أكد الرئيس العماد ميشال سليمان، من جنيف، أنه "منذ أن أبحر الفينيقيون
(اللبنانيون الأوائل) من شواطىء لبنان، إلى أصقاع الكرة الارضية، حاملين
معهم الاحرف الاولى للابجدية التي ابتدعوها، أداة تواصل وتخاطب بين الشعوب
وقاعدة لكل ابجديات العالم، وضعوا اللبنة الاساسية للحوار، والمدماك الصلب
للعولمة. وقد تابع الوطن الصغير، الغني بتنوعه والمتفرد بصيغته الميثاقية،
جهوده الحوارية على المنابر الدولية، وبين مكوناته المتعددة، حتى أمكن وصفه
من قبل البابا يوحنا بولس الثاني " وطن الرسالة".
تحدث الرئيس سليمان، في المؤتمر الدولي،المنعقد في جنيف، والذي ينظمه المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام، بعنوان "الاعلام وثقافة الحوار الانساني" في جامعة جنيف، الذي كان بدأ اعماله يوم أمس.
وقد ترأس سليمان الجلسة الرابعة، بعنوان "تجارب في الحوار الانساني"، مفتتحا بكلمة حول التجربة في خدمة الحوار، وقال: "في حين أصبحت اليوم الحياة المشتركة بين أبنائه، نمطا يحتذى به، ستصبح غدا حاجة لمعظم دول العالم، التي بفضل مناخ العولمة تشهد تمازجا واختلاطا تصاعديين. كما ستبدو الحاجة ملحة الى ابتداع انظمة متطورة، ترعى شؤون الناس وترتقي بالأفراد الى اعلى مراتب العطاء، مرتكزة الى القيم والحضارات التي تحملها مكونات الدول، وليس الى عدد افرادها وقوتهم، فتجعلها اكثر انسانية وعدالة".
أضاف: "استمر اللبنانيون في رسالتهم عبر التاريخ، مستفيدين من تجربتهم، ومحاولين تعميم نموذجهم ليطمئنوا على سلامة مصيرهم. وفي هذا الاطار شارك السياسي والدبلوماسي والمفكر اللبناني شارل مالك في صياغة الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، الذي يعتبر الشرعة العالمية الاولى التي بدأت بتوحيد المفاهيم بين الشعوب، والتي تتناول القيم والحريات والتقاليد والمعتقدات والسيادة والاستقلال، هذه المفردات التي تعتبر قاعدة الانطلاق لأي حوار. كما طرح لبنان عام 2008 في خطاب رئيس جمهوريته على منبر الامم المتحدة، اعتماد لبنان مركزا رسميا لحوار الحضارات والاديان والثقافات، كبلد يعيش هذه التجربة بشوارعه ومدارسه واماكن العبادة واماكن التسلية والرياضة والمؤسسات الرسمية والخاصة والادارات العامة. اما في العامين 2010 و2011 وخلال ترؤسه لمجلس الامن الدولي، طرح رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية على التوالي للنقاش، موضوعي الحوار بين الثقافات من اجل السلام والامن الدوليين، والدبلوماسية الوقائية التي تتلازم مع الحوار ولا تغني عنه".
وتابع: "هنا، نحن اليوم نجد انفسنا بالاشتراك مع مفكرين من كافة دول العالم والمنظمات الدولية، نعقد مؤتمرا حول " الاعلام وثقافة الحوار الانساني "، بدعوة من لبناني ايضا، هو العميد الدكتور علي عواد رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام، الذي خاض تجربة الحوار في لبنان بين عامي 2008 و2014 الى جانب رئيس الجمهورية، وكان له دور فاعل في انضاج قرارات وخلاصات، ساهمت في استقرار لبنان خلال حقبة خطيرة. وكون الجلسة الرابعة والختامية التي تجمعنا الآن هي تحت عنوان " تجارب في الحوار الانساني"، فنحن مدعوون لوضع خلاصات تجربتنا بتصرف منظمي المؤتمر للخروج بتوصيات تشكل شرعة للحوار تنير دروب الانسانية".
