هي لغة طائفية مقيتة، التي يخاطب بها العماد ميشال عون، الوفود التي يتم حشدها في حديقة الرابية، في إطار حملة التصعيد الحالية على خلفية التعيينات الأمنية.
لا ندري لماذا يُصرّ «الجنرال» على حصر نفسه في دائرة طائفية ضيّقة، بدل أن ينطلق من زعامته المسيحية إلى فضاء وطني شامل، يلاقي فيه الزعامات الأخرى، بغية العمل على صياغة موقف وطني جامع، يكون قادراً على حماية البلد، من الحرائق التي تحاصره على الحدود، وتهدّد بنقل النيران إلى الداخل في أي حين!
لا جدال في المكانة التي يحتلها رئيس التيار العوني على الخريطة المسيحية، ولكن مفعول هذه المكانة يضعف، ويكاد يتلاشى إذا لم يأخذ بالاعتبار مقتضيات العمل الوطني، وضرورة مراعاة مصالح البلاد والعباد، خاصة في المفاصل الأساسية، لا سيما في الاستحقاقات والمراكز ذات الهوية الوطنية، بغض النظر عن ألوانها الطائفية.
صحيح أن رئيس الجمهورية هو المركز الماروني الأوّل في الدولة، ولكن الأصح أيضاً أن رئاسة الجمهورية هي المنصب الأوّل في هرم المؤسسات الدستورية، وبالتالي تعني كل اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وأحزابهم ومناطقهم، ولا تخص الموارنة وحدهم!
وكذلك الأمر بالنسبة لقيادة الجيش، حيث قضى التوزيع الطائفي لمناصب الفئة الأولى، أن يكون قائد الجيش من الطائفة المارونية، ولكن من دون أن يعني ذلك، ولا بأي شكل من الأشكال، أنه يخص الموارنة وحدهم!
وهو حال بقية المناصب والمراكز المهمة في الدولة، التي يرجح كفة المرشحين لها توافق قيادات الطائفة المعنية على مرشحها المفضل، وهذا التوافق مفقود بالنسبة للطائفة المارونية بالذات!
* * *
في ظل غياب التوافق الماروني - الماروني أولاً، والمسيحي - المسيحي ثانياً وثالثاً، يفقد خطاب عون عن «الحقوق المسيحية»، و«محاولات الآخرين تهميش المسيحيين»، أو حتى التفكير «باختيار ممثلي المسيحيين في السلطة وفي الإدارة»، يفقد هذا الخطاب مقوّمات الصدقية والواقعية، ليأخذ طابع التعبئة الطائفية البغيضة، وليتحول إلى أداة لإثارة العصبية على إيقاع النعرات الطائفية، سعياً وراء زعامة فئوية رخيصة، بعيدة عن الفضاء الوطني.
العماد عون يُدرك أكثر من غيره، حجم المعوقات الخارجية التي تؤثر على الانتخابات الرئاسية، إلى جانب الخلافات المارونية - المارونية التي لم تفلح معها كل محاولات بكركي في التوافق على مرشّح واحد باسم الطائفة، كما يحصل مع الشيعة بالنسبة لرئاسة مجلس النواب، وما حصل مؤخراً مع السُنّة لرئاسة مجلس الوزراء.
يضاف إلى كل تلك العوامل، المقاطعة المستمرة من قبل التيار العوني وحلفائه لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، لأنه لا يضمن حصوله على الأكثرية اللازمة لفوزه بالرئاسة الأولى.
والعماد عون يعلم أكثر من غيره، أن الضجة السياسية المفتعلة التي أحاطت بترشيح العميد شامل روكز لقيادة الجيش، قد طغت على مناقبية وكفاءة وخبرة وانضباطية أحد أكفأ ضباط الجيش اللبناني لمنصب القيادة.
ولا نذيع سراً، إذا قلنا، أن كل القيادات السياسية، نعم كل القيادات، تُسلّم بجدارة وأهلية العميد روكز لتسلم قيادة المؤسسة الوطنية الكبيرة، خاصة وأنه يملك مشروعاً طموحاً لتطوير المؤسسة وتعزيز قدراتها، ولكن نسَبَه العائلي مع «الجنرال»، قلب الموازين السياسية رأساً على عقب، وأسقط القاعدة الذهبية النادرة: الرجل المناسب في المكان المناسب!
* * *
في بلد يقوم نظامه على توازنات طائفية دقيقة، وإلى أن نصل إلى زمن نحلم فيه بإلغاء الطائفية السياسية، لا بدّ للقيادات السياسية، لا سيما العماد عون، التسليم بعدم قدرتها على تجاوز الشريك الآخر، ولا حتى مجرّد تهميشه في الخيارات المفصلية.
كما أنه لا بدّ من الاعتراف بحق كل طائفة بترشيح ممثليها للسلطة، في إطار من التوافق والتفاهم بين قياداتها، أما في حال الاختلاف بين قيادات الطائفة الواحدة، فمن الطبيعي أن تصبح كفة الترجيح خارج الطائفة، وهذا ما هو حاصل حالياً بين القيادات المارونية.
مَن يكون، والحالة هذه، مسؤولاً عن ضياع «الحقوق المسيحية»، والعمل على «تهميش المسيحيين» واختيار «ممثلي المسيحيين».
نريد العماد ميشال عون زعيماً لبنانياً بقدر ما هو زعيم مسيحي، ونريد التيار الوطني الحر، مفتوحاً أمام كل اللبنانيين، وليس محصوراً فقط بالمسيحيين!
صلاح سلام - اللواء 8\6\2015
إرسال تعليق