لن يمضي وقت قصير حتى يستوعب الجمهور اللبناني والطبقة السياسية «مشهدية» عون - جعجع في الرابية عندما ربّت الأخير بيده على كتف الجنرال وأبدى حزنه من أن هذا اللقاء كان من المفترض أن يتم قبل 30 عاما ولكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا على حد قول الحكيم!
هي ورقة «إعلان النوايا» القواتية - العونية والتي إستلزمت شهورا طوالا لتخرج بنتيجة واحدة صورة الحكيم في الرابية والتي لم يعد يذكر أحد أي بند من «أدبيات» هذه الورقة التي أتت عامة وهامشية ولم تقارب الإنقسام العمودي الذي يعيش به الرجلان منذ حاول أحدهما أن يلغي الآخر ولكن التساؤل الذي يطُرح بعد الصورة التذكارية لهما هو عن كيفية تأثير «النوايا» على الحلفاء والخصوم لكلا الطرفين في 8 و14 آذار؟
تقول مصادر مسيحية متابعة إن «إعلان النوايا» وبالصورة التي ظهر بها أراد أن يوجّه رسائل متعددة وبكل الإتجاهات الرسالة الأولى من جعجع لحلفائه في 14 آذار وتحديدا المسيحيين منهم بأنه هو الندّ والشخصية القوية التي تستطيع «مقارعة» الجنرال عون مسيحيا وربما يكون حزب الكتائب هو المعني الأكبر بهذه الرسالة كون الرئيس أمين الجميل يبقى مرشحا دائما لرئاسة الجمهورية ويستطيع أن «يلبس» رداء «التوافق» بأي لحظة.
وتتابع المصادر بأن الرسالة الثانية موجهة «للقاء التشاوري» الذي يقوده الرئيس ميشال سليمان والذي يحاول أن «يثبّت» دورا في الساحة المسيحية.
أما الرسالة الثالثة فهي لتيار المستقبل وتحديدا لسعد الحريري يخبره بأنه قادرعلى التواصل مع جنرال الرابية، بعدما تم الإحتفال بعيد مولد الأخير في بيت الوسط في شباط الماضي!
تتابع المصادر المسيحية بالقول لا شك بأن «إعلان النوايا» قد حرّك الشارع المسيحي وأعاد النقاش إلى الدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه المسيحيون بعد سنوات من التشرذم وغياب القرار كل هذا بدعم من المرجعية المسيحية في بكركي وبنصيحة من المبعوث الفاتيكاني مومبرتي الذي نصح الراعي بضرورة رعاية الحوارات المسيحية وإحتواء الخلافات مهما كانت لذلك توجه موفد القوات ملحم رياشي إلى بكركي يسلمه نص إعلان النوايا ليحظى بمباركته وأيضا إلى حزب الكتائب الذي عبّر عن «عتب مبطّن» على القوات كون الأخير لم يضعه في أجواء الزيارة المفاجئة للحكيم إلى الرابية ولو ان حزب الكتائب منغمس هذه الأيام بأمور أكثر أهمية تتعلق «بالولادة» الجديدة لحزب الكتائب وبإعادة رسم هيكيلة ورؤية شبابية سوف يعتمدها المرشح الأقوى لرئاسة الحزب سامي الجميل إلا أن هذا لم يمنع من إظهار نوع من «الإمتعاض» والقول بأن العبرة تكمن في التنفيذ.. فقط.
أما المصادر القريبة من 8 آذار تشير إلى أن عنصر المفاجآة لدى مسيحي 14 آذار لم يكن نفسه لدى 8 آذار - وتحديدا عند حزب الله - الذي كان على علم بكل التفاصيل قبل وبعد عقد هذا اللقاء وهو أمر يفرضه التحالف الإستراتيجي بين التيار والحزب، الذي يبدو مطمئنا وواثقا من كل الخطوات التي يقوم بها الجنرال والتي لن تحيد عن الثوابت المشتركة التي إتفق عليها الطرفان التي وصلت حد «التحالف الإستراتيجي» وهو أمر لن تستطيع مقاربته أي «إعلان نوايا» بل وضعها الحزب في خانة الحراك المسيحي - المسيحي الذي يحتاجه الجنرال - لا بل يخدمه في معركته الرئاسية - التي يدعمه بها حزب الله لآخر الخط. أما الحليف الآخر لحزب الله «الوفيّ» سليمان فرنجية فقد وضعه بأجواء لقاء الرابية النائب إبراهيم كنعان الذي يعلم موقف فرنجية الثابت من سمير جعجع الرافض بالمطلق التعامل معه أو الوثوق حتى بنواياه ولكن حزب الله وحرصا منه على وحدة الموقف المسيحي داخل 8 آذار يعمل دوما على إصلاح «ذات البين» بين البيك والجنرال لإنه قد يحتاج إلى طرح مرشح «بديل» للرئاسة إذا ما إنسدت أفق وحظوظ الجنرال نهائيا في يوم ما عندها قد يصبح اسم «البيك» مطروحا للنقاش.
أوساط ديبلوماسية عربية قريبة من الشأن اللبناني تقول إن حركة الحوارات المسيحية - المسيحية تاتي بعد نصائح كثيرة لحظت تدهورا للوضع المسيحي اللبناني - الذي يعتبر حجر الأساس في الوجود المسيحي في المشرق - ولم يعد حاجة لبنانية داخلية فقط وخاصة بعد التُهم التي وجهت للفرقاء المسيحين من أن الفراغ الرئاسي هو مسؤولية مسيحية بالدرجة الأولى وأن ما يتمّ الإتفاق عليه بينهم سوف يسير به الجميع إضافة إلى أن كلاً من الحكيم والجنرال يريد إستثماره لغاية في نفس يعقوب فالجنرال يريد أن يستميل جمهور الحكيم فيما لو رست تسوية الرئاسة عليه والحكيم يريد أن يثبت أنه القوة الوحيدة المسيحية الموازية للجنرال وهو الشي الوحيد الذي تذكره مسيحيو 14 آذار من إعلان النوايا ووضعوه في خانة محاولة «إلغاء» الآخرين وإعتبروا أن صدق النوايا يكون.. بالأعمال وهو ما يحتاجه المسيحيون أكثر من الكلام والصور التذكارية!
منال الربيعي - الديار 8\6\2015
إرسال تعليق