وأضاف: "اولا مفهوم الحوار، يهدف الحوار، حسب تعريف الأونيسكو، الى ضمان التنمية المستدامة للجماعات البشرية وتعميم قيم التسامح والعدالة. واذا كان الحوار يتلازم مع الدبلوماسية الوقائية، فهو حتما يستبقها ويستكمل الطريق من بعدها، فهو ايضا يتجاوز الوساطة، ويتخطى مفهوم التنازلات المتبادلة بين الاطراف، على حساب القيم والمبادىء. الحوار يختلف عن مذكرات التفاهم بين جهتين او الاتفاقات الثنائية، فهو يغوص في المعتقدات والتقاليد، ويبحث عن الحقائق، للوصول الى مشتركات تتناول السيادة والحرية والاستقلال والمخاطر ويحدد الاعداء والاصدقاء، ويرسم خريطة العلاقات الدولية. يهدف الحوار، بالاستناد الى الحقائق والمشتركات تلك، الى تطوير الممارسة الديمقراطية، ما يساهم بشكل اساسي في رفع الظلم وترسيخ العدالة، وإزالة الحرمان من الحقوق والهوية وبالتالي عدم الاتاحة للعنف والارهابأن يجدا بيئة جذابة، ويفتكا بالانسان والانسانية معا".
وقال: "في هذا العصر، الذي أصبحت فيه المدن الكبرى تجمعات كونية تطبعها العولمة، لا يمكن تعزيز المواطنة الا بالحوار، كما لا يمكن استنساخ نموذج جامد يحفظ التنوع ضمن الوحدة. فالتنوع يجب ألا يؤدي بمكونات الدول الى الذوبان في الاكثرية، كما بالدول والكيانات الصغيرة الذوبان في العولمة، وبالمقابل على الحوار ان ينقذها من التقوقع والانعزال. من هذا المنطلق على الحوار أن يوصل الى فهم مشترك لمفردات ومصطلحات العقد الاجتماعي في كل دولة والشرع والقوانين الدولية التي ترعى شؤون البشرية، كون ازالة الابهام يسمح بتطوير هذه النظم والشرع والدساتير. ولنعلم ان التوافق المبني على الحوار والمعرفة اي على الحقيقة يؤسس الى ممارسة ديمقراطية سليمة، في حين ان عدم التعمق في مفاهيم المواثيق يؤدي الى الابتعاد عنها ويقودنا الى الفتنة والتقاتل والاحتراب".
أضاف:"ثانيا بين الحوار والدبلوماسية الوقائية، وصف داغ همرشولد الدبلوماسية الوقائية انها " إحدى أذكى الاستثمارات التي يمكن ان نقوم بها"، وحدد هدفها الامين العام الاسبق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي انه :" ليس فقط العمل على منع نشوء النزاعات، بل منع تفاقمها وتحولها الى صراعات والحؤول دون انتشارها. واليوم يقتضي تطوير المفهوم، الى ترسيخ دعائم السلام بعد انتهاء النزاعات ومنع تجددها، فالحروب ليست حتمية، ويمكن التأثير على مجرى الاحداث بما يحول دون نشوبها، عن طريق بناء نظم وطنية قادرة على الوساطة والحوار واحتواء الاستقرار".
وتابع: "إن المبادرة العربية للسلام لو وجدت سبيلا الى التطبيق بوساطة دولية، كانت ربما وفرت على البشرية مآسي نشهدها اليوم تحت مسميات الارهاب والعنصرية والانعزال والتي انتشرت في بقاع العالم كافة، واصبحت تحتاج الى جهود ضخمة ومستدامة لمجابهتها. كمثال آخر على الدبلوماسية الوقائية على المجتمع الدولي الزام اسرائيل بتنفيذ مندرجات هذا القرار بوجوب الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ووقف الخروقات الجوية والتهديدات، مستلهمين العبرة من عدم تنفيذ اسرائيل القرار 425 تاريخ 1978 مما ادى الى حروب دامية وضع حد لها عام 2006 بنشر قوات حفظ الامن في جنوب لبنان، والحاجة اليوم للدبلوماسية الوقائية لايجاد حل للحرب السورية ليواكب الحوار الداخلي ويتزامن معه، ولقضية اللاجئين التي ستخلق مشكلة دولية ندر ان حدث مثلها في التاريخ".
