0
أكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع “ان الإمعان في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لم تعد تداعياته محصورة بموقع الرئاسة فحسب، وإنما بات يرمي بظلاله فراغاً وشللا على المواقع الدستورية والأمنية الواحدة تلو الأخرى، وهو ما ينسف إدعاءات البعض بأنّ الفراغ الرئاسي سببه خلافٌ مسيحي-مسيحي، ويُثير شكوكاً حول الغاية النهائية التي يسعى اليها القائمون بالتعطيل، بمعزلٍ عن بعض اوراق التوت التي يحاولون التلطّي خلفها”، متسائلاً:”كيف نُصدّق بأن بعضهم يُدافع عن لبنان في القلمون، وباقي سوريا، وفي العراق واليمن، وهو يعطّل لبنان في قصر بعبدا، قلب لبنان بالذات؟ كيف نُصدّق انهم يريدون رئيساً قوياً، وهم لم يتحمّلوا رئيساً توافقيّاً بامتياز؟ لكم تعطيلكم وفراغكم، ولنا إيماننا بجمهوريتنا القوية وحلمنا بلبنان السيد الحر والمستقل، والذي من أجل تحقيقه سنبذل الغالي والرخيص.”

كلام جعجع جاء خلال حفل توزيع الدفعة الأولى من بطاقات الانتساب الى الحزب لمنطقة المتن الشمالي التي قُبلت طلباتها وتمت مكننتها، والبالغ عددها 2500 بطاقة، تحت شعار:”أنا ملتزم…”،في حضور: النواب جوزف المعلوف، ايلي كيروز، شانت جنجنيان، الوزيرين السابقين: طوني كرم وجو سركيس، أمين عام الحزب د. فادي سعد وأعضاء الهيئة العامة، وحشد من القيادات القواتية، حيث قال:” أن يكون لنا أبطال أيام الحرب، فهذا طبيعي، ولكن أن يكون لنا أبطال أيّام السلم أيضاً فهو ما فوق الطبيعي. تصوّروا معي رجلاً في الواحدة والأربعين من عمره، متزوّج وله ابنة وحيدة في الرابعة من عمرها… تصوّروا معي أنّ هذا الرجل يصاب بمرضٍ عضال يعاني منه لفترة طويلة الى أن أبلغ الطبيب عائلته بأنّه وصل الى النهاية وقد تبقّى له أيّام قليلة جداً على هذه الأرض، أحسّ الرجل بما يجري من حوله، ففكّر مليّأً وانتهى بطلب واحد فقط لا غير: أن يتسلّم بطاقته الحزبية قبل أن يسلم الروح. تمّ الاتصال بالأمين العام للحزب الذي طلبني على وجه السرعة ليضعني في جو هذا الطلب الاستثنائي، فأشرت عليه بتلبية الطلب فوراً حيث استنفرت الأمانة العامة وأنجزت البطاقة وأُرسلت على وجه السرعة الى الرفيق إدي أبي اللمع الذي حملها مع زر الحزب وأسرع الى المستشفى حيث سلّم الرجل بطاقته الحزبية وزرّه حوالي الساعة 8 مساءً. وكان السبب الفعلي لهذا الطلب، كما عبّر عنه الرجل بنفسه للذين كانوا من حوله، أن تعرف ابنته، ابنة الأربع سنوات، عندما تكبر، من كان والدها وإلى أيّ مدرسة انتمى.”

وأضاف :”في لحظة الموت تجول في خاطر الإنسان الف فكرة وفكرة: ماذا سيكون مصير ابنتي الصغيرة، زوجتي، أهلي… كيف سيتدبّرون أمرهم بعد الآن؟ ماذا بانتظاري، والى أين أنا ذاهب؟ الى ما هنالك من أفكار وأسئلة وأفكار تنتاب الإنسان في لحظات حياته الأخيرة، لكنّ هذا الرجل لم يكن عادياً: تخطّى كل الأسئلة، وكلّ الأفكار، وكلّ المجهول وكلّ ذاته حتّى، وتذكّر الأمر الوحيد الذي له معنى عنده: أن يبقى بعد مماته كما كان كلّ حياته، وأن تكمل ابنته الصغيرة الدرب نفسه بعده: هذا هو مالك بحدي، هذا هو نحن، هذه هي القوات، من لديه أبطال كمالك بحدي لن يقوى عليه لا شر ولا غدر ولا طغيان.”

