0
تكشّفت الانتخابات البلدية التي تمت على مراحل أربعة وكان أخرها في عكار والشمال في 29 أيار، عن مفاجأة غير محسوبة مسبقا وعن مشهد وطني جديد. و بعد ما قال المواطن كلمته لا بد من استخلاص الدروس والعبر. أولها هو أن هذا الاستحقاق الدستوري الهام يدلّ على النجاح الكبير الذي حققته القوى الأمنية وكذلك وزارة الداخلية. مما يسقط نهائياً مقولة عدم احترام الاستحقاقات الدستورية المتراكمة من انتخاب رئيس الجمهورية ومجلس نيابي جديد بحجة ذريعة الأمن والاستقرار.
والعبرة الثانية التي يجب استخلاصها هي رفع المساءلة حول الأولوية بين الاستحقاق الرئاسي والاستحقاق النيابي. فالتخوف من امكانية حدوث فراغ في المؤسسات اذا ما جرت الانتخابات النيابية في ظلّ الفراغ الرئاسي يمكن معالجته بوضع سلطات رئيس الجمهورية كوديعة بعهدة المجلس الدستوري، مع ضرورة التذكير بمخاطر الفراغ وعدم جواز تعطيل المجلس النيابي وبالتالي تعطيل الديموقراطية لأسباب غير منطقية.
والفائدة من طرح كهذا بالنسبة لطروحات أخرى في هذا السياق هو أنه يستبعد خطر اساءة استعمال السلطة من قبل المؤتمن على الوديعة. وكذلك فإن التذرع بضرورة استحداث قانون انتخابي جديد، فلم يعد بالامكان العمل به من أجل التعطيل فحسب. إذ لا شيء يمنع المجلس الحالي من استحداث هكذا قانون مع ترجيحنا بصحة اعتماد النسبية. هذا مع العلم أن الناخب اللبناني عامّة وفي طرابلس بالتحديد قد تخطّى هذه الاعتبارات للذهاب الى جوهر التعبير عن الإرادة الشعبية. فالانتخابات البلدية جرت تحت قانون أكثري مما لم يمنع حدوث التغيير. أذ حظي المجتمع المدني مدعوماً من الوزير اللواء أشرف ريفي بنجاح كبير في احداث التغيير وقلب معادلات تتخطى الحدود البلدية. وبغياب رأس السلطة وتعطيل المجلس النيابي وشلل الحكومة، كانت الانتخابات البلدية بمثابة عيد للعاميّات.
وهنا لا بد لنا من توجيه تحية إلى الناخب الطرابلسي الذي وجّه البوصلة نحو بناء الدولة، دولة المؤسسات والانماء وخدمة المواطن ورفض كل محاولات التهميش. ورغم صرخة من هنا وأخرى من هناك عن مخاطر تعود الى هواجس طائفية أو مذهبية وفئوية، يبقى أن مشروع بناء دولة المواطنة الذي عبرت عنه صناديق الاقتراع هو التحول الأساس.
ولا ضير من التذكير أن هذا التحول لا يكتمل إلّا باستكمال عناصره كافة. فالانتخابات البلدية على أهميتها لا تنتج، ككل العاميّات، إلاّ مجالس بلدية. بينما سلطة الدولة تبقى بين يديّ الحكومة والمجلس النيابي في انتظار رئيس الجمهورية العتيد. والقراءة لنتائج الانتخابات، ومهما بسّطناها، تعكس الشرخ والتباعد بين ممثلي الأمّة الحاليين والتطلعات الوطنية التي تم التعبير عنها. وهذا الشرخ يشكل بذاته ناقوس الخطر. وقد يتمادى لا سمح الله الى أكثر من احتجاج او انتفاضة في حالة استغباء ذكاء المواطن وتعطيل الإرادة الوطنية.
عاش لبنان على مدى أربعة أسابيع عرساً ديموقراطياً، وعبّر الناخب فيه عن الزامية العودة الى الدولة والشرعية وتفعيل عجلة العمل الديموقراطي وبناء المؤسسات. ولكي لا نضيّع البوصلة من جديد ورغم محاولات تخفيف هذا الوهج الديموقراطي، علينا اجراء محاسبة دقيقة لواقعنا المستحدث، والعودة بزخم العاميّات لترميم الجمهورية واستكمال المؤسسات.

د. محمد سلهب - رئيس التجمع الدستوري الديموقراطي - 2 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top