ليس توقيت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية مثالياً، ولا حجم الخلافات بين واشنطن والرياض يسمح بالتفاؤل بصفحة جديدة. ومع ذلك لا يمكن زيارة كهذه الا أن تكون تاريخية.
يلتقي أوباما اليوم الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارته الاخيرة على الارجح الى السعودية خلال ولايته، في وقت تتعثر العلاقات بين البلدين في شأن مسائل حساسة، لعل آخرها السجال المتجدد في شأن هجمات 11 أيلول 2001.
فقد هدد البيت الابيض الاثنين برفض أي مشروع في الكونغرس يتيح ملاحقة الحكومة السعودية على أي دور لها في تلك الهجمات.
وكانت الرياض توعدت ببيع ودائع تصل قيمتها الى 750 مليار دولار إذا أقر الكونغرس القانون.وحذر الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست بأن خطوة كهذه ستعرض للخطر "استقرار النظام المالي العالمي".وأكد أن لجنة التحقيق الرسمية في هجمات 11 أيلول خلصت الى أن مسؤولين سعوديين كباراً لم يدعموا المهاجمين، ومذذاك "شهدنا تركيزاً أكبر للحكومة السعودية على مكافحة أولئك الذين ينشرون الايديولوجيا المتطرفة".
وتعقد هذه المسألة جهود جديدة لرفع السرية عن 28 صفحة من تقرير 11 ايلول الذي أنجزته عام 2002 لجنة استخبارات مشتركة بين مجلسي الشيوخ والنواب.
وتصف الصفحات الـ28، بحسب تقارير إعلامية، دور الثروات السعودية في دعم رجال الدين المتشددين الذين ينشرون إيديولوجيا "القاعدة".ويطالب أعضاء سابقون وحاليون في الكونغرس بنشر هذه الصفحات.
وكان وزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل طالب العام 2003 الرئيس السابق جورج بوش بكشف الوثائق، قائلاً: "إذا كانت هناك اتهامات للسعودية نريد أن نرد عليها لأننا نعرف أننا بريئون من أي اتهامات، ولكن إذا كانت هناك اي معلومات عن داعمين محتملين لارهابيين، نريد أن نعرفهم لنتولى معالجة الوضع".
سوريا
ويفترض أن تستأثر الحرب في سوريا، بما فيها اتفاق وقف النار الذي يبدو على وشك الانهيار ومحادثات السلام المتعثرة في جنيف، بحيز من المحادثات.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري صرح عند اعلان وقف النار في شباط الماضي بأن الهدنة ستشكل فرصة للتفاوض على انتقال سياسي لسوريا، وإذا انهارت ستفكر واشنطن في الانتقال الى "الخطة ب"، محذرا من ان الامر سيكون أسوأ.
وفي الوقت الذي تترنح الهدنة، يتوقع أن يضغط السعوديون على أوباما لتزويد المقاتلين السوريين بمزيد من الدعم، علماً أن الرئيس الاميركي كان دائماً مهتماً بالحصول على مساعدة سعودية لمقاتلة داعش أكثر من خلع الرئيس بشار الاسد.
اليمن
ولن تغيب الحرب في اليمن التي تقودها السعودية عن جدول المحادثات، وخصوصاً أن واشنطن تعتبر أن "القتال في اليمن شتت زخم الحرب على داعش والقاعدة" اللذين ينشطان في تلك البلاد.
ايران
وفي مسألة إيران، سيحاول أوباما على الارجح الدفع بخطته التي تضع واشنطن وسيطاً بين طهران والرياض، إلا أنه سيواجه على الارجح اتهامات بالمساهمة في زيادة الشرخ بين البلدين الخصمين اللدودين.
فالرئيس الأميركي رحب أخيراً برفع العقوبات النووية ضد ايران، قائلاً إن التنمية الاقتصادية وتزايد التبادلات مع الغرب يزيد فرص العمل على أهداف مشتركة، إلا أن دول الخليج تبدو قلقة من أن تكون الاختبارات الصاروخية الايرانية مؤشراً لأن طهران لم تتخل عن طموحاتها النووية العسكرية.
وعلى رغم التطمينات الاميركية، يبدي السعوديون والخليجيون عموماً قلقاً من أن ايران صارت أكثر جزماً مع مباركة أميركية.
ومن المتوقع أن يجري أوباما والزعماء الخليجيين اجتماعاً مخصصاً لايران. وعن هذا الامر قال روب مالي الذي ينسق سياسة البيت الابيض للشرق الاوسك أخيراً: "لا أعتقد أن ثمة التباساً في شأن من يكون شريكنا في المنطقة".
وتنقل صحيفة "الوول ستريت جورنال" عن مسؤول كبير في الادارة الاميركية أن ثمة"نزاعاً بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران، وتحديداً بين السعودية وايران أعطى دفعاً لبعض الفوضى واللاستقرار والطائفية في المنطقة". وقال: "نحتاج الى نوع جديد من العلاقة بين دول الخليج وإيران، يكون معرضاً أقل لحروب الوكالة وينعكس ايجاباً على المنطقة كلها"، لافتاً الى أن "التشجيع على هذا النوع من الحوار هو أمر يريد الرئيس الحديث في شأنه مع الزعماء الخليجيين".