ورأى أن "الحوار والوساطة هما احدى ادوات الدبلوماسية الوقائية، وتعميم ثقافة الوقاية الفاعلة لا يمكن حصره بالمنظمات الدولية والحكومات، بل يتعداها الى مؤسسات المجتمع المدني، وقد دعا لبنان عام 2010 الى تعزيز ثقافة السلام التي لا يمكن فصلها عن ثقافة العدالة. هذه الثقافة هي مناخ لا يقتصر على الفصل في النزاعات من قبل مجلس الامن او المحاكم الدولية او المحلية وغيرها بل بضمان حقوق الانسان وصيانة المشاعر والوثوق بالآخر لجهة تفهمه للعقائد والافكار والتطلعات المختلفة وتقبله لها".
وتابع:" ثالثا الحوار الوطني والوساطة، بقدر ما يبتعد الحوار الداخلي عن الوساطة، وتبنى المفاهيم على قاعدة السيادة وتجنب التدخلات الدولية، بقدر ما ينجح الحوار الوطني في الوصول الى حلول مستدامة للنزاعات، تمنع تجددها عند تبدل الظروف، الحلول المبنية على الوساطة الخارجية تتأثر تبعا لانعكاس الصراعات التي تنشب أو تتجدد مع الوسيط او بين الوسطاء المتعددين. الحوار الوطني إجراء رسمي داخلي، يعتمد على بناء الثقة بين النخبة السياسية ( الاقطاب ) والمجتمع المدني، ويرتكز الى البحث عن مصادر التهديد والاتفاق على حلول عملية وسياسية للمشاكل الاساسية التي لا يمكن ايجادها في المؤسسات الدستورية".
وقال: "لقد وصف المرحوم غسان تويني المفكر السياسي والصحافي والدبلوماسي اللبناني، هيئة الحوار الوطني اللبنانية بانها ابداع ديمقراطي تجمع الموالاة والمعارضة والسلطات الدستورية المحكومة وبمبدأ فصل السلطات، وتحت رعاية رئيس البلاد المؤتمن على الدستور والمواثيق، وتجري المناقشات خارج وطأة التصويت والربح او الخسارة السياسية. هذا النمط من الحوار الذي يلتزم المشاركون فيه بميثاق شرف اعلامي، تعتريه نقاط ضعف تتمثل بانتفاء المصلحة المشتركة، عدم تنفيذ الاتفاقات السابقة اذا وجدت، والتعريفات والتفسيرات المتباينة للعناوين المطروحة. في المقابل فإن نقاط القوة تكمن بكون العملية الحوارية وطنية شاملة، تساهم بتعزيز الثقة المتبادلة بين المشاركين وبينهم وبين المواطنين، يسهل استدراج الدعم الدولي والاقليمي لها دون تدخل أو مس بالسيادة. وليس من سبيل المبالغة القول إن نتائج الحوار اللبناني ادت الى اعتماد ميثاق شرف اعلامي صالح لكل الظروف، واقرار إعلان بعبدا الذي رغم انه لم ينفذ، فقد جسد عملية سياسية تهدف الى تحييد لبنان عن صراعات المحاور، الأمر الذي يعبر عن مطلب لبناني تاريخي سيصار الى الالتزام به عاجلا أم آجلا . هذا الاعلان منع على الاقل صراعات في الداخل انعكاسا للصراع الاقليمي على قاعدة ان العملية السياسية تحول دون العمل العسكري. كما ان عرض الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان دون ان تتسنى مناقشتها، استدرج الدعم العسكري الكبير للجيش اللبناني الذي بلغ 4 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية بالاضافة الى الدعم الاميركي والدول الاخرى. هذا دون ان ننسى ان اعلان بعبدا الذي اقرته هيئة الحوار إعتمد وثيقة رسمية في الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي، وأيدته معظم الدول، وبناء عليه تم تأسيس مجموعة الدعم الدولية للبنان من قبل الدول الخمس +1 ودول أخرى" ISG For Lebanon".
