أكد الرئيس العماد ميشال سليمان ان "المشكلة لم تكن يوما في صلاحيات الرئيس بل في تطبيق الدستور، فليس صحيحا ان لا صلاحيات لرئيس الجمهورية فهو القاضي الاول، وقائد القوات المسلحة هو الذي يوقع عقوبة الاعدام والعفو العام، هو الذي يفاوض بالتوافق مع رئيس الحكومة ويعتمد السفراء ويدعوهم عندما تدعو الحاجة ويصحح اي موقف اذا المشكلة في الممارسة وتطبيق الدستور".
وشدد سليمان خلال رعايته ندوة تحت عنوان " لبنان العودة الى ما قبل 25 أيار 2014" بدعوة من "نادي ليونز مونت ليبانون باين هيلز"، وحضور وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الوزيرة السابقة منى عفيش، المدير العام وزارة الطاقة والمياه فادي قمير ونقيب المحامين جورج جريج، على "ضرورة اعتماد التوازن والتعاون في الحكم بدل المخالفة"، اكد ان "عدم المشاركة في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ليس حقا دستوريا"، معتبرا ان "تعطيل هذه الجلسات هو استخدام سيئ للديموقراطية ويشكل انقلابا غير عسكري على الدولة".
واضاف: "استشهد بالتجربة اليونانية، على سبيل المثال لا الحصر، حيث تعقد جلسات نيابية لانتخاب رئيس فاذا فشل المجلس النيابي يصار الى حله والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة. وفي تونس، تحدث الدستور عن مهلة لتأليف الحكومة من قبل من يتم تكليفه، فاذا انقضت هذه المهلة تمدد ثلاثة اشهر فقط. وفي هذا المجال كان عندنا المجلس الدستوري لتفسير مواد الدستور، لكن المادة 19 أزيلت فعطل المجلس فاذا كان لرئيس الجمهورية مهلة 15 يوما لتوقيع المرسوم فهذا يعني ان ليس للوزير دقيقة واحد بل عليه ان يوقع فورا. وهذا خلل في التطبيق وليس في الدستور. وهذا ما هو غير دستوري وهو بالاساس اعتمد خلال فترة التحكيم السوري لتمكين بعض الوزراء من التفرد بالقرارات خلافا لارادة رئيس الحكومة".
وأضاف: "لقد راهنوا عام 2005، أي بعد الانسحاب السوري من لبنان، على انقسام الجيش واللبنانيين لكن الرهان سقط، فلم ينقسم الجيش بل برهن انه قادر على خوض اقسى المعارك ضد الارهاب لأن غالبية الشعب اللبناني تحتضنه ولم ينقسم اللبنانيون ابدا بل بقوا شعبا واحدا، لكن الخلل والانقسام جاء في الادارة السياسية التي فشلت وعطلت واوصلت البلاد الى ما نحن عليه من فراغ على كل الاصعدة".
جريج
وقال نقيب المحامين جورج جريج في محاضرته: "تحية من القلب الى هذه المنطقة، الى المتن الغالي والعالي، تحية الى هذا المكان، والى هذه القاعة التي تشكل مساحة حوار دائم ومفتوح، وكانت الملتقى مع زملائي، المحاميات والمحامين، والمرتجى في انطلاقتي الثابتة الى "بيت المحامي" نقيبا. وتحية الى الأخ والصديق الاستاذ انطوان جباره، الرئيس المقدام، والخادم الوفي للجديدة - البوشرية - السد وأهاليها الأحباء. وتحية لمبادرة الليونز ولي بين هذه الجماعة الناشطة والفاعلة والعاملة، صداقات وزمالة وجوار. واسمحوا لي أن أخص الزميلين الأستاذين لويس ابو فرح وميشال ناهض. أما الشكر الأساسي فهو لك يا فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان الذي تركت الرئاسة بالدستور، ودخلت الوطن بالضمير، ساعيا مع الساعين الى الانقاذ بوقف الشغور وانتخاب رئيس للجمهورية. فشكرا لرعايتك وحضورك.
سأنحو بمداخلتي الى قراءة النظام السياسي اللبناني في القسم الاول منها على أن أعرض بعض عناصر المقاربة العلاجية في القسم الثاني.
مقدمة:
مشكلة لبنان مشكلتان: كل ماروني يريد أن يكون رئيسا، وكل غير ماروني يريد أن يصنع رئيسا. ومشكلة الرئاسة في لبنان مشكلتان: أن الدستور ليس الأول، الدستور وجهة نظر، وأن أي فريق قادر على التعطيل لألف سبب وسبب، فيجر معه إما مسايرة أو مكابرة، أو فقط بسبب إلتقاء المصالح، أكثر من فريق.
هي إذا حسابات سياسية في الداخل لدى المكونات كافة، وهي حسابات على مستويين: حسابات الموارنة المسترئسين، وهذا مشروع، وحسابات غير الموارنة المترئسين، الطامحين أن يكون الرئيس المقبل من فريقهم، وهذا ايضا مشروع ومن ضمن اللعبة السياسية التقليدية في لبنان. لكن، هذا التكتيك مقبول حتى 25 ايار الماضي، وهو يجب ان يكون تحفيزيا لا تعطيليا، وكان يجب ان يقود الى انتخاب رئيس قبل 25 ايار، وأصبح لعبة خطرة بعد هذا التاريخ.
من غير المقبول، ان تكون هذه الحسابات سببا في الشغور الرئاسي، في تعطيل هذه المؤسسة التي لم تتعطل حتى في زمن الحرب. واذا كان الدستور الكويتي يجيز التمديد لمجلس الامة في حالة واحدة هي حال الحرب، ففي لبنان حتى خلال الحرب الداخلية كنا ننتخب رئيسا للجمهورية. اليوم، الحرب الخارجية منعتنا من انتخاب الرئيس، بفعل هذا الاصطفاف الداخلي المرتبط في مكان ما بالمحاور الإقليمية، واجبرتنا على التمديد لمجلس النواب وهذا معيب بحق لبنان وبالسجل العدلي للبنان النظيف دستوريا وغير المحكوم بأي جناية أو جنحة شائنة في قضايا الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة.
