0
لا يمكن إنكار ملامح التغيير التي افرزتها عمليات الاقتراع التي حصلت خلال شهر مايو الماضي في لبنان. جزء من هذه الملامح له خلفيته المضيئة والتي تستند الى أبعاد لا تدعو الى التشاؤم، اما الجزء الآخر، ففيه بعض الغرائب السياسية، وقد تكون مستجدة على مساحة الحراك الشعبي، او الأهلي، وربما تكون من النوع الذي يؤسس لانقلابات جذرية. والانقلاب، مقاربة مصدرها عسكري ـ امني، عادة تبقى سرية الى ساعة التنفيذ، بمعنى انها تحمل سمة المفاجأة.

في الخلفية المضيئة للانتخابات البلدية والاختيارية، انها اكدت على تمسك اللبنانيين بالاستقرار الأمني، وبالحرص على عدم إحداث خضات خطرة اثناء التحضير للانتخابات، وإبان إجرائها، ذلك ان القدرة على إحداث تداعيات فتنوية، او امنية كبيرة، متوافرة عند العديد من القوى الحزبية، او عند بعض القوى العائلية او المحلية.

وكان يمكن لأي اضطراب كبير، ان يؤثر على سير العملية الانتخابية، او الغائها برمتها، وهذا لم يحصل. واكد اللبنانيون على العيش المشترك بين الاديان والطوائف، والخروقات الطفيفة التي حصلت من جراء سقوط بعض المرشحين هنا وهناك، لم تكن بنية إقصائية، او على خلفية تمييز طائفي، بقدر ما كانت ناتجة عن فوضى في التحالفات، او عن تراجع مستوى التصويت ـ مثال على ذلك ما حصل في طرابلس وأدى الى سقوط المرشحين المسيحيين والعلويين، او ما حصل في بلدة المتين وأدى الى سقوط المرشحين الدروز.

وكشفت الجهة الأخرى من الخلفية المضيئة المساحة التفاؤلية، حيث برزت عند القوى الامنية ـ وتحديدا الجيش وقوى الامن الداخلي ـ وكذلك عند الطاقم الإداري لوزارة الداخلية، قدرة فائقة على التحكم بضوابط الساحة، رغم الشوائب الكثيرة الناتجة عن الخلل السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد، ورغم الاختناق السياسي والاجتماعي الذي يشعر به اللبنانيون.

وفي الزاوية الأخرى، فقد تركت الانتخابات بعض الامل من خلال تجديد جزء من السلطة في لبنان، يمكن ان تحدث بعض الخرق في جدار الانسداد الإجرائي او التشريعي الذي تعيشه الدولة، وقد يكون حافزا للإسراع في إتمام الانتخابات الرئاسية والنيابية المتأخرة منذ اكثر من سنتين. رغم ان قانون البلديات لا يسمح للسلطات المحلية بأن تمارس صلاحيات واسعة، كونها خاضعة لسلطة رقابة ادارية وقضائية متشددة، ويمكن لهذه الرقابة ان تطيح بأي من الطموحات التي قد ترسمها بعض البلديات، كما ان هذه المجالس تتربع فوق فالق التناقضات العائلية والجببية التي تهدد بانفراطها في اي وقت، لكون الرئيس ونائب الرئيس فيها ينتخبان من اعضاء المجلس البلدي وليس مباشرة من الشعب.

في زاوية الغرائب السياسية التي برزت من جراء العملية الانتخابية، ظاهرة التفلت من القيود التنظيمية التي تفرضها الاحزاب السياسية على مؤيديها.

فكان واضحا ان لدى عدد كبير من جمهور هذه الاحزاب نوايا انتقامية، او اعتراضية، نجح هذا الجمهور في إخفائها عن المرجعيات الحزبية، واستخدمها كمفاجأة في صناديق الاقتراع، من دون خوف، او خجل.

ولم يقتصر هذا الامر على انتخابات مدينة طرابلس، بل انه حصل في البلدات والمدن التي يتمتع فيها حزب الله وحركة امل بنفوذ واسع، كما انه حصل ايضا في بعض بلدات الجبل، وفي مدينة بيروت، وقد لا يكون الامر طلاقا بين بعض التيارات والاحزاب مع جمهورها، ولكنه رسالة تمردية لابد من الوقوف عندها، خصوصا انها جاءت بتشجيع غير معلن من قوى داخل هذه الاحزاب والتيارات، ضد مراكز نفوذ حزبية أخرى، بمعنى آخر، كانت هناك تصفية حسابات داخلية في عدد من الاحزاب والتيارات، اذا لم نقل في معظمها. 


د. ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 6 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top