وستكون الاسعار المنخفضة للنفط على جدول الاعمال أيضاً.فالاقتصاد السعودي يتعرض لاضرار بسبب تراجع الاسعار.واضطرت أميركا إلى الغاء 250 الف وظيفة في القطاع النفطي خلال السنتين الاخيرتين بسبب تراجع الاسعار.
تباعد لا انفصال
هذا الجدول المتشابك للمصالح يؤكد حاجة البلدين الى بعضهما، على رغم التباعد الكبير في المواقف بين الرياض وواشنطن.
ويقول بروس ريدل ، الباحث في معهد بروكينغز إن السعودية وأميركا لا تتطلّقان " ويمكن زيارة أوباما الى السعودية الأسبوع المقبل أن تساعد في احتواء هذه الأزمة والتأكيد على المصالح المشتركة، لكنها لن تعيد العلاقة الى أيامها المجيدة".
ريدل الذي يسترجع تاريخ نشوء الحلف الأميركي السعودي سنة 1943، حين زار الأميران في حينه فيصل بن عبد العزيز وخالد بن عبد العزيز البيت الأبيض بناء على دعوة من الرئيس فرانكلين روزفلت، يلفت في مقال له إلى أن العلاقات شهدت طوال العقود الستة اللاحقة صعوداً وهبوطاً.
ولكنه يقول إن العلاقات بدأت تتدهور جدياً عام 2000 حين فشل الرئيس الاسبق بيل كلينتون في الدفع باتجاه سلام إسرائيلي-سوري في مؤتمر شيفردستاون، وسلام فلسطيني-إسرائيلي في كمب ديفيد.
ولاحقاً، شعر الأمير عبد الله بخيبة أمل عندما وقف الرئيس جورج بوش الى جانب شارون عام 2001 خلال الانتفاضة الثانية. ورفض ولي العهد في حينه لقاء بوش أو زيارة واشنطن ، ولم يليّن الملك عبدالله موقفه إلّا حين دعا بوش علناً الى إقامة دولة فلسطينية مع أن السعوديين شككوا بأنّ الرئيس الأميركي عنى ذلك حقاً.
وجاءت أحداث 11 أيلول لتؤثر سلباً على العلاقات من جديد. ويقول ريدل:"لم يفهم السعوديون لماذا هاجم بوش العراق بعد استهداف برجي التجارة. فالعراق لم يكن له دخل ببن لادن أو القاعدة. كانوا فرحين لرحيل صدام حسين، لكنّهم أرادوا جنرالاً سنّياً مرناً ليخلفه. وذهل الملك عبدالله من سذاجة بوش".
ولم يكن عهد أوباما أفضل. وعندما زار الرئيس الاميركي السعودية أولاً ضمن جولته الأولى في الشرق الأوسط عام 2009، كان الاجتماع مع الملك عبدالله سيئاً، لكنّ أوباما وعد بأن يطرح المسألة الفلسطينية. وعندها رأى السعوديون أنّه وقف الى جانب نتانياهو خاب أملهم مرّة ثانية. وجعل الربيع العربي العلاقات أسوأ بكثير. فقد أراد الملك عبدالله من أوباما دعماً كاملاً لحسني مبارك – لا التخلي عن حليف قديم.
ودخلت العلاقات بين الجانبين مرحلة جديدة مع بدء المحادثات النووي التي انتهت الى توقيع اتفاق بين طهران والدول الست.ولعل السابقة التي سجلت في تاريخ العلاقات بين الجانبين كانت المقابلة التي أدلى بها أوباما لمجلة "الأتلانتيك" والتي وجه فيها انتقادات علنية هي الاولى من نوعها للحلفاء الخليجيين، والتي وصلت به الى حد وصفهم بـ"الركاب المجانيين".
لا طلاق
ومع ذلك، يقول ريدل إن "أوباما و الملك سلمان لا يزالان يملكان مساحات من الاتفاق والمصلحة المشتركة. باع أوباما أسلحة الى المملكة بقيمة 95 مليار دولار. والدولتان عازمتان على محاربة داعش والقاعدة، وولي العهد الأمير محمد بن نايف أثبت أنه شريك جيد في التعاون الأمني مع أميركا. وعلى الدولتين تحسين التعاون لمحاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي كبرت بشكل دراماتيكي خلال الحرب في اليمن".
الكاتب سيمون هندرسون يقول في مقال في "الفورين بوليسي" عنوانه "الطلاق الطويل" أن أوباما لا ينوي السفر الى السعودية لتوقيع وثيقة وفاة الصداقة بين البلدين.ومع ذلك، يمكن إدارة أوباما أن تكون أطلقت حقبة جديدة في العلاقات بين واشنطن والرياض، واحدة أكثر تباعداً وتشوبها الشكوك.وبطريقة أو بأخرى، ستكون هذه الزيارة تاريخية.
موناليزا فريحة - "النهار" - 20 نيسان 2016
إرسال تعليق