والنتيجة تشغيل العداد منذ 25 أيار، وبتنا نحصي جلسات الانتخاب دفتريا، فصرنا في العدد 22 وهلم جرا. وتحولنا اعتبارا من 25 أيار متسولين، شحاذين، واقفين على رصيف الإنتظار، خبر من هذه الدولة الإقليمية على وضاعته يأخذنا الى فوق، وموقف من هذه الشخصية ولو من الصف الثالث في ذاك البلد يعيدنا الى تحت، ونفتش في عواصم القرار عما يشفي غليلنا، لكن صدقوني لسنا في صدارة الأجندات.
أولا: قراءة في النظام السياسي اللبناني
ان النظام اللبناني رغم كونه نظاما برلمانيا، الا أنه نظام خاص وهجين تتداخل فيه منظومتان على قدر كبير من التوازن: المنظومة السياسية والمنظومة الطائفية، مما يجعل النظام سياسيا - طائفيا بامتياز، بحدود متداخلة بين الدولة والطوائف.
والطائفية السياسية قائمة بالثقافة وبالامر الواقع وبالممارسة، واذا عدنا الى الدستور لوجدنا ان دستور عام 1926 اعتبر الطائفية السياسية مرحلة مؤقتة، ودستور الطائف عام 1990 إعتبرها مرحلة انتقالية.
ويجمع نظامنا ايجابيتين حولتهما الممارسة الى سلبيتين: فمن جهة، قيام نظام سياسي مستوحى من الانتظام الديموقراطي الغربي وهذا تجسد في الدستور اللبناني، ومن جهة ثانية، تكريس توازنات وضوابط طائفية، وهذا ما ترجمه الميثاق الوطني. ومع هذا التوازن الهش، سيبقى هشا أيضا الاستقرار السياسي والأمني.
ويحضرني هنا ما كتبه رجل القانون الدكتور أنطوان عازار في مقالة له سنة 1979 في صحيفة Orient Le jour:
IL y a deux ordonnancements qui se superposent, l'un qui régit la vie politique selon les normes de la démocratie occidentale, et l'autre qui régit la vie politique selon les impératifs de notre coexistence communautaire.
أنا لست هنا الليلة لألقي باللائمة على أحد، بل لأقرأ في النظام وفي الممارسة السياسية. اللوم الاساسي نتحمله نحن، نحن سعينا الى تقوية الذات بدل الدولة، والى تعزيز الولاء الطائفي على الوطني، والى الإستعانة بالخارج على الداخل.
هذه هي أساس المشكلة، ليست المشكلة في الدستور فقط، المشكلة في أسلوب مقاربة مفهوم الدولة وبنائها، وستبقى قائمة كل ست سنوات في الرئاسة، وكل أربع سنوات في النيابة، وفي كل حين في التعيينات التي تحكمها السياسات والمحاصصات والتركيبات.
وبدل أن يكون عندنا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس يفيء في ظلها كل الإنتشار اللبناني، انقسمنا بين ولاية ومملكة، وبين الخليج وايران، وانقسم الشارع، وتواجهت الطائفتان، واحتار المسيحيون، فاختاروا مرغمين أن يكونوا نصفين في عملية إلحاق غير مسبوقة في تاريخ لبنان، واختار الدروز الوسط الايجابي، فيؤيدون أو يعارضون أو يمتنعون بحسب كل حالة. والنتيجة انقضاء المهل، ودخول حقبة الشغور، وأخطر ما فيها تعويد اللبنانيين بحيث يقبلون بالأمر الواقع، وتدجين النظام بحيث يدخل منظومة جديدة تقوم على إنهاء الوظيفة الوطنية والسياسية للرئاسة الاولى، وتوزيع عائداتها ومكانتها ورمزها بالتوازن والتقاسم بين الرئاستين الثانية والثالثة.
وهنا لا أريد أن أكون من جماعة توما، ومع التأكيد سلفا على موقفي الشخصي وموقف نقابة المحامين كجماعة تطالب بالدولة المدنية، وربما كانت صدفة ليس إلا، لكن يجب تبديد هذا الشك:
وكأن هذه المواجهة في المنطقة وتاليا في لبنان بين الطائفتين الكريميتين، السنة والشيعة، انسحبت وطنيا على رئاسة الجمهورية، فتجاذبتاها، وأنهكتاها، وحيدتاها سلبا كي لا أستخدم مصطلح التعطيل الذي يفترض تهمة، وأنا لا أحب الإتهام العشوائي، فتوازنت الطائفتان في الشارع وفي السياسة، في الوطن تواجهتا، وفي الدولة تقاسمتا السلطة، فكنا أمام رئيس لمجلس النواب ورئيس للحكومة، دون أي وجود لرئيس الجمهورية.
نعم هكذا تبنى المثالثة، بتوازن ثنائي يصبح معه الفريق الثالث مضطرا الى القبول بالمثالثة شرطا للافراج عن رئاسة الجمهورية.
لقد نصت مقدمة الدستور على ان النظام اللبناني هو نظام برلماني قائم على الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات. والسؤال الى أي مدى نظامنا السياسي يترجم قاعدة التوازن بين السلطات في ضوء التعديل الدستوري الأخير في 21/9/1990 الذي جعل السلطة التشريعية أقوى من السلطة التنفيذية، فتحرر مجلس النواب من حق السلطة التنفيذية بحله الا لأسباب تكاد تكون تعجيزية، فرجح المجلس بسلطاته على رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء معا من خلال حق الرقابة ومنح الثقة وسحبها، خاصة وان مجلس النواب هو من "ينتخب" بين مزدوجين رئيس الحكومة من خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية. وهذه الاستشارات ليست ملزمة باجرائها بل بنتائجها أيضا.
وبالتالي تم تعطيل سلطة اساسية كان يحق لرئيس الجمهورية استعمالها لتجاوز المآزق الدستورية والاحتكام الى الشعب الذي هو مصدر السلطات من خلال حل المجلس والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة.
وبعد التعديل الأخير للدستور، تحول رئيس الجمهورية من رئيس للسلطة الإجرائية إلى رئيس للدولة، ورمزا لوحدة الوطن.
