0
ليس قليلا وضع التهديد بتعطيل الحكومة موضع التنفيذ. تلتئم بوزرائها جميعا قبل ان يرفع وزير او اثنان اصبع الاعتراض كي يحمل رئيسها على تعليق الجلسة. ليست استقالة ولا اعتكافاً ولا تصريف اعمال. بل اقرب الى حزّ عنق بقطنة.

يواجه التعطيل الذي قد يجبه حكومة الرئيس تمام سلام نمطاً مختلفاً غير مسبوق. لا يشبه حالا شهدتها الحكومة الاولى للرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008، عندما استقال منها الوزراء الشيعة فخرجت طائفة برمتها من المشاركة في السلطة الاجرائية، وعُدّت حكومة غير ميثاقية. لا يشبه كذلك حالات اخرى اقل اهمية في حكومتي الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، عندما امتنع وزراء عن حضور جلساتها فحيل دون نصاب الثلثين لالتئامها. لا تشكو حكومة سلام، تحت وطأة ما لوّح به وزيرا التيار الوطني الحر بشل اعمالها، من ميثاقيتها ولا نصاب انعقادها معرّض لخلل.

بل تبدو طريقة إعطاب جلساتها مختلفة هذه المرة، وان باستخدام الصلاحيتين الاكثر حساسية في توجيه نظام عمل مجلس الوزراء مذ تولى صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الشغور: جدول الاعمال وتوقيع القرارات. المشكلة المزمنة مذ ذاك حملت رئيس الحكومة على الاعتكاف لاسابيع، بعدما تعاقب اكثر من وزير على التلويح برفض توقيع قرارات ما لم يُستجب طلبه، وهو يمسك بين يديه فيتو مزدوجا حيال الصلاحيتين هاتين.
 
تبعا لما اعلنه وزير الخارجية جبران باسيل، الخميس الفائت، من ان لا جلسة لمجلس الوزراء لا يتصدر جدول اعمالها تعيين قائد جديد للجيش، فإن اي جلسة يُدعى اليها مجلس الوزراء لا تتضمن هذا الشرط ستكون مرشحة للتعطيل، من جراء رفض وزيري التيار الوطني الحر والوزراء الحلفاء في حزب الله وتيار المردة وحزب الطاشناق توقيع القرارات. يكتفى بامتناع وزيري الرئيس ميشال عون عن التوقيع، كي تذهب تواقيع الوزراء الآخرين هباء.
 
نوقشت المفاعيل الدستورية والسياسية لهذا التوجه في دوائر ضيقة في السرايا، وابرزت ملاحظات:

1 ــــ بعدما انتقلت اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، لا يسع حكومة سلام التعامل مع الكتل الممثلة فيها بالجملة، على انها تنتمي الى قوى 8 و14 آذار ووسطيين، بل يقتضي التعامل مع الكتل تلك بالمفرق: ان يكون الافرقاء جميعا داخل الحكومة عند اتخاذ القرارات وتوقيع المراسيم. ذلك ان تحوّل مجلس الوزراء هيئة رئيس الجمهورية عند توقيع القرارات يفكك الائتلاف الحكومي الواسع، وتتحوّل الكتل الكبرى شأن الكتل الصغرى شأن الوزراء المستقلين كيانات مستقلة في ذاتها، تستمد دورها من توقيعها. وهو مغزى المراعاة التي يلح عليها سلام في تعاطيه مع كل فريق على حدة.

2 ــــ لا مجال للخوض في ميثاقية جلسة لمجلس الوزراء غاب عنها وزيران مسيحيان ووزيران شيعيان، ما دام ثمة وزراء مسيحيون او شيعة آخرون لا يزالون يحضرون الجلسة. بل الاصح ان القياس هنا ليس ميثاقية جلسة يحضرها وزراء الطوائف المشاركة في السلطة الاجرائية، بل غياب وزراء منوط بهم توقيع قرارات مجلس الوزراء تمهيدا لاصدارها بمراسيم واحالتها على المراجع المعنية.

3 ــــ منذ شغور الرئاسة، يُنظر الى النصاب القانوني في حكومة سلام على انه سياسي اكثر منه حسابيا. لم تكن هذه حال حكومة الحريري عندما اسقطها الثلث +1. لم تكن كذلك تجربة حكومة السنيورة من قبل بعد شغور عامي 2007 و2008 بسبب اقتصارها على فريق سياسي واحد يترأسه رئيس الحكومة نفسه. في واقع حكومته، يتصرّف سلام على انه فريق ثالث بين اثنين يحاذر ــــ مقدار ما يتمكن ــــ الإنحياز الى احدهما، ولا يضع نفسه في صف وزراء الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط.

4 ــــ لا يزال الثلثان مؤمّنين في حكومة سلام كي تنعقد دستورياً، كذلك طبيعة تأليفها من ثلاث ثمانات بين قوى 8 و14 آذار والوسطيين، ما يحول دون تمكين فريق واحد من الحصول على الثلث +1 لشل انعقادها ما لم يتواطأ فريقان على ثالث او يتمكن فريق من الائتلاف مع بعض من الفريق الآخر بغية الامساك بنصاب التعطيل. مع ذلك يكفي غياب وزير التيار الوطني الحر وحزب الله ــــ بما يعنيه تمثيلهما في الحكومة ــــ كي تتسرب الشكوك في امكان التئام جلسة لمجلس الوزراء.

5 ـ خلافا لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتقد ان في امكان الحكومة الالتئام ما دام نصابا الثلثين والنصف +1 متوافرين للانعقاد واتخاذ القرارات، يتمهّل سلام في تقدير موقفه الى ان يصطدم بالمشكلة في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء الخميس. مذ انتقلت اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، اضفى سلام على حكومته نمطاً مختلفاً يكاد يكون على صورته، المطبوعة بالتوافق وطول الاناة واستنفاد الجهود والمرونة. ربط اعداد جدول الاعمال بالتوافق المسبق عليه بين الوزراء جميعاً، وسلّم بتوقيع الوزراء الـ24 قرارات مجلس الوزراء ما ان يتحوّل هيئة رئيس الجمهورية، وخصوصا في القضايا المهمة. على طرف نقيض منه، قالت وجهة نظر بري منذ 25 ايار 2014 بقصر تواقيع الوزراء المختصين على قرارات يتخذها مجلس الوزراء مجتمعا، على ان يوقع الوزراء الـ24 القرارات التي تتخذ خارج مجلس الوزراء.

نقولا ناصيف - الاخبار 6\6\2015

إرسال تعليق

 
Top