أضاف:"إن هيئة الحوار المشار اليها واكبتها وسهلت اعمالها، هيئة توجيهية جمعت نخبة اكاديمية وسياسية ودبلوماسية، عملت على تسهيل الحلول والاقتراحات، واشراك المجتمع المدني، عبر شبكات التواصل الاجتماعي والحوار المباشر، كما شكلت الى جانب هيئة الحوار لجنة تقنية، عكفت على درس الاوراق الاستراتيجية المقترحة من المشاركين في هيئة الحوار".
وقال: "أهم دعائم الحوار هو الاعلام، فهو يواكب الحوار عبر إعلاميين ومحللين وشخصيات تقوم بدور الحاضنة للحوار. والإعلام الذي يلعب دورا أساسيا في الازمات يلعب دورا مفصليا في اظهار الحقائق، لتمكين القواعد والمشاركين في الحوار البناء عليها لاستخراج الحلول الناجعة والمستدامة للمشاكل. لذلك اقرت هيئة الحوار الوطني اللبنانية في الجلسة الاولى برئاسة رئيس الجمهورية في ايلول 2008 في قصر بعبدا ميثاق الشرف الاعلامي بناء على اقتراح الاستاذ غسان تويني وقد نص على ما يلي:
الالتزام بمسلمات خطاب قسم رئيس الجمهورية، وقف الحملات التحريضية والتخوينية، الاتفاق على قواعد الحوار الذي يتميز عن "المناظرة " و"المبارزة الخطابية" ويتصف بالانفتاح على امكانية الاقتناع، اي عدم التحجر في المواقف، الاستمرار في الاختلاف في الرأي واولويات العمل، لا ينعكس خلافا عقائديا دستوريا ولا خلافات تكون امتدادا للخارج".
وخلص إلى أن "الحوار ضرورة للاستقرار، عند عجز المؤسسات الحكومية عن ايجاد الحلول للمشاكل الاساسية، وهو المكان المناسب لحل الصراعات في ظل حكومات غير فاعلة. كذلك فالحوار مع ايران حول الملف النووي جنب المنطقة والعالم الحروب قبل ان يثمر حلا مريحا لكل الاطراف بعد عدة سنوات. العالم الجديد يتطلب مضاعفة الجهود، وخلق مساحات حوار دائمة ومشتركة بين مكونات المجتمع والكيانات المتعددة، والتطور العلمي الذي جعل من العالم قرية كونية، ينبغي مواكبته بتطوير الانظمة التي تدير شؤون الناس، من سياسية ومالية واجتماعية، لجعلها اكثر انسانية تحفز المشاركة وتحفظ حقوق المكونات الحضارية للدول".
متحدثون ومداخلات
وتخللت الجلسة الرابعة أيضا، مداخلات ، فتحدث النائب ياسين جابر عن "التنمية الاقتصادية في خدمة الحوار"، و"عن حقوق الإنسان والإعلام لتعزيز الحوار الإنساني" تحدثت عن الامارات العربية المتحدة رئيسة SPHER - المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والبيئة - لندن الدكتور أسماء الكتبي.
وتحدث عن تطبيق القانون الإنساني الدولي لخدمة الحوار - جامعة جنيف ، نائب رئيس المعهد الدولي للقانون الإنساني – سان ريمو ـ ايطاليا البروفسور Veuthey Michel وعن حقوق الإنسان والحوار الإنساني تحدث رئيس مكتب الدفاع - المحكمة الخاصة بلبنان- لاهاي ـ هولندا Roux François.