ارتفع لقبه وتقلصت صلاحياته، وهذا لا يستقيم والدور المعطى له كرمز للوطن ورئيس للدولة بكامل عناصرها، أي الأرض والشعب والمؤسسات. فكيف والحال هذه، يكون رئيس الجمهورية قادرا على النهوض بمسؤولياته المحددة في الدستور وهي بشكل أساسي أربعة: السهر على إحترام الدستور، والمحافظة على إستقلال لبنان، ووحدته، وسلامة أراضيه، دون امتلاكه الصلاحيات اللازمة لذلك.
كيف يكون قادرا على حمل الجميع، مؤسسات ورئاسات وقيادات، على احترام الدستور، وقد جرد من السلطة الزاجرة بحل مجلس النواب وبإقالة الحكومة. بل حرم من أي توقيع منفرد، إلا التوقيع على مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة بحسب المادة 54 من الدستور.
وكيف يكون رئيس البلاد قادرا على صون الإستقلال والوحدة الوطنية من دون أن يعطى حق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، وهذا الحق مقيد بموافقة رئيس الحكومة استنادا الى قراءة دقيقة للفقرة 12 من المادة 53 من الدستور ولمحاضر مجلس النواب خلال تعديل هذه المادة.
وأكثر من ذلك، فقد سجل أكثر من موقف متحفظ بل معترض على ترؤس رئيس الجمهورية أي جلسة لمجلس الوزراء في غياب رئيس الحكومة رغم حضور نائب رئيس مجلس الوزراء. ففي أيلول 1990، اعترض الرئيس سليم الحص وكان رئيسا للحكومة، على عقد جلسة لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية الياس الهراوي في غيابه، وكان موجودا خارج لبنان. كذلك رفض مفهوم الاجتهاد الذي يقول بعدم تعطيل أعمال مجلس الوزراء خلال غياب رئيس الحكومة، رافضا أيضا أي دور لنائبه حال غيابه.
وإمعانا في تقليص صلاحيات رئيس البلاد ضمن مربع نهائي، ومنعا لأي اجتهاد أو عرف قد يكرسان سابقة جديدة، كان رفض لمبدأ تفويض النواب رئيس الجمهورية اختيار من يرغب في التعامل معه في رئاسة الوزراء خلال الاستشارات النيابية الملزمة، لمنعه من التصرف بأصوات من يودعه إياها من النواب وتجييرها لمن يرى فيه شريكا في رئاسة مجلس الوزراء. وأذكر هنا أزمة التكليف عام 1998 حيث اعتذر الرئيس رفيق الحريري عن قبول تكليفه رئيسا للحكومة من رئيس الجمهورية إميل لحود، معترضا على ما آلت إليه الإستشارات النيابية الملزمة من نتائج خصوصا لجهة إعتبار أن قيام 31 نائبا بتفويض رئيس الجمهورية حق إختيار من يراه مناسبا لرئاسة الحكومة مخالف لأحكام الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور، وهي مادة اعتبرها الرئيس الحريري ميثاقية.
الرئيس الحريري محق دستوريا لكن هذا السلوك الذي أيده أيضا خلفه الرئيس سليم الحص يدل على أزمتين: أزمة ثقة بين الرئاستين، وأزمة صلاحيات، كل رئيس يريدها له بالاستئثار لا بالشراكة.
وكيف يكون رئيس الجمهورية قادرا على المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وقد جرد من سلطة القيادة العليا للقوات المسلحة، ورغم أن المادة 49 من الدستور أناطت به صلاحية ترؤسه المجلس الأعلى للدفاع وقيادته العليا للقوات المسلحة، فالترؤس لا يعني سلطة القرار بدليل ترؤس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء عندما يحضر من دون أن يكون له حق التصويت، فسلطة القرار تعود لمجلس الوزراء.
ويقول الراحل الدكتور جورج سعاده، في كتابه عن الطائف في معرض مناقشة المادة 49 من الدستور ان "عبارة القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، تمت مناقشتها في الطائف، وكانت الغاية واضحة وهي منح رئيس الجمهورية لقب شرف أكثر من لقب عملي، فرئيس الجمهورية لا يستطيع إستخدام الجيش من دون أن يعود إلى مجلس الوزراء". ويؤكد الرئيس حسين الحسيني هذه القراءة ويقول: "لا حق لرئيس الجمهورية في الإمرة على الجيش، فالأمر لمجلس الوزراء. وكم من مرة انتقد فيها الرئيس سليم الحص كلام الرئيس الياس الهراوي أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش".
وأكثر من ذلك، حتى حق الكلام استكثر على رئيس البلاد. صحيح انه بعد التعديلات الدستورية، انتقلت السلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعا، وأصبح رئيس الحكومة بموجب المادة 64 من الدستور هو الذي يمثل الحكومة ويتكلم بإسمها. وهذا التعديل لم يحرم الرئيس الياس الهراوي الادلاء بتصريحات ومواقف للاعلام عبر فيها عن سياسة الدولة والحكومة وبرامجها، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الحكومة سليم الحص، وخضع الأمر لمجلس الوزراء الذي ناقش الموضوع، وخرج الرئيس الحص بعد الجلسة ليعلن بشكل ناعم لكن واضح كل الوضوح، أن "الرأي كان مجمعا على حق رئيس الجمهورية في مخاطبة اللبنانيين بكلام توجيهي وطني، وبأن التعبير عن سياسة الحكومة وشؤون الدولة في شتى المجالات هو حسب الدستور من حق رئيس مجلس الوزراء، وأن التحدث عن شؤون كل وزارة يعود للوزير المختص".
ثانيا: في المقاربة العلاجية
ان الحديث المتنامي عن إسترجاع بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية، يهدف الى انتظام عمل المؤسسات، وليس الى ضمان تمثيل الموارنة بسلطة وازنة داخل الدولة. وإزاء هذا الواقع الذي قد يطول شغورا دون سقف، يقتضي البدء بالتفتيش عن حلول غير تلك القائمة على الإستعانة بصديق أو برفيق من المنطقة أو من عواصم القرار. حلول بالجراحة لا بالسياحة. أصبحت مقتنعا بأن السياحة الى الخارج هي سبب بعض مشاكلنا، وبأن الجراحة باتت ملحة، جراحة موضعية وموضوعية بالدستور وفق المدلولات التالية، مع التأكيد سلفا على قيمة دستورنا المكتوب بحبر الميثاق، وهو مادة نادرة لا يمكن استحضارها من اليباس، أو استيرادها على القياس.
