي للوطن لم تكن في أولوياتهم حيث فضلوا استبدالها "بمداواة الحاضر بالحاضر"، وقرروا التخلص منه. وفي صبيحة يوم أسود من تاريخ لبنان هو 17/10/1927، عدّلوا الدستور (التشويه الأول) بإلغاء مجلس الشيوخ ودمجه بمجلس النواب. كانت تلك الخطوة الأساس على طريق الفساد!.
ثم شعر اللبنانيون بحتمية وجوده بعد أن أوغل مسؤولوهم في السلب والنهب وبخاصة بعد التعديل الثاني للمادة 28 من الدستور حيث تم توزير النائب وتحولت الإنتخابات من "نيابية" بالإسم إلى "وزارية" بالفعل، واختلط الحابل بالنابل بين التشريع والتنفيذ. وفي "لحظات التجلي" التي نزلت عليهم في الطائف، أقروه ثانية في المندرجات لكن تنفيذه لم يأخذ مجراه لأنه كان "البعبع الثاني" – بعد الدائرة المصغرة - الذي يقض مضاجع أصحاب الشركات السياسية "المتضامنة".
ثم شعر اللبنانيون بحتمية وجوده بعد أن أوغل مسؤولوهم في السلب والنهب وبخاصة بعد التعديل الثاني للمادة 28 من الدستور حيث تم توزير النائب وتحولت الإنتخابات من "نيابية" بالإسم إلى "وزارية" بالفعل، واختلط الحابل بالنابل بين التشريع والتنفيذ. وفي "لحظات التجلي" التي نزلت عليهم في الطائف، أقروه ثانية في المندرجات لكن تنفيذه لم يأخذ مجراه لأنه كان "البعبع الثاني" – بعد الدائرة المصغرة - الذي يقض مضاجع أصحاب الشركات السياسية "المتضامنة".
لقد استبشر الناس خيراً عند انتقال الحكم بعد الطائف من المارونية السياسية إلى السنّية السياسية بقيادة رفيق الحريري، لكن ديماغوجية الأزلام والأنصار، ودواعي البرطيل والإستفادة، دفعت بالرجل مرغماً إلى "تناسي" مجلس الشيوخ وتركه يغوص تدريجياً في مزبلة السياسة اللبنانية.
لماذا لا ترغب طغمتنا الحاكمة في مجلس للشيوخ؟ لأن صلاحياته تتعارض وجاهاً مع صلاحيات النائب المطلقة وبالتالي تحد من "زعامته"، ولأنه يحل محل عدد من "الدكاكين" الإدارية القائمة لخدمة الزعماء مثل "مجلس التوظيف الأعلى" و "المجلس الدستوري الأعلى" و"المجلس الوطني للإعلام" إلخ.. ولأنه يَدرس ويزكّي البرامج الإنمائية والإجتماعية والمستقبلية للوطن ويطرحها أمام المجلس النيابي، ناهيك عن الحلول لمشاكل البلاد الإتنية والطائفية والإقتصادية ومراقبة التشريك بين التشريع والتنفيذ. وفي هذا مصلحة للوطن ككل وتقزيم لأدوار زعمائه المسوّمين.
النسبية.. ووجهها الكالح
عندما سُئلت زوجة أينشتاين: هل تفهمين نظرية النسبية التي أطلقها زوجك؟ أجابت: كلا، لكنني أفهم أينشتاين نفسه. غالبية اللبنانيين لا تتفهم النسبية الإقتراعية، لكنها تفهم دوافع القادة السياسيين لها، ففيها تتويج لزعاماتهم وضمان نهائي يحاولون تأييده هذه المرة –لا سمح الله - بنصوص مدونة.
نظام الإقتراع النسبي آلية يتم بموجبها منح كل لائحة من اللوائح الإنتخابية المتنافسة نسبة من المقاعد تعادل نسبة الأصوات التي حصلت عليها. هذا التعريف المبسّط يكرّس ضمانة حقيقية للنافذين وتقاسماً بينياً للحصص بالتراضي. مثال ذلك: الزعيم (ن) يؤلف لائحته في منطقة كذا، حيث يؤلف منافسه، بل ربما حليفه (ع) لائحته فيها، ليتقاسم الزعيمان المنطقة بنسبة الأصوات التي حققتها كلّ من اللائحتين.
