0
وأخيراً... إتفق الموارنة على: «إعلان النيات»، بعد صراع طويل مع المرض الرئاسي، فقُرِعتْ لهم الأجراس المارونية إبتهاجاً، ولكنهم لم يتفقوا على ما كان سبب الصراع الطويل، والذي قُرِعتْ بسببه الأجراس المسيحية حزناً.
إنه الصراع الماروني - الماروني على الكرسي المكتوم «بإعلان النيات»، وهو الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، في معزل عن ملفات المنطقة والملف النووي، وانتظار تبشير «المجوس» برئيس قوي نوويِّ في لبنان.

كلام الشيخ نعيم قاسم على فظاظته الصادمة: «إما عون رئيساً وإما الفراغ»... لا يُسقِط المسؤولية المارونية ما دام السيد حسن نصرالله قد أعلن غير مرة أنه يرشح العماد عون ويوافق على من يوافق عليه عون، وما دام حزب المستقبل يرشح الدكتور جعجع ولا يوافق على من لا يوافق عليه جعجع، وما دام الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط أعلنا غير مرة أن المعركة مارونية - مارونية وليتفق الموارنة على مرشح ونحن نوافق على من يتفقون عليه.

وإذا قيل تذرُّعاً: إنَّ الذين يعلنون إلتزامهم الإتفاق الماروني يناورون... قلنا: إطرحوا عليهم إعلان نياتكم الرئاسية، واختبروا نياتهم، وكذّبوهم إن لم يكونوا صادقين.

هذا يعني أن إنتخاب رئاسة الجمهورية مرتبط بالإتفاق الماروني - الماروني، وتحديداً بين عون وجعجع، فإذا وافق أحدهما على الآخر فاز، وإذا قالا لثالث كنْ فيكون... أما أن لا يوافق أحدهما على الآخر، ولا يتفقان على ثالث ولا يزيحان من الدرب، فهنا تكمن المشكلة المارونية - المارونية، والتي هي حرب إلغاء ضد الذات وضد الآخر وضد الرئاسة والجمهورية معاً.

على أن الصراع الماروني - الماروني على الرئاسة هو إرث تاريخي كان منذ أول رئيس لدولة لبنان الكبير، وهو الذي حتَّم على المفوض السامي الفرنسي «هنري جوفينيل» إقناع البطريرك الحويك برئاسة شارل دباس الأرثوذكسي، وبين الرئيس الأرثوذكسي والصراع الماروني وقع اختيار البطريرك على شارل دباس رئيساً.

وهكذا كان كلٌ من ألفرد نقاش وأيوب تابت بديلاً قسْرياً من الصراع الحادّ بين بشارة الخوري واميل إده، حتى إذا ما احتدمت المعركة بينهما وكان حظ بشارة الخوري مرجحّاً، توجه إميل إده ومعه النائبان الشيخ يوسف الخازن وروكز أبو ناضر الى منزل الشيخ محمد الجسر وعرضوا عليه الترشح لرئاسة الجمهورية، ولما سأل الشيخ محمد عن رأي البطريرك عريضة، مستغرباً أن يترشح لرئاسة الجمهورية شيخ بعمامة... وطمأنوه الى تأييد معظم النواب المسيحيين، خاضها المرشح المعمَّم معركة فاصلة تنذر بالنجاح لو لم يصدر المفوض السامي الفرنسي «هنري بونصو» قراراً بتعليق الدستور وحل المجلس النيابي.

هذا مشهد تاريخي للصراع الماروني - الماروني على الكرسي الرئاسي وقد استمر شرساً الى ما بعد الإستقلال، إلا أنه كان محكوماً بضوابط تحول دون الفراغ، أما اليوم: ومع استحالة حل المجلس النيابي، وفي غياب المفوض السامي الفرنسي، والمفوض السامي السوري، وغياب الوساطة العربية والدوحة القطرية والأمهات الحنونات، فإذا ما استمر غياب الإتفاق الماروني، يصبح رئيس الجمهورية الأرثوذكسي ضرورة ملحَّة منعاً للفراغ، ويصبح الرئيس المسلم المعمّم مسؤولية وطنية منعاً لانهيار الجمهورية والإستقلال معاً.

جوزف الهاشم - الجمهورية 12\6\2015

إرسال تعليق

 
Top