فليكن حوار واحد بدل الحوارين، حوار وطني مسؤول على جدول أعماله بند واحد، انتخاب رئيس للجمهورية، والدعوة الى انتخابات نيابية تلغي قانون التمديد الجائر.
يحضرني هنا ما قاله يوما الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران:
"Dans les moments de crises, il ne suffit pas de parler la même langue mais surtout le même langage".
فليكن تعديل المادة 49 من الدستور بما يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات تسمح له بتطبيق دوره المحدد في هذه المادة لجهة كونه الضامن والساهر على حسن تطبيق الدستور، على أن يطال التعديل أيضا آلية انتخاب الرئيس لتصبح كالتالي: ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى، نصابا وانتخابا، بالنصف زائدا واحدا في الدورتين الثانية والثالثة، وفي حال عدم اكتمال النصاب في ثلاث دورات متتالية، يحل رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء مجلس النواب ويدعو الى انتخابات نيابية مبكرة.
ان رئاسة الجمهورية هي المنصب - الرمز الاول في البلاد، واذا كانت موازنة الدولة، وهي لا شك من الأساسيات الوطنية، سببا لحل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية في حال رد المجلس الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل، بحسب نص المادة 65 من الدستور، فإنه من باب أولى حل المجلس حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية كائنا ما كان السبب، عدم رغبة أو عدم قدرة.
اعطاء رئيس الجمهورية حق اعادة الاستشارات النيابية بتأليف الحكومة بعد مرور ستين يوما على صدور مرسوم التكليف دون التمكن من التأليف.
اعطاء رئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية حق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد عملا بالمادة 53 من الدستور.
تحديد مهلة دستورية لتوقيع المراسيم من رئيس الحكومة والوزراء وتلك الصادرة عن مجلس الوزراء.
وضع مشاريع القوانين المعجلة والقوانين المعادة الى المجلس النيابي سندا للمادتين 57 و58 من الدستور على جدول اعمال اول جلسة يعقدها المجلس النيابي بعد ورودها اليه.
ان أميركا وايران اتفقتا على النووي، واللبنانيون ما زالوا مختلفين على جنس رئيس الجمهورية. فهل نبقى كالمتسولين في العواصم، واقفين على أبواب السفارات، نفتش عن مساعدة من الخارج، عن حماية، عن وصاية تملي علينا القرار وتقلنا بالحافلات الى ساحة النجمة لرفع الأصابع انتخابا.
اذا كنا نهوى هذا المسار، فلنستمر في العربدة الديموقراطية. واذا كنا نريد الاستغناء عن خدمات الغير في سيادتنا، اذا كنا نريد أن نبقى محترمين لدى الجميع، في الرياض وفي طهران وفي كل العواصم. اذا كنا نود زيارة الطائف والدوحة وسان كلو وولاية الفقيه برأس مرفوع، وخطى ثابتة، فلنبادر من دون استئذان الى إنتخاب رئيس الجمهورية، والا لن تبقى جمهورية.
لست شخصيا من هواة التنظير، أو التحليل، بل هو الوجع الوطني الذي وجه كلامي والذي اعتبره محاولة صادقة لإيقاظ النائمين ودعوتهم لحراسة الجمهورية التي انهار أول مدماك فيها باستبدال الإنتخاب بالتمديد، وانهار المدماك الأساسي بالإجازة المفتوحة لرئاسة الجمهورية التي يعلم الجميع لماذا انعقدت جلسة الإنتخاب الأولى أصولا، وتعطلت كل الجلسات اللاحقة، لكن لا أحد يعرف متى يعود الترشيد الى مجلس النواب كهيئة ناخبة، فيلتئم وينتصب (نسبة الى نصاب) وينتخب؟ وكما كتبت في افتتاحية النشرة، المجلة الدورية التي تصدرها نقابة المحامين والتي كان لها شرف استضافة فخامة الرئيس بمقابلة وطنية، وقد صدر عددها الأخير بعنوان: رئاسة الجمهورية، ما أجمل الأمس، كتبت: دعونا نفتش عن الرئاسة قبل الرئيس، فهي مهددة بالإنقراض، وتحتاج الى محميات تقيها القنص الآتي من كل جهة، أما الرئيس فلا خوف عليه، ولا خوف منه، كائنا من كان، سيكون رئيس لبنان ورئيس اللبنانيين.
دعونا ننتخب اليوم، دعونا نتعامل بإيجابية وحضارة، بالدستور والقانون، إلا إذا كان المطلوب جر البلاد إلى السلبية، نقابة المحامين أيجابية بطبعها وطبيعتها ودورها، فلا ترغموها على السلبية، وهل المطلوب تعطيل العدلية لوقف تعطيل الجمهورية.
لا نريد أن يكون لبنان بندا في جدول أعمال الكبار والصغار، أو طبقا على موائد الدول، أو حفرة في ورشة أشغال ننتظر من الخارج ردمها. إما أن يقرر اللبنانيون الإمساك بجمهوريتهم والنهوض بها بالدستور، بالقانون، بالسلطة الواحدة، بالوحدة الخالصة، أو لا لبنان مستقلا، لا لبنان مستقرا، لا لبنان حرا. بل سنكون أمام لبنان ممرا، ولبنان معبرا ولبنان فندقا ومنتجعا ومكان استحمام واستجمام.
جاءت الفرصة بعد سحب الجيش السوري في لبنان، للبننة العمل السياسي، لكن للاسف بددنا هذا الامل، لكن نقابة المحامين لن تتراجع عن الهدف: الرئيس والمجلس والحكومة صناعة لبنانية.
فيا أيها اللبنانيون اتحدوا، ولا تخسروا وطنا لا بديل له بين الأوطان، يا أيها اللبنانيون اتعظوا، ولا تبددوا وطن الرسالة، يا أيها اللبنانيون تلبننوا، ولا تفقدوا دولة لكم لتربحوا دولا لسواكم، آن لنا أن نخرج من المعادلات الخارجية ونعطي كليتنا للوطن فهو حاجة للجميع ووفي حاجة الى الجميع، مسيحيين من كل الاتجاهات، ومسلمين من كل الاتجاهات، لبنانيين في اتجاه واحد لبنان".