وفي الجلسة الخامسة والختامية تحدثت رئيسة منظمة أونيسكو ايرينا بوكوفا، على ان تعلن التوصيات مع إطلاق مبادرة "إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني".
تحدث الرئيس سليمان، في المؤتمر الدولي،المنعقد في جنيف، والذي ينظمه المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام، بعنوان "الاعلام وثقافة الحوار الانساني" في جامعة جنيف، الذي كان بدأ اعماله يوم أمس.
وقد ترأس سليمان الجلسة الرابعة، بعنوان "تجارب في الحوار الانساني"، مفتتحا بكلمة حول التجربة في خدمة الحوار، وقال: "في حين أصبحت اليوم الحياة المشتركة بين أبنائه، نمطا يحتذى به، ستصبح غدا حاجة لمعظم دول العالم، التي بفضل مناخ العولمة تشهد تمازجا واختلاطا تصاعديين. كما ستبدو الحاجة ملحة الى ابتداع انظمة متطورة، ترعى شؤون الناس وترتقي بالأفراد الى اعلى مراتب العطاء، مرتكزة الى القيم والحضارات التي تحملها مكونات الدول، وليس الى عدد افرادها وقوتهم، فتجعلها اكثر انسانية وعدالة".
أضاف: "استمر اللبنانيون في رسالتهم عبر التاريخ، مستفيدين من تجربتهم، ومحاولين تعميم نموذجهم ليطمئنوا على سلامة مصيرهم. وفي هذا الاطار شارك السياسي والدبلوماسي والمفكر اللبناني شارل مالك في صياغة الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، الذي يعتبر الشرعة العالمية الاولى التي بدأت بتوحيد المفاهيم بين الشعوب، والتي تتناول القيم والحريات والتقاليد والمعتقدات والسيادة والاستقلال، هذه المفردات التي تعتبر قاعدة الانطلاق لأي حوار. كما طرح لبنان عام 2008 في خطاب رئيس جمهوريته على منبر الامم المتحدة، اعتماد لبنان مركزا رسميا لحوار الحضارات والاديان والثقافات، كبلد يعيش هذه التجربة بشوارعه ومدارسه واماكن العبادة واماكن التسلية والرياضة والمؤسسات الرسمية والخاصة والادارات العامة. اما في العامين 2010 و2011 وخلال ترؤسه لمجلس الامن الدولي، طرح رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية على التوالي للنقاش، موضوعي الحوار بين الثقافات من اجل السلام والامن الدوليين، والدبلوماسية الوقائية التي تتلازم مع الحوار ولا تغني عنه".
وتابع: "هنا، نحن اليوم نجد انفسنا بالاشتراك مع مفكرين من كافة دول العالم والمنظمات الدولية، نعقد مؤتمرا حول " الاعلام وثقافة الحوار الانساني "، بدعوة من لبناني ايضا، هو العميد الدكتور علي عواد رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام، الذي خاض تجربة الحوار في لبنان بين عامي 2008 و2014 الى جانب رئيس الجمهورية، وكان له دور فاعل في انضاج قرارات وخلاصات، ساهمت في استقرار لبنان خلال حقبة خطيرة. وكون الجلسة الرابعة والختامية التي تجمعنا الآن هي تحت عنوان " تجارب في الحوار الانساني"، فنحن مدعوون لوضع خلاصات تجربتنا بتصرف منظمي المؤتمر للخروج بتوصيات تشكل شرعة للحوار تنير دروب الانسانية".
