الحوار هو الآلية المثالية لترويض المشكلات والصراعات والحؤول دون ارتدادها على المجتمعات والدول شراً وحروباً وانقسامات. وللحوار مصطلحات ومفاهيم متعددة ومختلفة، وكل حوار ينطلق من حاجة ناتجة عن حالة أو ظروف أو أحداث. والحوارات الوطنية، تهدف الى التفاهم على خيارات تحتاجها المجتمعات الغارقة في صراعات مسلحة، أو تلك التي تشقها الانقسامات والتباينات... وما يُراد من الحوار هو الوصول الى قواسم مشتركة والانطلاق منها الى أسس واضحة ومفاهيم محددة وممنهجة، تقود المتحاورين الى حالة سليمة والى سلام العيش. يتسم المتحاورون بالصراحة وبصدق النوايا تجاه بعضهم البعض، على أن يكون أفرقاء الحوار على استعداد تام لسماع الرأي الآخر ومناقشته بالمنطق وبذهنية متحررة من القيود. وعلى المتحاورين، الشركاء في المسؤولية الوطنية، أن يكونوا قادرين وملتزمين التوصيات والقرارات الصادرة والمتفق عليها.
بُنيت فلسفة "لبنان" الوطن والدولة على الحوار والوفاق والتفاهم على العيش الواحد. ووُلد استقلال لبنان متلازماً مع الميثاق الوطني في السنة 1943، هذا الميثاق الذي أكد حيادية لبنان، تجاه الصراعات العربية، مع تأكيد التزامه القضايا العربية، لا سيما "فلسطين".
بعدما فعلت الحرب على أرض لبنان، في 1975، فعلها الشنيع في البشر والحجر، عُقدت جلسات حوارية عديدة في لوزان وجنيف عامي 1983، و1984، وفي العام 1989 استضافتها المملكة العربية السعودية وأُقرت نتيجتها وثيقة الوفاق الوطني وعُرفت "باتفاق الطائف"، هذه الوثيقة اعتمدت كدستور جديد.
جاء في الفقرة "ي" من الدستور اللبناني: "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"...
بعد "الطائف" سار لبنان على خطى استعادة "الدولة" والمؤسسات، وشهد مرحلة من الاستقرار وإعادة الإعمار، الى أن هزّته جريمة العصر، إذ تمّ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005، لم يجد رئيس مجلس النواب نبيه بري بُداً، في العام 2006، من الدعوة الى حوار داخلي لاحتواء وتخفيف تداعيات وارتدادات تلك الجريمة النكراء الكبرى. وفعلاً تمّ هذا الحوار وشاركت فيه الأطراف اللبنانية، وعُقدت سبع جلسات صدرت عنها "قرارات مهمة" لم تطبّق مع الأسف. في أيار 2008 انتخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، وقد أولى منذ بداية عهده وحتى اليوم الأخير من ولايته اهتماماً خاصاً بالحوار الوطني.
جلسة الحوار الأولى في عهد سليمان عقدت في 2008/9/16 ووضع في بدايتها هيئة الحوار الوطني في جو وإطار "المصارحة والمصالحة" و"التشديد على التوافق من أجل صون السلم الأهلي في وجه ما يعصف بالمنطقة من نزاعات".
الجلسة الأخيرة لهيئة الحوار الوطني انعقدت في 2014/5/5 وتوافق المجتمعون فيها على بنود عدة. أبرزها: التأكيد على أهمية استمرار عمل هيئة الحوار الوطني، استمرار السعي لتنفيذ مقررات هيئة الحوار الوطني، التأكيد على أهمية تطبيق اتفاق الطائف والحرص على المحافظة على المناصفة والعيش الواحد، التشجيع على احترام الاستحقاقات الدستورية الرئاسية والنيابية، وتجنّب الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، وذلك من طريق تأمين النصاب القانوني الواجب لذلك. ولم يلتزم قسم من أفرقاء "هيئة الحوار الوطني" بها.
وعمل اللجنة التحضيرية، التي تشكّلت من مختلف شرائح المجتمع اللبناني ومن أفراد تطوّعوا تلبية لدعوة الرئيس سليمان وإيماناً منهم بأهمية الحوار وضرورته، استمر على امتداد سنوات العهد الست، ومن خلال 142 جلسة وكان لها الفضل الكبير في إرساء القواعد الحوارية الكبرى والخطوط الوطنية الجامعة.
بعضهم يسأل اليوم أو يتساءل، عن جدوى الحوار وفائدته، للإجابة نقول، إن كل ما سبق من قرارات مهمة جاء نتيجة حوارات عديدة... صحيح أنها لم تُطبق مرحلياً، بسبب مصالح سياسية آنية لدى البعض، لكنها لا تزال قائمة وتحتفظ بأهميتها. ولا يمكن لأحد إلغاءها أو تخطيها ولا بدّ من أن يُصار الى تطبيق هذه المقررات والالتزام بها، لعُمق ارتباطها بالمصلحة الوطنية العليا.
لماذا الحوار... اليوم؟
لأن المجلس النيابي مصاب بالشلل، ولأن الحكومة قائمة، بحكم الضرورة لتجنب الفراغ التام.
كيف سيستمر "الحوار"؟
الجواب في غاية السهولة والوضوح، علينا انتخاب رئيس الجمهورية يعيد إطلاق الحوار الوطني في قصر بعبدا إيماناً برمزيته، حوار يعيد عمل المؤسسات الى انتظامه تحت مفاهيم ومبادئ وطنية محددة وفي إطار وطني "مثمر" لا "معطّل" على ما هي حالتنا اليوم، حوار يُعيد للوطن قيمته الحضارية التفاعلية وللدولة هيبتها ولكل مواطن لبناني كرامته وعزّته.
ناظم الخوري - النهار 22\4\2015
إرسال تعليق