وألقى حاكم اندية الليونز كلمة شكر فيها الرئيس سليمان والنقيب جريج على كلتيهما. وفي الختام، تسلم الرئيس سليمان والنقيب جريج ورئيس بلدية الجديدة دروعا تذكارية.
وشدد سليمان خلال رعايته ندوة تحت عنوان " لبنان العودة الى ما قبل 25 أيار 2014" بدعوة من "نادي ليونز مونت ليبانون باين هيلز"، وحضور وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الوزيرة السابقة منى عفيش، المدير العام وزارة الطاقة والمياه فادي قمير ونقيب المحامين جورج جريج، على "ضرورة اعتماد التوازن والتعاون في الحكم بدل المخالفة"، اكد ان "عدم المشاركة في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ليس حقا دستوريا"، معتبرا ان "تعطيل هذه الجلسات هو استخدام سيئ للديموقراطية ويشكل انقلابا غير عسكري على الدولة".
واضاف: "استشهد بالتجربة اليونانية، على سبيل المثال لا الحصر، حيث تعقد جلسات نيابية لانتخاب رئيس فاذا فشل المجلس النيابي يصار الى حله والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة. وفي تونس، تحدث الدستور عن مهلة لتأليف الحكومة من قبل من يتم تكليفه، فاذا انقضت هذه المهلة تمدد ثلاثة اشهر فقط. وفي هذا المجال كان عندنا المجلس الدستوري لتفسير مواد الدستور، لكن المادة 19 أزيلت فعطل المجلس فاذا كان لرئيس الجمهورية مهلة 15 يوما لتوقيع المرسوم فهذا يعني ان ليس للوزير دقيقة واحد بل عليه ان يوقع فورا. وهذا خلل في التطبيق وليس في الدستور. وهذا ما هو غير دستوري وهو بالاساس اعتمد خلال فترة التحكيم السوري لتمكين بعض الوزراء من التفرد بالقرارات خلافا لارادة رئيس الحكومة".
وأضاف: "لقد راهنوا عام 2005، أي بعد الانسحاب السوري من لبنان، على انقسام الجيش واللبنانيين لكن الرهان سقط، فلم ينقسم الجيش بل برهن انه قادر على خوض اقسى المعارك ضد الارهاب لأن غالبية الشعب اللبناني تحتضنه ولم ينقسم اللبنانيون ابدا بل بقوا شعبا واحدا، لكن الخلل والانقسام جاء في الادارة السياسية التي فشلت وعطلت واوصلت البلاد الى ما نحن عليه من فراغ على كل الاصعدة".
جريج
وقال نقيب المحامين جورج جريج في محاضرته: "تحية من القلب الى هذه المنطقة، الى المتن الغالي والعالي، تحية الى هذا المكان، والى هذه القاعة التي تشكل مساحة حوار دائم ومفتوح، وكانت الملتقى مع زملائي، المحاميات والمحامين، والمرتجى في انطلاقتي الثابتة الى "بيت المحامي" نقيبا. وتحية الى الأخ والصديق الاستاذ انطوان جباره، الرئيس المقدام، والخادم الوفي للجديدة - البوشرية - السد وأهاليها الأحباء. وتحية لمبادرة الليونز ولي بين هذه الجماعة الناشطة والفاعلة والعاملة، صداقات وزمالة وجوار. واسمحوا لي أن أخص الزميلين الأستاذين لويس ابو فرح وميشال ناهض. أما الشكر الأساسي فهو لك يا فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان الذي تركت الرئاسة بالدستور، ودخلت الوطن بالضمير، ساعيا مع الساعين الى الانقاذ بوقف الشغور وانتخاب رئيس للجمهورية. فشكرا لرعايتك وحضورك.
سأنحو بمداخلتي الى قراءة النظام السياسي اللبناني في القسم الاول منها على أن أعرض بعض عناصر المقاربة العلاجية في القسم الثاني.
مقدمة:
مشكلة لبنان مشكلتان: كل ماروني يريد أن يكون رئيسا، وكل غير ماروني يريد أن يصنع رئيسا. ومشكلة الرئاسة في لبنان مشكلتان: أن الدستور ليس الأول، الدستور وجهة نظر، وأن أي فريق قادر على التعطيل لألف سبب وسبب، فيجر معه إما مسايرة أو مكابرة، أو فقط بسبب إلتقاء المصالح، أكثر من فريق.
هي إذا حسابات سياسية في الداخل لدى المكونات كافة، وهي حسابات على مستويين: حسابات الموارنة المسترئسين، وهذا مشروع، وحسابات غير الموارنة المترئسين، الطامحين أن يكون الرئيس المقبل من فريقهم، وهذا ايضا مشروع ومن ضمن اللعبة السياسية التقليدية في لبنان. لكن، هذا التكتيك مقبول حتى 25 ايار الماضي، وهو يجب ان يكون تحفيزيا لا تعطيليا، وكان يجب ان يقود الى انتخاب رئيس قبل 25 ايار، وأصبح لعبة خطرة بعد هذا التاريخ.
من غير المقبول، ان تكون هذه الحسابات سببا في الشغور الرئاسي، في تعطيل هذه المؤسسة التي لم تتعطل حتى في زمن الحرب. واذا كان الدستور الكويتي يجيز التمديد لمجلس الامة في حالة واحدة هي حال الحرب، ففي لبنان حتى خلال الحرب الداخلية كنا ننتخب رئيسا للجمهورية. اليوم، الحرب الخارجية منعتنا من انتخاب الرئيس، بفعل هذا الاصطفاف الداخلي المرتبط في مكان ما بالمحاور الإقليمية، واجبرتنا على التمديد لمجلس النواب وهذا معيب بحق لبنان وبالسجل العدلي للبنان النظيف دستوريا وغير المحكوم بأي جناية أو جنحة شائنة في قضايا الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة.
والنتيجة تشغيل العداد منذ 25 أيار، وبتنا نحصي جلسات الانتخاب دفتريا، فصرنا في العدد 22 وهلم جرا. وتحولنا اعتبارا من 25 أيار متسولين، شحاذين، واقفين على رصيف الإنتظار، خبر من هذه الدولة الإقليمية على وضاعته يأخذنا الى فوق، وموقف من هذه الشخصية ولو من الصف الثالث في ذاك البلد يعيدنا الى تحت، ونفتش في عواصم القرار عما يشفي غليلنا، لكن صدقوني لسنا في صدارة الأجندات.