وأضاف: "اولا مفهوم الحوار، يهدف الحوار، حسب تعريف الأونيسكو، الى ضمان التنمية المستدامة للجماعات البشرية وتعميم قيم التسامح والعدالة. واذا كان الحوار يتلازم مع الدبلوماسية الوقائية، فهو حتما يستبقها ويستكمل الطريق من بعدها، فهو ايضا يتجاوز الوساطة، ويتخطى مفهوم التنازلات المتبادلة بين الاطراف، على حساب القيم والمبادىء. الحوار يختلف عن مذكرات التفاهم بين جهتين او الاتفاقات الثنائية، فهو يغوص في المعتقدات والتقاليد، ويبحث عن الحقائق، للوصول الى مشتركات تتناول السيادة والحرية والاستقلال والمخاطر ويحدد الاعداء والاصدقاء، ويرسم خريطة العلاقات الدولية. يهدف الحوار، بالاستناد الى الحقائق والمشتركات تلك، الى تطوير الممارسة الديمقراطية، ما يساهم بشكل اساسي في رفع الظلم وترسيخ العدالة، وإزالة الحرمان من الحقوق والهوية وبالتالي عدم الاتاحة للعنف والارهابأن يجدا بيئة جذابة، ويفتكا بالانسان والانسانية معا".
وقال: "في هذا العصر، الذي أصبحت فيه المدن الكبرى تجمعات كونية تطبعها العولمة، لا يمكن تعزيز المواطنة الا بالحوار، كما لا يمكن استنساخ نموذج جامد يحفظ التنوع ضمن الوحدة. فالتنوع يجب ألا يؤدي بمكونات الدول الى الذوبان في الاكثرية، كما بالدول والكيانات الصغيرة الذوبان في العولمة، وبالمقابل على الحوار ان ينقذها من التقوقع والانعزال. من هذا المنطلق على الحوار أن يوصل الى فهم مشترك لمفردات ومصطلحات العقد الاجتماعي في كل دولة والشرع والقوانين الدولية التي ترعى شؤون البشرية، كون ازالة الابهام يسمح بتطوير هذه النظم والشرع والدساتير. ولنعلم ان التوافق المبني على الحوار والمعرفة اي على الحقيقة يؤسس الى ممارسة ديمقراطية سليمة، في حين ان عدم التعمق في مفاهيم المواثيق يؤدي الى الابتعاد عنها ويقودنا الى الفتنة والتقاتل والاحتراب".
أضاف:"ثانيا بين الحوار والدبلوماسية الوقائية، وصف داغ همرشولد الدبلوماسية الوقائية انها " إحدى أذكى الاستثمارات التي يمكن ان نقوم بها"، وحدد هدفها الامين العام الاسبق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي انه :" ليس فقط العمل على منع نشوء النزاعات، بل منع تفاقمها وتحولها الى صراعات والحؤول دون انتشارها. واليوم يقتضي تطوير المفهوم، الى ترسيخ دعائم السلام بعد انتهاء النزاعات ومنع تجددها، فالحروب ليست حتمية، ويمكن التأثير على مجرى الاحداث بما يحول دون نشوبها، عن طريق بناء نظم وطنية قادرة على الوساطة والحوار واحتواء الاستقرار".
وتابع: "إن المبادرة العربية للسلام لو وجدت سبيلا الى التطبيق بوساطة دولية، كانت ربما وفرت على البشرية مآسي نشهدها اليوم تحت مسميات الارهاب والعنصرية والانعزال والتي انتشرت في بقاع العالم كافة، واصبحت تحتاج الى جهود ضخمة ومستدامة لمجابهتها. كمثال آخر على الدبلوماسية الوقائية على المجتمع الدولي الزام اسرائيل بتنفيذ مندرجات هذا القرار بوجوب الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ووقف الخروقات الجوية والتهديدات، مستلهمين العبرة من عدم تنفيذ اسرائيل القرار 425 تاريخ 1978 مما ادى الى حروب دامية وضع حد لها عام 2006 بنشر قوات حفظ الامن في جنوب لبنان، والحاجة اليوم للدبلوماسية الوقائية لايجاد حل للحرب السورية ليواكب الحوار الداخلي ويتزامن معه، ولقضية اللاجئين التي ستخلق مشكلة دولية ندر ان حدث مثلها في التاريخ".