وتابع:” يسألني كثيرون كلّ يوم كيف أنّي غير قلق في خضمّ كلّ ما يجري، وكيف أحتفظ دائماً بمسحة تفاؤل وأمل ورجاء على الرغم من كلّ شيء، وهل أستطيع أن أكون غير ذلك وأنا موجود بين قوم لا تقتلهم شدة مهما كبرت، ولا تُحبط عزيمتهم أزمة مهما اشتدّت، ولا تأخذ منهم مأخذاً غدرات الزمان؟ كيف لي أن أنسى قصّة كقصّة مالك بحدي، وكيف لي ألاّ أتصرّف بوحيها طالما حييت؟ فتحيّة منّا جميعاً الى روحك الطاهرة يا رفيقنا مالك…أعطيت القوات بطلاً من جديد، ولا حياة للمجتمعات من دون أبطال.”

واستطرد:” طالما مالك موجود، وهو موجود كلّ يوم في القوات اللبنانية، لا خوف على القوات، ولا خوف عليك يا لبنان. لو كنّا ما زلنا في العهد القديم لكنّا سألنا اليوم طليع الدورة ليقول لنا ماذا يريد المتخرّجون أن نسمّي دورتهم، لكنّنا في العهد الجديد، لذلك أسألكم جميعاً: ماذا تريدون، صبايا وشباب المتن الشمالي، أن يُسمّى احتفالكم هذا بتسلّم بطاقاتكم الحزبية؟ فليُسمّى احتفالنا هذا اليوم: احتفال مالك بحدي.”

وقال ان “حكاية المتن مع المقاومة اللبنانية ليست قصةً عابرة وُلدت في الأمس القريب، وإنما هي حكايةٌ جذورها ضاربة في البعيد، يتجلّى فيها تاريخٌ مجيد من البطولة والتضحية والعنفوان بأبهى الصور. من بسكنتا، عرين المقاومة اللبنانية في تاريخنا القديم، الى بكفيا، مسقط رأس مؤسس المقاومة اللبنانية في تاريخنا الحديث. ومن الأمير الياس، الى وليم حاوي، الى بشير الجميّل الى الالآف والآلاف من الأبطال في المتن الشمالي، مقاومة لبنانية مستمرة، ساعة بالسيف، وساعات ساعات بالقلم… في هذا السياق لا يسعني سوى التوقّف ملياً عند أحد المقاومين المتنيين العناد الذي فارقنا في الآونة الأخيرة، عنيت به الصديق المقاوم بامتياز، على طريقته، المخرج والمسرحي الكبير ريمون جبارة.”

وأكّد جعجع أنه “لم يكن حزب القوات اللبنانية ليبلغ ما بلغه اليوم من قوةٍ وصلابةٍ وتنظيم لولا مروره بسلسلة محطّاتٍ نضاليةٍ طبعت تاريخه وحاضره، كان للمتن حصة كبيرة فيها، ففي احياء الدورة، والسّد، وسن الفيل، والجديدة، والسبتية، وانطلياس، والدكوانة، وجسر الباشا، والمونتي فردي، والدوّار، والعيرون، وعينطورة البطلة، والمتين، وبولونيا، والمروج وعشرات المناطق المتنية الأخرى، شهدت المقاومة اللبنانية بداية تكوُنّها على يد مجموعاتٍ شبابية محلية تجمّعت عفوياً دفاعاً عن عائلاتها واحيائها وكرامتها، قبل ان تأخذ شكل المؤسسة النضالية المنوط بها أمن وحرية المناطق المحررة في مرحلةٍ لاحقة، وفوق روابي صنين والزعرور اُنشىء اول معسكرات التدريب المتواضعة، حفاظاً على الكرامة والوجود والمصير، قبل ان يُصبح للقوات ثكناتها ومؤسساتها على امتداد الوطن. ومن قرى وبلدات ساحل ووسط المتن واعاليه، لبّى مقاومون ابطال، بشكل عفوي، نداء استغاثة مناطق لبنانيةٍ اخرى صوناً للكرامة والحرية والإنسان في لبنان. ومن المتن خرج الرجال والشيوخ والنساء والأطفال الى ساحة الحرية طلباً للسيادة والحرية والاستقلال في 14 آذار 2005، هذا هو تاريخ المقاومة اللبنانية ماثلٌ كلّه امامكم فوق تراب المتن. وهذه هي بطاقة انتسابكم الى هذا التاريخ المجيد، وهذه المقاومة الأبية، وهذا الحزب العظيم، فهنيئاً لكم بها، وهنيئاً للمتنيّين بكم.”