أولا: قراءة في النظام السياسي اللبناني
ان النظام اللبناني رغم كونه نظاما برلمانيا، الا أنه نظام خاص وهجين تتداخل فيه منظومتان على قدر كبير من التوازن: المنظومة السياسية والمنظومة الطائفية، مما يجعل النظام سياسيا - طائفيا بامتياز، بحدود متداخلة بين الدولة والطوائف.
والطائفية السياسية قائمة بالثقافة وبالامر الواقع وبالممارسة، واذا عدنا الى الدستور لوجدنا ان دستور عام 1926 اعتبر الطائفية السياسية مرحلة مؤقتة، ودستور الطائف عام 1990 إعتبرها مرحلة انتقالية.
ويجمع نظامنا ايجابيتين حولتهما الممارسة الى سلبيتين: فمن جهة، قيام نظام سياسي مستوحى من الانتظام الديموقراطي الغربي وهذا تجسد في الدستور اللبناني، ومن جهة ثانية، تكريس توازنات وضوابط طائفية، وهذا ما ترجمه الميثاق الوطني. ومع هذا التوازن الهش، سيبقى هشا أيضا الاستقرار السياسي والأمني.
ويحضرني هنا ما كتبه رجل القانون الدكتور أنطوان عازار في مقالة له سنة 1979 في صحيفة Orient Le jour:
IL y a deux ordonnancements qui se superposent, l'un qui régit la vie politique selon les normes de la démocratie occidentale, et l'autre qui régit la vie politique selon les impératifs de notre coexistence communautaire.
أنا لست هنا الليلة لألقي باللائمة على أحد، بل لأقرأ في النظام وفي الممارسة السياسية. اللوم الاساسي نتحمله نحن، نحن سعينا الى تقوية الذات بدل الدولة، والى تعزيز الولاء الطائفي على الوطني، والى الإستعانة بالخارج على الداخل.
هذه هي أساس المشكلة، ليست المشكلة في الدستور فقط، المشكلة في أسلوب مقاربة مفهوم الدولة وبنائها، وستبقى قائمة كل ست سنوات في الرئاسة، وكل أربع سنوات في النيابة، وفي كل حين في التعيينات التي تحكمها السياسات والمحاصصات والتركيبات.
وبدل أن يكون عندنا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس يفيء في ظلها كل الإنتشار اللبناني، انقسمنا بين ولاية ومملكة، وبين الخليج وايران، وانقسم الشارع، وتواجهت الطائفتان، واحتار المسيحيون، فاختاروا مرغمين أن يكونوا نصفين في عملية إلحاق غير مسبوقة في تاريخ لبنان، واختار الدروز الوسط الايجابي، فيؤيدون أو يعارضون أو يمتنعون بحسب كل حالة. والنتيجة انقضاء المهل، ودخول حقبة الشغور، وأخطر ما فيها تعويد اللبنانيين بحيث يقبلون بالأمر الواقع، وتدجين النظام بحيث يدخل منظومة جديدة تقوم على إنهاء الوظيفة الوطنية والسياسية للرئاسة الاولى، وتوزيع عائداتها ومكانتها ورمزها بالتوازن والتقاسم بين الرئاستين الثانية والثالثة.
وهنا لا أريد أن أكون من جماعة توما، ومع التأكيد سلفا على موقفي الشخصي وموقف نقابة المحامين كجماعة تطالب بالدولة المدنية، وربما كانت صدفة ليس إلا، لكن يجب تبديد هذا الشك:
وكأن هذه المواجهة في المنطقة وتاليا في لبنان بين الطائفتين الكريميتين، السنة والشيعة، انسحبت وطنيا على رئاسة الجمهورية، فتجاذبتاها، وأنهكتاها، وحيدتاها سلبا كي لا أستخدم مصطلح التعطيل الذي يفترض تهمة، وأنا لا أحب الإتهام العشوائي، فتوازنت الطائفتان في الشارع وفي السياسة، في الوطن تواجهتا، وفي الدولة تقاسمتا السلطة، فكنا أمام رئيس لمجلس النواب ورئيس للحكومة، دون أي وجود لرئيس الجمهورية.
نعم هكذا تبنى المثالثة، بتوازن ثنائي يصبح معه الفريق الثالث مضطرا الى القبول بالمثالثة شرطا للافراج عن رئاسة الجمهورية.
لقد نصت مقدمة الدستور على ان النظام اللبناني هو نظام برلماني قائم على الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات. والسؤال الى أي مدى نظامنا السياسي يترجم قاعدة التوازن بين السلطات في ضوء التعديل الدستوري الأخير في 21/9/1990 الذي جعل السلطة التشريعية أقوى من السلطة التنفيذية، فتحرر مجلس النواب من حق السلطة التنفيذية بحله الا لأسباب تكاد تكون تعجيزية، فرجح المجلس بسلطاته على رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء معا من خلال حق الرقابة ومنح الثقة وسحبها، خاصة وان مجلس النواب هو من "ينتخب" بين مزدوجين رئيس الحكومة من خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية. وهذه الاستشارات ليست ملزمة باجرائها بل بنتائجها أيضا.
وبالتالي تم تعطيل سلطة اساسية كان يحق لرئيس الجمهورية استعمالها لتجاوز المآزق الدستورية والاحتكام الى الشعب الذي هو مصدر السلطات من خلال حل المجلس والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة.
وبعد التعديل الأخير للدستور، تحول رئيس الجمهورية من رئيس للسلطة الإجرائية إلى رئيس للدولة، ورمزا لوحدة الوطن.
ارتفع لقبه وتقلصت صلاحياته، وهذا لا يستقيم والدور المعطى له كرمز للوطن ورئيس للدولة بكامل عناصرها، أي الأرض والشعب والمؤسسات. فكيف والحال هذه، يكون رئيس الجمهورية قادرا على النهوض بمسؤولياته المحددة في الدستور وهي بشكل أساسي أربعة: السهر على إحترام الدستور، والمحافظة على إستقلال لبنان، ووحدته، وسلامة أراضيه، دون امتلاكه الصلاحيات اللازمة لذلك.
