0
ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات.

كلام أطلقه السيد حسن نصرالله، ترافق مع مجموعة من المؤشرات على اندفاعة إعلامية متسارعة لقوى 8 آذار - او ما يطلقون عليها «قوى الممانعة» - أرخت أجواء مخيفة على الأوضاع اللبنانية المعقدة، وتكاد تخلق توترات كنا اعتقدنا انها أصبحت من الماضي.

خلفية الاندفاعة الهجومية لقوى 8 آذار، حسابات إقليمية جديدة، عنوانها بعض التقدم الذي أحرزته الضربات الجوية الروسية التي تساند قوات النظام السوري على بعض محاور القتال في سورية، وفشل مؤتمر الحوار في جنيف، إضافة الى الارتياح الديبلوماسي والمالي الذي تعيشه «قوى الممانعة» جراء بدء تطبيق الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ألمانيا.

ولم يقبل محور حزب الله بالانتصار الذي قدمته له معظم قوى 14 آذار وقيادات أخرى من خلال اختيار مرشح رئاسي محسوب عليهم سياسيا، وهو النائب سليمان فرنجية، بل انطلقت قيادات هذا المحور من هذه الهدية السياسية لإلحاق هزيمة بأخصامها، في وقت تعاني البلاد من بداية تفكك قد تصيب معظم المؤسسات، إذا ما طال الشغور الرئاسي اكثر.

الجزء الأساسي من خطاب السيد حسن نصرالله في 29/1/2016 كان تبريريا وتعبويا، للملمة التضعضع الذي أصاب محور 8 آذار على اثر ترشيح النائب فرنجية من قبل الرئيس سعد الحريري، وبعد مصالحة معراب التي دملت جزءا كبيرا من جرح الخلافات المسيحية – المسيحية التي كانت توظف لصالح سياسة المحور.

خصوصا ان هذه المصالحة بنيت على قاعدة النزول الى البرلمان لانتخاب الرئيس، مادام ان نواب القوات اللبنانية سيقترعون لصالح العماد عون، وهو ما كان ينتظره بشغف، وربما كانت أصواتهم كافية لوصوله الى الرئاسة، إذا ما أعيد سيناريو الاقتراع الذي جرى في مجلس النواب في جلسة 23 أبريل 2014.

أما الجزء الثاني – والأساسي – من خطاب نصرالله، فكان تهديديا ومخيفا بكل المقاييس، وبدا «السيد» كأنه جاهز لخوض مواجهة ميدانية مع الذين يخالفونه في الرأي حول مستقبل الأوضاع في المنطقة، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بانفلاش السياسة الإيرانية وتدخلاتها في شؤون الدول العربية.

وتحدث بحسابات تشبه حسابات عد «البواريد» والرجال، عندما تطرق الى الأحجام والأوزان لهذه القوى او تلك.

القوى السياسية التي لا تجاري حزب الله في تدخله في سورية، وفي عدم تسهيله انتخاب رئيس للجمهورية إلا وفقا لفرضية جبرية واحدة يريدها ـ وهي التصويت للعماد عون ـ تعرف إمكانيات حزب الله وقدرته على قلب الأوضاع، وتدرك انه يملك ترسانة عسكرية كبيرة سبق ان صوبها نحو الداخل اللبناني في مايو 2008.

ولكن هذه القوى - التي تحرص على الاستقرار اللبناني، وتحاول على الدوام تجنب انعكاس ويلات المنطقة على الداخل - لم تتخذ قرار الاستسلام لحزب الله، ولديها أوراق يمكن ان تلعبها في الوقت المناسب، تفرض على حزب الله إعادة التسليم بمقاربة الشراكة الوطنية الحقيقية، وبأن لبنان لا يحكم إلا بتوافق إرادة كافة أبنائه، مهاما كانت نتيجة المعركة الدائرة على الأراضي السورية.

لا شيء يمنع قطاف الثمرة الناضجة قبل سقوطها – على ما شبه الرئيس نبيه بري الوضع الرئاسي في لبنان عشية جلسة 8 فبراير – ولكن الشعور بفائض القوة عند بعضهم، والحسابات الشخصية البحثة عند بعضهم الآخر، سيؤدي الى سقوط الثمرة، وبالتالي خسارة الفرصة السانحة للإنقاذ.

الأوساط الشعبية التي تتابع ما يجري، وتعيش ضائقة اقتصادية خانقة، ترى، ان حزب الله مطالب أكثر من غيره بتوضيح اندفاعته الجديدة، وتبديد أجواء القلق والخوف المشحونة في البلاد. 


د.ناصر زيدان - "الانباء الكويتية" - 14 شباط 2016

إرسال تعليق

 
Top