ورأى أن "الحوار والوساطة هما احدى ادوات الدبلوماسية الوقائية، وتعميم ثقافة الوقاية الفاعلة لا يمكن حصره بالمنظمات الدولية والحكومات، بل يتعداها الى مؤسسات المجتمع المدني، وقد دعا لبنان عام 2010 الى تعزيز ثقافة السلام التي لا يمكن فصلها عن ثقافة العدالة. هذه الثقافة هي مناخ لا يقتصر على الفصل في النزاعات من قبل مجلس الامن او المحاكم الدولية او المحلية وغيرها بل بضمان حقوق الانسان وصيانة المشاعر والوثوق بالآخر لجهة تفهمه للعقائد والافكار والتطلعات المختلفة وتقبله لها".
وتابع:" ثالثا الحوار الوطني والوساطة، بقدر ما يبتعد الحوار الداخلي عن الوساطة، وتبنى المفاهيم على قاعدة السيادة وتجنب التدخلات الدولية، بقدر ما ينجح الحوار الوطني في الوصول الى حلول مستدامة للنزاعات، تمنع تجددها عند تبدل الظروف، الحلول المبنية على الوساطة الخارجية تتأثر تبعا لانعكاس الصراعات التي تنشب أو تتجدد مع الوسيط او بين الوسطاء المتعددين. الحوار الوطني إجراء رسمي داخلي، يعتمد على بناء الثقة بين النخبة السياسية ( الاقطاب ) والمجتمع المدني، ويرتكز الى البحث عن مصادر التهديد والاتفاق على حلول عملية وسياسية للمشاكل الاساسية التي لا يمكن ايجادها في المؤسسات الدستورية".
وقال: "لقد وصف المرحوم غسان تويني المفكر السياسي والصحافي والدبلوماسي اللبناني، هيئة الحوار الوطني اللبنانية بانها ابداع ديمقراطي تجمع الموالاة والمعارضة والسلطات الدستورية المحكومة وبمبدأ فصل السلطات، وتحت رعاية رئيس البلاد المؤتمن على الدستور والمواثيق، وتجري المناقشات خارج وطأة التصويت والربح او الخسارة السياسية. هذا النمط من الحوار الذي يلتزم المشاركون فيه بميثاق شرف اعلامي، تعتريه نقاط ضعف تتمثل بانتفاء المصلحة المشتركة، عدم تنفيذ الاتفاقات السابقة اذا وجدت، والتعريفات والتفسيرات المتباينة للعناوين المطروحة. في المقابل فإن نقاط القوة تكمن بكون العملية الحوارية وطنية شاملة، تساهم بتعزيز الثقة المتبادلة بين المشاركين وبينهم وبين المواطنين، يسهل استدراج الدعم الدولي والاقليمي لها دون تدخل أو مس بالسيادة. وليس من سبيل المبالغة القول إن نتائج الحوار اللبناني ادت الى اعتماد ميثاق شرف اعلامي صالح لكل الظروف، واقرار إعلان بعبدا الذي رغم انه لم ينفذ، فقد جسد عملية سياسية تهدف الى تحييد لبنان عن صراعات المحاور، الأمر الذي يعبر عن مطلب لبناني تاريخي سيصار الى الالتزام به عاجلا أم آجلا . هذا الاعلان منع على الاقل صراعات في الداخل انعكاسا للصراع الاقليمي على قاعدة ان العملية السياسية تحول دون العمل العسكري. كما ان عرض الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان دون ان تتسنى مناقشتها، استدرج الدعم العسكري الكبير للجيش اللبناني الذي بلغ 4 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية بالاضافة الى الدعم الاميركي والدول الاخرى. هذا دون ان ننسى ان اعلان بعبدا الذي اقرته هيئة الحوار إعتمد وثيقة رسمية في الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي، وأيدته معظم الدول، وبناء عليه تم تأسيس مجموعة الدعم الدولية للبنان من قبل الدول الخمس +1 ودول أخرى" ISG For Lebanon".