كيف يكون قادرا على حمل الجميع، مؤسسات ورئاسات وقيادات، على احترام الدستور، وقد جرد من السلطة الزاجرة بحل مجلس النواب وبإقالة الحكومة. بل حرم من أي توقيع منفرد، إلا التوقيع على مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة بحسب المادة 54 من الدستور.
وكيف يكون رئيس البلاد قادرا على صون الإستقلال والوحدة الوطنية من دون أن يعطى حق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، وهذا الحق مقيد بموافقة رئيس الحكومة استنادا الى قراءة دقيقة للفقرة 12 من المادة 53 من الدستور ولمحاضر مجلس النواب خلال تعديل هذه المادة.
وأكثر من ذلك، فقد سجل أكثر من موقف متحفظ بل معترض على ترؤس رئيس الجمهورية أي جلسة لمجلس الوزراء في غياب رئيس الحكومة رغم حضور نائب رئيس مجلس الوزراء. ففي أيلول 1990، اعترض الرئيس سليم الحص وكان رئيسا للحكومة، على عقد جلسة لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية الياس الهراوي في غيابه، وكان موجودا خارج لبنان. كذلك رفض مفهوم الاجتهاد الذي يقول بعدم تعطيل أعمال مجلس الوزراء خلال غياب رئيس الحكومة، رافضا أيضا أي دور لنائبه حال غيابه.
وإمعانا في تقليص صلاحيات رئيس البلاد ضمن مربع نهائي، ومنعا لأي اجتهاد أو عرف قد يكرسان سابقة جديدة، كان رفض لمبدأ تفويض النواب رئيس الجمهورية اختيار من يرغب في التعامل معه في رئاسة الوزراء خلال الاستشارات النيابية الملزمة، لمنعه من التصرف بأصوات من يودعه إياها من النواب وتجييرها لمن يرى فيه شريكا في رئاسة مجلس الوزراء. وأذكر هنا أزمة التكليف عام 1998 حيث اعتذر الرئيس رفيق الحريري عن قبول تكليفه رئيسا للحكومة من رئيس الجمهورية إميل لحود، معترضا على ما آلت إليه الإستشارات النيابية الملزمة من نتائج خصوصا لجهة إعتبار أن قيام 31 نائبا بتفويض رئيس الجمهورية حق إختيار من يراه مناسبا لرئاسة الحكومة مخالف لأحكام الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور، وهي مادة اعتبرها الرئيس الحريري ميثاقية.
الرئيس الحريري محق دستوريا لكن هذا السلوك الذي أيده أيضا خلفه الرئيس سليم الحص يدل على أزمتين: أزمة ثقة بين الرئاستين، وأزمة صلاحيات، كل رئيس يريدها له بالاستئثار لا بالشراكة.
وكيف يكون رئيس الجمهورية قادرا على المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وقد جرد من سلطة القيادة العليا للقوات المسلحة، ورغم أن المادة 49 من الدستور أناطت به صلاحية ترؤسه المجلس الأعلى للدفاع وقيادته العليا للقوات المسلحة، فالترؤس لا يعني سلطة القرار بدليل ترؤس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء عندما يحضر من دون أن يكون له حق التصويت، فسلطة القرار تعود لمجلس الوزراء.
ويقول الراحل الدكتور جورج سعاده، في كتابه عن الطائف في معرض مناقشة المادة 49 من الدستور ان "عبارة القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، تمت مناقشتها في الطائف، وكانت الغاية واضحة وهي منح رئيس الجمهورية لقب شرف أكثر من لقب عملي، فرئيس الجمهورية لا يستطيع إستخدام الجيش من دون أن يعود إلى مجلس الوزراء". ويؤكد الرئيس حسين الحسيني هذه القراءة ويقول: "لا حق لرئيس الجمهورية في الإمرة على الجيش، فالأمر لمجلس الوزراء. وكم من مرة انتقد فيها الرئيس سليم الحص كلام الرئيس الياس الهراوي أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش".
وأكثر من ذلك، حتى حق الكلام استكثر على رئيس البلاد. صحيح انه بعد التعديلات الدستورية، انتقلت السلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعا، وأصبح رئيس الحكومة بموجب المادة 64 من الدستور هو الذي يمثل الحكومة ويتكلم بإسمها. وهذا التعديل لم يحرم الرئيس الياس الهراوي الادلاء بتصريحات ومواقف للاعلام عبر فيها عن سياسة الدولة والحكومة وبرامجها، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الحكومة سليم الحص، وخضع الأمر لمجلس الوزراء الذي ناقش الموضوع، وخرج الرئيس الحص بعد الجلسة ليعلن بشكل ناعم لكن واضح كل الوضوح، أن "الرأي كان مجمعا على حق رئيس الجمهورية في مخاطبة اللبنانيين بكلام توجيهي وطني، وبأن التعبير عن سياسة الحكومة وشؤون الدولة في شتى المجالات هو حسب الدستور من حق رئيس مجلس الوزراء، وأن التحدث عن شؤون كل وزارة يعود للوزير المختص".
ثانيا: في المقاربة العلاجية
ان الحديث المتنامي عن إسترجاع بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية، يهدف الى انتظام عمل المؤسسات، وليس الى ضمان تمثيل الموارنة بسلطة وازنة داخل الدولة. وإزاء هذا الواقع الذي قد يطول شغورا دون سقف، يقتضي البدء بالتفتيش عن حلول غير تلك القائمة على الإستعانة بصديق أو برفيق من المنطقة أو من عواصم القرار. حلول بالجراحة لا بالسياحة. أصبحت مقتنعا بأن السياحة الى الخارج هي سبب بعض مشاكلنا، وبأن الجراحة باتت ملحة، جراحة موضعية وموضوعية بالدستور وفق المدلولات التالية، مع التأكيد سلفا على قيمة دستورنا المكتوب بحبر الميثاق، وهو مادة نادرة لا يمكن استحضارها من اليباس، أو استيرادها على القياس.
فليكن حوار واحد بدل الحوارين، حوار وطني مسؤول على جدول أعماله بند واحد، انتخاب رئيس للجمهورية، والدعوة الى انتخابات نيابية تلغي قانون التمديد الجائر.
