0
يتطلع «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» من خلال «إعلان النيات» الى تنفيس الاحتقان السائد بينهما لمصلحة بدء حوار مفتوح «والتنافس من دون خصام حيث يختلفان» كما ورد في الإعلان، باعتبار أن هناك حاجة مسيحية ملحة لفتح صفحة جديدة على قاعدة تنظيم الاختلاف.

ويشكل «إعلان النيات» هذا نقطة تقاطع مع الحوار الجاري بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» برعاية الرئيس بري، لجهة تنفيس الاحتقان بين هذين الضدين للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في البلد وتحييده عن الحرائق المشتعلة في دول الجوار ومنعها من الانتقال إليه.

ومع أن كل الأطراف على اختلاف انتماءاتها السياسية والطائفية بادرت الى الترحيب بـ«إعلان النيات» الذي رعاه العماد ميشال عون وسمير جعجع، فإنها في المقابل تعتقد أن الحوار بينهما سيكون بمثابة نسخة طبق الأصل من حوار «المستقبل» و «حزب الله» الهادف الى منع الانفجار في البلد.

وعلى رغم أن «إعلان النيات» لقي ترحيباً مسيحياً باستثناء تحفظ «حزب الكتائب»، الذي اعتبر انه يختزل الشارع المسيحي بـ «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات»، فإن عون يعتبر أن توقيت الإعلان عنه بصورة رسمية يمكن أن يخدمه في ظل الاشتباك السياسي القائم بينه وبين أطراف رئيسيين في «14 آذار» والرئيس بري، الذي لديه اعتراض على أمرين، الأول الرفض المسيحي لتشريع الضرورة والثاني تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وموقفه بعدم السماح بهذا التعطيل.

لكن توجه جعجع الى الرابية لإذاعة «إعلان النيات» مع عون قد يخدم الأخير في الشكل وليس في المضمون لأنه لم يسمع منه كلمة يفهم منها انه يبارك له رئاسة الجمهورية.

وبالتدقيق في «إعلان النيات» لا بد من التوقف أمام مجموعة من النقاط ما زالت عالقة بين الطرفين وتحتاج الى مزيد من الحوار، في طليعتها عدم توصلهما إلى مقاربة مشتركة في شأن رئاسة الجمهورية والتعيينات العسكرية والأمنية، مع أن «القوات» تؤيد أي إجماع يتعلق بتعيين قائد جديد للجيش لكنها لا تعارض التمديد لهذه القيادات لأنه أفضل من الفراغ، ناهيك عن أن توافقهما على قانون جديد للانتخاب «يؤمن صحة التمثيل النيابي الفاعل والشراكة الصحيحة بين مكونات المجتمع اللبناني كافة»، لا يعني بالضرورة أنهما قطعا شوطاً على طريق التفاهم عليه، بمقدار ما أن «إعلان النيات» بقي في حدود توافقهما المبدئي على ضرورة وضع قانون جديد.

كما أن الطرفين -وفق قول مصادر نيابية بارزة لـ «الحياة»- تطرقا إلى «تشريع الضرورة» ووجوب حصره في استعادة الجنسية وقانون انتخاب جديد، وكأنهما يقولان للرئيس بري بصورة مباشرة هذا هو جدول أعمالنا للموافقة على عقد جلسات تشريعية، مع أن استعادة الجنسية تلقى اعتراضاً من بعض حلفاء عون وأولهم «حزب الله»، الذي يطالب بلسان عدد من نوابه في اللجان المشتركة أو في اللجنة الفرعية، باعتماد إحصاء عام 1913، أي الإحصاء الذي أجرته الدولة العثمانية، وهذا يعني إعادة الجنسية لعدد كبير من المسلمين قد يفوق عدد المسيحيين المستفيدين منه.

ومع أن لا اعتراض على استعادة حقوق المسيحيين كما ورد في «إعلان النيات»، فإن جعجع نجح في أن يقتنص من عون مجموعة من التنازلات مازالت «ورقية» على الأقل، وهي في حاجة الى متابعة لاختبار مدى التزامه بهذه النقاط المشتركة، وأبرزها:

- الالتزام بمرتكزات وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف والابتعاد من كل ما من شأنه التلاعب بأحكام الدستور أو إساءة تفسيره.

- تشجيع ثقافة الاحتكام الى القانون والمؤسسات الشرعية لحل أي خلاف أو إشكال طارئ وعدم اللجوء الى السلاح والعنف مهما تكن الهواجس والاحتقانات.

- بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية والحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية- السورية بالاتجاهين وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان أو استعماله مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح.

- العمل على تنفيذ القرارات السابقة التي تم الاتفاق عليها في طاولة الحوار الوطني واحترام قرارات الشرعية الدولية.

- التزام وثيقة الوفاق الوطني لجهة اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والإنمائية وهذا ما يتعارض مع هذه الوثيقة، خصوصاً اللامركزية المالية.

وتشير المصادر النيابية، لدى تقويمها ما اتفق عليه من عناوين عامة، إلى أن عون أعلن التزامه مقررات الحوار الصادرة عن اجتماعات بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان حتى لو لم يأت «إعلان النيات» على ذكرها بالاسم... إضافة الى اعترافه بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإلا هل يصرف التوافق بين الطرفين على احترام قرارات الشرعية الدولية في مكان دون الآخر؟ إلا إذا قصد «الجنرال» الاحترام الاستنسابي لهذه القرارات...

وعليه، تقول مصادر قيادية في «14 آذار» إن إصرار عون على التصاقه بـ «حزب الله» يفوِّت عليه الفرصة تلو الأخرى لتأكيد تمايزه عنه في بعض المواقف، ويعيق انتخابه رئيساً للجمهورية. وفي هذا السياق، تسأل المصادر: «أين يستفيد عون من قول نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: إما انتخابه رئيساً أو الفراغ؟ وهل سيصيبه ما أصاب النائب السابق مخايل الضاهر عندما قال الموفد الأميركي الى بيروت ريتشارد مورفي للبنانيين: إما انتخاب الضاهر رئيساً أو الفوضى، والذي تسبب له بردود فعل مسيحية حالت دون انتخابه؟».

وتعتبر المصادر نفسها أن كلام الشيخ قاسم يشكل تحدياً للآخرين الذين قد يضطرون الى الخروج عن صمتهم ويلوحون بوضع «فيتو» على ترشح عون، لأنه أصبح من وجهة نظرهم مرشح «حزب الله»، وإلا لما اختار قاسم هذا التوقيت ليعلن تمسك الحزب به، فهل أراد أن يرد بطريقة غير مباشرة على «إعلان النيات»؟

وفي مطلق الأحوال، فإن كفة جعجع في «إعلان النيات» كانت الراجحة ولم يعد في وسع عون أن يخاطبه بلغة «حفار القبور» طوال فترة احتدام الاشتباك السياسي بينهما.

محمد شقير - الحياة 10\6\2015

إرسال تعليق

 
Top