أضاف:"إن هيئة الحوار المشار اليها واكبتها وسهلت اعمالها، هيئة توجيهية جمعت نخبة اكاديمية وسياسية ودبلوماسية، عملت على تسهيل الحلول والاقتراحات، واشراك المجتمع المدني، عبر شبكات التواصل الاجتماعي والحوار المباشر، كما شكلت الى جانب هيئة الحوار لجنة تقنية، عكفت على درس الاوراق الاستراتيجية المقترحة من المشاركين في هيئة الحوار".
وقال: "أهم دعائم الحوار هو الاعلام، فهو يواكب الحوار عبر إعلاميين ومحللين وشخصيات تقوم بدور الحاضنة للحوار. والإعلام الذي يلعب دورا أساسيا في الازمات يلعب دورا مفصليا في اظهار الحقائق، لتمكين القواعد والمشاركين في الحوار البناء عليها لاستخراج الحلول الناجعة والمستدامة للمشاكل. لذلك اقرت هيئة الحوار الوطني اللبنانية في الجلسة الاولى برئاسة رئيس الجمهورية في ايلول 2008 في قصر بعبدا ميثاق الشرف الاعلامي بناء على اقتراح الاستاذ غسان تويني وقد نص على ما يلي:
الالتزام بمسلمات خطاب قسم رئيس الجمهورية، وقف الحملات التحريضية والتخوينية، الاتفاق على قواعد الحوار الذي يتميز عن "المناظرة " و"المبارزة الخطابية" ويتصف بالانفتاح على امكانية الاقتناع، اي عدم التحجر في المواقف، الاستمرار في الاختلاف في الرأي واولويات العمل، لا ينعكس خلافا عقائديا دستوريا ولا خلافات تكون امتدادا للخارج".
وخلص إلى أن "الحوار ضرورة للاستقرار، عند عجز المؤسسات الحكومية عن ايجاد الحلول للمشاكل الاساسية، وهو المكان المناسب لحل الصراعات في ظل حكومات غير فاعلة. كذلك فالحوار مع ايران حول الملف النووي جنب المنطقة والعالم الحروب قبل ان يثمر حلا مريحا لكل الاطراف بعد عدة سنوات. العالم الجديد يتطلب مضاعفة الجهود، وخلق مساحات حوار دائمة ومشتركة بين مكونات المجتمع والكيانات المتعددة، والتطور العلمي الذي جعل من العالم قرية كونية، ينبغي مواكبته بتطوير الانظمة التي تدير شؤون الناس، من سياسية ومالية واجتماعية، لجعلها اكثر انسانية تحفز المشاركة وتحفظ حقوق المكونات الحضارية للدول".
متحدثون ومداخلات
وتخللت الجلسة الرابعة أيضا، مداخلات ، فتحدث النائب ياسين جابر عن "التنمية الاقتصادية في خدمة الحوار"، و"عن حقوق الإنسان والإعلام لتعزيز الحوار الإنساني" تحدثت عن الامارات العربية المتحدة رئيسة SPHER - المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والبيئة - لندن الدكتور أسماء الكتبي.
وتحدث عن تطبيق القانون الإنساني الدولي لخدمة الحوار - جامعة جنيف ، نائب رئيس المعهد الدولي للقانون الإنساني – سان ريمو ـ ايطاليا البروفسور Veuthey Michel وعن حقوق الإنسان والحوار الإنساني تحدث رئيس مكتب الدفاع - المحكمة الخاصة بلبنان- لاهاي ـ هولندا Roux François.
وفي الجلسة الخامسة والختامية تحدثت رئيسة منظمة أونيسكو ايرينا بوكوفا، على ان تعلن التوصيات مع إطلاق مبادرة "إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني".
25 تشرين الاول 2015
إرسال تعليق