يحضرني هنا ما قاله يوما الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران:
"Dans les moments de crises, il ne suffit pas de parler la même langue mais surtout le même langage".
فليكن تعديل المادة 49 من الدستور بما يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات تسمح له بتطبيق دوره المحدد في هذه المادة لجهة كونه الضامن والساهر على حسن تطبيق الدستور، على أن يطال التعديل أيضا آلية انتخاب الرئيس لتصبح كالتالي: ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى، نصابا وانتخابا، بالنصف زائدا واحدا في الدورتين الثانية والثالثة، وفي حال عدم اكتمال النصاب في ثلاث دورات متتالية، يحل رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء مجلس النواب ويدعو الى انتخابات نيابية مبكرة.
ان رئاسة الجمهورية هي المنصب - الرمز الاول في البلاد، واذا كانت موازنة الدولة، وهي لا شك من الأساسيات الوطنية، سببا لحل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية في حال رد المجلس الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل، بحسب نص المادة 65 من الدستور، فإنه من باب أولى حل المجلس حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية كائنا ما كان السبب، عدم رغبة أو عدم قدرة.
اعطاء رئيس الجمهورية حق اعادة الاستشارات النيابية بتأليف الحكومة بعد مرور ستين يوما على صدور مرسوم التكليف دون التمكن من التأليف.
اعطاء رئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية حق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد عملا بالمادة 53 من الدستور.
تحديد مهلة دستورية لتوقيع المراسيم من رئيس الحكومة والوزراء وتلك الصادرة عن مجلس الوزراء.
وضع مشاريع القوانين المعجلة والقوانين المعادة الى المجلس النيابي سندا للمادتين 57 و58 من الدستور على جدول اعمال اول جلسة يعقدها المجلس النيابي بعد ورودها اليه.
ان أميركا وايران اتفقتا على النووي، واللبنانيون ما زالوا مختلفين على جنس رئيس الجمهورية. فهل نبقى كالمتسولين في العواصم، واقفين على أبواب السفارات، نفتش عن مساعدة من الخارج، عن حماية، عن وصاية تملي علينا القرار وتقلنا بالحافلات الى ساحة النجمة لرفع الأصابع انتخابا.
اذا كنا نهوى هذا المسار، فلنستمر في العربدة الديموقراطية. واذا كنا نريد الاستغناء عن خدمات الغير في سيادتنا، اذا كنا نريد أن نبقى محترمين لدى الجميع، في الرياض وفي طهران وفي كل العواصم. اذا كنا نود زيارة الطائف والدوحة وسان كلو وولاية الفقيه برأس مرفوع، وخطى ثابتة، فلنبادر من دون استئذان الى إنتخاب رئيس الجمهورية، والا لن تبقى جمهورية.
لست شخصيا من هواة التنظير، أو التحليل، بل هو الوجع الوطني الذي وجه كلامي والذي اعتبره محاولة صادقة لإيقاظ النائمين ودعوتهم لحراسة الجمهورية التي انهار أول مدماك فيها باستبدال الإنتخاب بالتمديد، وانهار المدماك الأساسي بالإجازة المفتوحة لرئاسة الجمهورية التي يعلم الجميع لماذا انعقدت جلسة الإنتخاب الأولى أصولا، وتعطلت كل الجلسات اللاحقة، لكن لا أحد يعرف متى يعود الترشيد الى مجلس النواب كهيئة ناخبة، فيلتئم وينتصب (نسبة الى نصاب) وينتخب؟ وكما كتبت في افتتاحية النشرة، المجلة الدورية التي تصدرها نقابة المحامين والتي كان لها شرف استضافة فخامة الرئيس بمقابلة وطنية، وقد صدر عددها الأخير بعنوان: رئاسة الجمهورية، ما أجمل الأمس، كتبت: دعونا نفتش عن الرئاسة قبل الرئيس، فهي مهددة بالإنقراض، وتحتاج الى محميات تقيها القنص الآتي من كل جهة، أما الرئيس فلا خوف عليه، ولا خوف منه، كائنا من كان، سيكون رئيس لبنان ورئيس اللبنانيين.
دعونا ننتخب اليوم، دعونا نتعامل بإيجابية وحضارة، بالدستور والقانون، إلا إذا كان المطلوب جر البلاد إلى السلبية، نقابة المحامين أيجابية بطبعها وطبيعتها ودورها، فلا ترغموها على السلبية، وهل المطلوب تعطيل العدلية لوقف تعطيل الجمهورية.
لا نريد أن يكون لبنان بندا في جدول أعمال الكبار والصغار، أو طبقا على موائد الدول، أو حفرة في ورشة أشغال ننتظر من الخارج ردمها. إما أن يقرر اللبنانيون الإمساك بجمهوريتهم والنهوض بها بالدستور، بالقانون، بالسلطة الواحدة، بالوحدة الخالصة، أو لا لبنان مستقلا، لا لبنان مستقرا، لا لبنان حرا. بل سنكون أمام لبنان ممرا، ولبنان معبرا ولبنان فندقا ومنتجعا ومكان استحمام واستجمام.
جاءت الفرصة بعد سحب الجيش السوري في لبنان، للبننة العمل السياسي، لكن للاسف بددنا هذا الامل، لكن نقابة المحامين لن تتراجع عن الهدف: الرئيس والمجلس والحكومة صناعة لبنانية.
فيا أيها اللبنانيون اتحدوا، ولا تخسروا وطنا لا بديل له بين الأوطان، يا أيها اللبنانيون اتعظوا، ولا تبددوا وطن الرسالة، يا أيها اللبنانيون تلبننوا، ولا تفقدوا دولة لكم لتربحوا دولا لسواكم، آن لنا أن نخرج من المعادلات الخارجية ونعطي كليتنا للوطن فهو حاجة للجميع ووفي حاجة الى الجميع، مسيحيين من كل الاتجاهات، ومسلمين من كل الاتجاهات، لبنانيين في اتجاه واحد لبنان".
وألقى حاكم اندية الليونز كلمة شكر فيها الرئيس سليمان والنقيب جريج على كلتيهما. وفي الختام، تسلم الرئيس سليمان والنقيب جريج ورئيس بلدية الجديدة دروعا تذكارية.
9\4\2015
إرسال تعليق