ما يعني أن لا مكان لمرشح مستقل لا ينتمي لأي من الزعيمين، فالنسبية تعمل فقط على اللوائح وليس على الترشيحات الفردية. صغار المرشحين، أصحاب الثقافات والطموحات، ليس لهم خبز على المائدة النسبية، ففي ظل النظام النسبي يتقدم المرشحون على أساس الإنتماء للائحة (الزعيم)، ولو قُبلت الترشيحات المنفردة فحظوظها ضئيلة، ذلك أن التنافس الفعلي يكون فقط بين اللوائح. وهنا تنتفي أية منافسة بين مناهج فكرية أو وطنية لتحل محلها خدمات ظرفية ومناطقية يتصرف بها الراسخون. من أجل ذلك يحرص نبيه بري وسواه على النسبية وتحضير لبنان لدائرة انتخابية واحدة. ولو حصل هذا لرأينا بأم العين مجلساً نيابياً يتقاسمه شخصان أو ثلاثة، ويضطلع باقي أفراده بمهمة رفع الأيدي..
لماذا لا ترغب طغمتنا الحاكمة في مجلس للشيوخ؟ لأن صلاحياته تتعارض وجاهاً مع صلاحيات النائب المطلقة وبالتالي تحد من "زعامته"، ولأنه يحل محل عدد من "الدكاكين" الإدارية القائمة لخدمة الزعماء مثل "مجلس التوظيف الأعلى" و "المجلس الدستوري الأعلى" و"المجلس الوطني للإعلام" إلخ.. ولأنه يَدرس ويزكّي البرامج الإنمائية والإجتماعية والمستقبلية للوطن ويطرحها أمام المجلس النيابي، ناهيك عن الحلول لمشاكل البلاد الإتنية والطائفية والإقتصادية ومراقبة التشريك بين التشريع والتنفيذ. وفي هذا مصلحة للوطن ككل وتقزيم لأدوار زعمائه المسوّمين.
النسبية.. ووجهها الكالح
عندما سُئلت زوجة أينشتاين: هل تفهمين نظرية النسبية التي أطلقها زوجك؟ أجابت: كلا، لكنني أفهم أينشتاين نفسه. غالبية اللبنانيين لا تتفهم النسبية الإقتراعية، لكنها تفهم دوافع القادة السياسيين لها، ففيها تتويج لزعاماتهم وضمان نهائي يحاولون تأييده هذه المرة –لا سمح الله - بنصوص مدونة.
نظام الإقتراع النسبي آلية يتم بموجبها منح كل لائحة من اللوائح الإنتخابية المتنافسة نسبة من المقاعد تعادل نسبة الأصوات التي حصلت عليها. هذا التعريف المبسّط يكرّس ضمانة حقيقية للنافذين وتقاسماً بينياً للحصص بالتراضي. مثال ذلك: الزعيم (ن) يؤلف لائحته في منطقة كذا، حيث يؤلف منافسه، بل ربما حليفه (ع) لائحته فيها، ليتقاسم الزعيمان المنطقة بنسبة الأصوات التي حققتها كلّ من اللائحتين.
ما يعني أن لا مكان لمرشح مستقل لا ينتمي لأي من الزعيمين، فالنسبية تعمل فقط على اللوائح وليس على الترشيحات الفردية. صغار المرشحين، أصحاب الثقافات والطموحات، ليس لهم خبز على المائدة النسبية، ففي ظل النظام النسبي يتقدم المرشحون على أساس الإنتماء للائحة (الزعيم)، ولو قُبلت الترشيحات المنفردة فحظوظها ضئيلة، ذلك أن التنافس الفعلي يكون فقط بين اللوائح. وهنا تنتفي أية منافسة بين مناهج فكرية أو وطنية لتحل محلها خدمات ظرفية ومناطقية يتصرف بها الراسخون. من أجل ذلك يحرص نبيه بري وسواه على النسبية وتحضير لبنان لدائرة انتخابية واحدة. ولو حصل هذا لرأينا بأم العين مجلساً نيابياً يتقاسمه شخصان أو ثلاثة، ويضطلع باقي أفراده بمهمة رفع الأيدي..
د. هادي عيد - 9 حزيران 2016
إرسال تعليق