0
الجدار السّميك الذي رفعته اسرائيل منذ العام 1948 في وجه القرار 194 وأهمّ مندرجاته حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، لم تصطدم به مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية وآخر جولاتها استضافته باريس أمس، فحسب، بل ان ارتدادات التصلب الاسرائيلي هذا تصيب بقوة الدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين، وعلى رأسها لبنان.

فالدولة الجارة لفلسطين المحتلة، باتت تستقبل على أرضها ما يزيد عن 500 ألف لاجئ فلسطيني عددهم في تزايد دائم، يتوزعون في مخيمات عشوائية، تحوّلت وفق ما تقول أوساط دبلوماسية لـ"المركزية"، بؤرا أمنية خارجة عن سيطرة الشرعية اللبنانية لكن أيضا عن السيادة الفلسطينية التي تحاول بصعوبة ضبط الاوضاع فيها. ورغم تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقائه الرئيس السابق ميشال سليمان عام 2013 ان المخيمات خاضعة للدولة اللبنانية، الا ان الواقع ليس كذلك حيث بات معظمها و"عين الحلوة" في شكل خاص، ملاذا آمنا لفارّين من وجه العدالة ومنطلقا للارهاب... لكن لبنان الذي يخشى تداعيات اللجوء أمنيا، يتخوف أيضا مما هو أكبر: التوطين، وقد ارتفع منسوب قلقه مرة اضافية، اثر تجاهل اجتماع باريس الاخير "حق العودة"، في ظل ارتفاع أصوات دولية وحتى فلسطينية تطالب باقرار تعويضات عن ممتلكات الذين لن يعودوا إلى ديارهم، كما هو وارد في القرارين الدوليين 194 و181، طالما ان اسرائيل حاسمة في رفضها "حق العودة". وتشير الاوساط الى ان جهات سياسية لبنانية أثارت الموضوع أخيراً مع عدد من الدبلوماسيين، محذرة من خطورة التخلي عن "حق العودة" وتراجعه من سلّم أولويات الاطراف المعنية بحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، كما أعربت الجهات المذكورة عن قلقها من محاولات للالتفاف على حق العودة الوارد في مبادرة بيروت العربية ومخططات أوسع تشمل الى توطين اللاجئين الفلسطينيين، توطين النازحين السوريين والفلسطينيين من مخيم اليرموك، مذكّرة في السياق بما جاء في تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاخير حول ادماج النازحين وفي القرارات الدولية الاخرى التي تحدثت عن "العودة الطوعية" للنازحين السوريين.

وأوضحت الاوساط ان الأطراف اللبنانية نفسها أبلغت شخصيات دبلوماسية غربية وأممية، أن الكلام التوضيحي الذي أعقب تقرير بان وأبرزه للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ - التي تحدثت عن احترامها للدستور اللبناني الذي ينص على رفض أي توطين، مشيرة الى ان مندرجاته تبقى أقوى من أي قرارات خارجية بمعنى ان أي طرف خارجي لا يمكنه فرض التوطين على لبنان- يبدد بعض الهواجس لكنه لا يكفي. فالمطلوب خطوات عملية تبعد شبح التوطين ومنها انشاء مخيمات في المناطق الآمنة في سوريا ونقل النازحين اليها، ليخطوا خطوة نحو العودة الطوعية الى بلادهم، اضافة الى ضرورة تقاسم أعباء وأعداد هؤلاء.

وختمت الاوساط مشيرة الى ان ملف النزوح بشقيه الفلسطيني والسوري انتقل اليوم الى الاولويات اللبنانية وبات يحظى باهتمام رسمي بارز، وسط وعي لافت لأخطار التوطين ورفض جامع لأي محاولات اسرائيلية أو غربية أو أممية لفرضه أو تحويله أمرا واقعا. 


"المركزية" - 4 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top