ولفت الى أنه “إذا كانت القوات اللبنانية قد قامت على تضحيات وعرق واكتاف الأبطال من كل لبنان، فإن شوارع واحياء وجبال المتن كانت التربة الخصبة التي مكّنت الجنين القواتي، من التكّون والنمو والتحّول الى ما هو عليه اليوم. إن هذه القوات من ذاك المتن. إن هؤلاء الرجال الأشدّاء من تلك الأرض الصلبة”.

واشار الى أنه “صحيحٌ ان البطاقة الحزبية التي تتسلمونها اليوم، هي مجرّد تدبيرٍ إداري لا بد منه، لكنها في الوقت ذاته صك امانةٍ وطنية تسلّمناه من الأجداد ونسلّمه للأحفاد، دُوّن في متنه تاريخٌ حافلٌ بالبطولة والمقاومة والإنجازات… ونحن لهذا التاريخ امناء، وللبشير أوفياء، بشير حيّ فينا”.

وتابع:”إن البطاقات الحزبية التي تتسلّمون اليوم تُعلن عن بداية أُفول زمن الميوعة واللامبالاة والانتهازية والهروب من الالتزام ، وتُبشّر بسطوع فجر العطاء والحرية والشفافية والديموقراطية والحياة الحزبية الحقيقية الذي نتوق اليه للمستقبل. فلتكن بطاقتكم جواز عبورٍ من عهد التقاليد البالية الى لبنان الجديد، وليكن التزامكم الحزبي قدوةً على هذا الأساس، وليكن كما التزام مالك بحدي والآلاف من رفاقنا الجرحى والمعوقين والشهداء والمعتقلين، التزام النعم نعم واللا لا، شلالاً هادراً من القيم والمبادىء والتضحيات. تتسلّمون بطاقاتكم الحزبية والمسؤوليات الملقاة على عاتقكم جسام، وهي لا تنحصر هذه الأيام بالشق الكياني الاستراتيجي فحسب، وإنما تتعداه لتشمل كل الجوانب الحياتية التي تؤثر بشكلٍ او بآخر على صفاء وهناء حياة المواطن في لبنان.”

واعتبر “ان القوات التي تُعوّل عليكم لإيصال صوتها ومواقفها الى قلوب وعقول اكبر شريحةٍ شعبيةٍ ممكنة، تسعى من خلالكم ايضاً الى تبنّي القضايا الإجتماعية والمعيشية والبيئية المُحقّة، والتصدّي للآفات التي تتسرّب الى صفوف بعض الشباب وتُحولّه عبداً لها، عوض ان يكون سيدّاً لمسيرة حياته، واعياً لواجباته تجاه ارضه وشعبه ومستقبله. لقد تحولّت بعض احياء الزعيترية والرويسات والنبعة وغيرها، مرتعاً لتجّار المخدرات ومصدراً لزعزعة الإستقرار ضمن محيطها الجغرافي، وهو ما بات يُشكل خطراً داهماً على عائلات هذه المنطقة وابنائها بدرجةٍ كبيرة، وعلى سائر عائلات وابناء المتن الشمالي والجوار”.

وأردف:”صحيحٌ ان مسؤوليتنا كأحزابٍ سياسيةٍ هي في رفع الصوت، ونشر الوعي، وبث روح الإلتزام والإيمان والمسؤولية الوطنية بين صفوف الشباب لإبعاده عن خطر المخدرات وسواها من الآفات التي تعصف بالمجتمع، إلاّ ان المسؤولية في مكافحة تجار المخدرات والتخلّص من البؤر الأمنية التي تنمو كالطحالب بين ربوع المتن، هي من اختصاص الإدارات الرسمية اللبنانية وحدها. تعالوا نُنقد شبابنا ومجتمعنا واجيالنا القادمة من المخدرات كما أنقذناها من محتلّين كثر قبلها.”

