0
الجواب المطلوب من مقاطعي جلسات الانتخابات الرئاسية، ولا سيما منهم المسيحيين، هو: كيف السبيل الى انتخاب رئيس للجمهورية بعدما فشلت كل اللقاءات وكل البيانات في بلوغ ذلك، ولم يسمع المقاطعون لا صوت بكركي ولا صوت المجتمع الدولي، وقد لا يسمعون أيضاً صوت الفاتيكان لأن لا صوت يعلو صوت ايران في معركة الانتخابات الرئاسية في لبنان.

يقول المقاطعون إنهم يريدون رئيساً قوياً للجمهورية لكنهم لا يتفقون عليه، واذا اتفقوا فإنهم لا يستطيعون فرضه على الأكثرية النيابية التي قد يكون لها مرشح آخر إلا بقوّة السلاح... وكيف يكون المرشح قوياً وهو لا يستطيع الحصول على تأييد هذه الأكثرية، بل أن من يحصل عليها هو الذي يكون قويّاً أو يصبح كذلك.
في الماضي كان المرشح للرئاسة العميد ريمون إده أقوى من م
نافسه شارل حلو الذي فاز بأكثرية الأصوات المطلوبة، لأن ضعف إده كان بقوته وقوة حلو كانت بضعفه، وهذا عادة هو مصير الأقوياء في الانتخابت، فالاقطاب الموارنة الثلاثة (كميل شمعون، بيار الجميل، ريمون إده) كانوا هم الأقوى في الانتخابات الرئاسية فأصبح سليمان فرنجيه هو أقواهم لأنه فاز بصوت واحد لم يستطع هؤلاء الأقطاب الفوز به، وفي انتخاب بطريرك للموارنة في الماضي البعيد عندما تعذّر الاتفاق على انتخاب بطريرك من بين الأقوياء، اضطر المطارنة الى انتخاب راهب كان يلقب "راهب المحدلة" لأنه كان "يحدل" سطح الدير على أن يبقى كرسي البطريركية فارغاً.
لذلك فإن على من يتذرعون بإيصال رئيس قوي للجمهورية لتبرير تعطيل الانتخابات الرئاسية أن يذهبوا به الى مجلس النواب، فإذا فاز بأكثرية الأصوات المطلوبة أعلن رئيساً، واذا لم يفز فينبغي ترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها في انتخاب من يفوز بهذه الأكثرية ليكون هو الأقوى، لا أن يقال لهذه الأكثرية إما أن تنتخبي فلاناً رئيساً لأنه هو القوي أو لا تكون انتخابات خلافاً لما نصّ عليه الدستور، ولئلا يصبح من حق كل حزب أو طائفة تعطيل الانتخابات بالقول إما أن يكون فلان رئيساً للجمهورية أو لا رئيس، وإما أن يكون فلان قائداً للجيش أو لا قائد، أو أن يكون فلان وزيراً أو لا حكومة... أي أن لا يكون وجود لدولة ولا لدستور بل لقبائل.
لقد توقف الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" عند عقدة الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، كما توقف عندها الحوار بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، ورغم ذلك سيستمر لأن الأولوية هي لاستمرار الأمن والاستقرار وليصبح حواراً يعطي إيران الوقت الكافي لتقول كلمتها في الانتخابات الرئاسية، وليس سوى الاستمرار في تعطيل نصاب جلسات الانتخابات ما يجعل ايران جاهزة لتنصيب رئيس للبنان عند عقد صفقة مع أميركا كتلك الصفقات التي عقدتها الأخيرة مع مصر عبد الناصر فجاءت باللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وتلك التي عقدتها مع سوريا حافظ الأسد فجاءت بوصاية سورية على لبنان دامت 30 عاماً، وكان رؤساء لبنان في ظلها شبه رؤساء.

الواقع أن مقاطعي جلسات الانتخابات الرئاسية من قوى 8 آذار، وبالأخص المسيحيين منهم، إذا كانوا يريدون رئيساً من صنع لبنان، فما عليهم سوى الاتفاق على حضور الجلسات لتأمين النصاب إذا تعذّر عليهم الاتفاق على مرشح واحد أو على لائحة مرشحين. واذا كان المسيحيون غير مسؤولين عن عدم الاتفاق على انتخاب رئيس لأن انتخابه لا يخصهم وحدهم بل يخص شريكهم المسلم أيضاً، فإنهم مسؤولون عن تأمين نصاب جلسات الانتخابات، وهذا يتم بأحد حلين: إما الاتفاق مع الشريك المسلم على انتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً استثنائياً ولمرة واحدة، وإما انتخابه في حضور ثلثي عدد النواب. وهذا يتطلب اتفاقاً على أن يكون حضور النواب جلسات الانتخابات الزامياً، وإلا ظلّ في استطاعة أي حزب أو طائفة تعطيل نصاب كل جلسة بغية استبعاد انتخاب أي مرشح لا يعجبها، وقد بات من الواجب بل من الضرورة حسم نقطة الخلاف هذه لئلا يظل انتخاب رئيس الجمهورية عند كل استحقاق يتعرض لما يتعرض له حالياً، وليشكل خللاً في النظام يجعله مطروحاً للبحث ولاعادة النظر فيه حرصاً على سلامة الميثاق الوطني. وللتوصل الى حسم الخلاف على هذه النقطة ينبغي على بكركي دعوة النواب المسيحيين الى لقاء يحسمون فيه موضوع النصاب وليس موضوع المرشحين لأنه مسؤولية مشتركة بينهم وبين المسلمين، أو أن يدعو الرئيس نبيه بري مجلس النواب الى جلسة تحسم ذلك، إذ لا يعقل أن يبقى نصاب الثلثين شرطاً لانتخاب رئيس للجمهورية وان تبقى للنائب حرية التغيب عن الجلسات لتعطيل هذا النصاب بحجة أن هذا حق من حقوقه الديموقراطية... فتبقى البلاد بلا رئيس الى أجل غير معروف، أو الى أن يتدخل خارج ما ليفرض على اللبنانيين انتخابه، وقد يصبح عندئذ رئيساً لخدمة هذا الخارج قبل خدمة لبنان.



إميل خوري - "النهار" - 4\6\2015

إرسال تعليق

 
Top