وتوجّه جعجع الى اللبنانيين بالقول:”لم تلتزموا بلبنان الـ 10452 كلم مربع، حتى تشهدوا على انتهاك حدود لبنان بقوافل السلاح والمسلحين، 10452 مرّةً في اليوم، ولم تؤمنوا بدولة المؤسسات، حتى يأتي من يفرض على الجيش، من خارج المؤسسات، معركة في أقصى أقصى جرود عرسال، لغاية في نفس يعقوب غير لبناني، ولم تؤمنوا بلبنان دولة القانون والمؤسسات، حتى تورثوا ابناءكم شريعة غابٍ لا تقتصّ من مرتكبين متورطين، وتضع حجراً ثقيلاً على قبور الشهداء والضحايا الأبرياء الآمنين، لم يسقط وسام الحسن بكل دمٍ بارد حتى يُبرّأ بشّار الأسد وعلي المملوك، وحتّى يُطلق سراح ميشال سماحة بكلّ وقاحة، ودماء الشعب اللبناني تغلي على نيران حامية. إذا كان الصوت والصورة والتحقيقات والإعترافات والبراهين لا تكفي لإثبات جريمةٍ موصوفة، فعلى دولة القانون والعدالة السلام.”

وشدد على ان “محكمة التمييز العسكريّة مدعوّة اليوم الى محو وصمة العار التي ألحقها الحكم على ميشال سماحة في قضية الأسد- مملوك- سماحة، والى إعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم وإيمانهم بالقانون والعدالة والحق في لبنان. إن الرجوع عن الخطيئة فضيلة كبرى.”

وأشار الى أنه “بينما تسعى القوات جاهدةً لأن تكون الجمهورية القوية مثالاً أعلى نسعى جميعاً لتحقيقه، يسعى البعض الى تنصيب نفسه ولياً أعلى يعطي للدولة ومؤسساتها والمواطنين جميعاً دروساً يومية في الوطنية وفي كيفية التعاطي مع الأزمات، كما يفرض على الجميع أن يحتذي به تحت طائلة التعطيل، والتكفير، والتجريم، والتخوين، إذا لم يكن أكثر…”

وأكّد جعجع “ان الإمعان في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لم تعد تداعياته محصورة بموقع الرئاسة فحسب، وإنما بات يرمي بظلاله فراغاً وشللا على المواقع الدستورية والأمنية الواحدة تلو الأخرى، وهو ما ينسف إدعاءات البعض بأنّ الفراغ الرئاسي سببه خلافٌ مسيحي-مسيحي، ويُثير شكوكاً حول الغاية النهائية التي يسعى اليها القائمون بالتعطيل، بمعزلٍ عن بعض اوراق التوت التي يحاولون التلطّي خلفها”، متسائلاً:”كيف نُصدّق بأن بعضهم يُدافع عن لبنان في القلمون، وباقي سوريا، وفي العراق واليمن، وهو يعطّل لبنان في قصر بعبدا، قلب لبنان بالذات؟ كيف نُصدّق انهم يريدون رئيساً قوياً، وهم لم يتحمّلوا رئيساً توافقيّاً بامتياز؟ لكم تعطيلكم وفراغكم، ولنا إيماننا بجمهوريتنا القوية وحلمنا بلبنان السيد الحر والمستقل، والذي من أجل تحقيقه سنبذل الغالي والرخيص.”

وقال:”نحن حزبٌ لا نحيد عن قناعاتنا قيد انملة، لا الضغوط ترهبنا، ولا المنافع تغرينا. لا نُشترى ولا نُباع، لا نساوم على القضية ولا نُفرّط بدماء الشهداء، لكنّنا في الوقت نفسه منفتحو الآفاق، مواكبون لكل ما هو جديد حديث متطوّر”.

وختم جعجع:” إذا كان المواطن يكتسب بطاقة هويته بالولادة، فإن المحازب في القوات، هو كما المحارب، لا يستحق بطاقة التزامه الوطني إلاّ بعد اجتيازه معمودية الالتزام والنضال والاستقامة والأخلاق والعطاء، بانتسابكم الى القوات تُغنون الحزب حضوراً وقيمةً وطاقات. فمبروكٌ عليكم بطاقاتكم، وهنيئاً للقوات اللبنانية بكم، وهنيئاً للبنان بالقوات.”


موقع "القوات اللبنانية" - 5\6\2015

إرسال تعليق

 
Top