0
يكاد مغزى التصعيد المتدرج للمواقف المتناقضة من تأجيل تسريح قادة الاسلاك العسكرية، تختصره عبارة مربكة، غير مبررة، تحت وطأة التصلب الحالي: إما ينكسر الرئيس ميشال عون او ينكسر قائد الجيش العماد جان قهوجي.

ليس ثمة ما يشير الى تبدّل في ما قاله الرئيس ميشال عون قبل اكثر من شهرين لأحد زواره من المسؤولين البارزين: في حزيران اما شامل روكز قائدا للجيش او لا حكومة.
مذذاك، قرر وضع مصير حكومة الرئيس تمام سلام في كفة، في مقابل كفة تأجيل تسريح ثان لقائد الجيش العماد جان قهوجي. ما أُرغم على القبول به في المرة الاولى عام 2013، لن يكتفي بعدم التسليم به، بل سيجعل وزره ثقيلاً على الافرقاء جميعاً، حلفائه قبل خصومه، بغية تأكيد اصراره على رفض بقاء قهوجي في منصبه.

قبل شهرين، كان معظم المواقف لأفرقاء في قوى 8 و14 آذار على السواء ينبىء سلفاً بتأجيل ثان لتسريح قهوجي، ويصفه بأنه حتمي لتفادي حصول شغور في قيادة الجيش. استندت حجة هؤلاء الى تكهنهم بأن الحليف الرئيسي لعون، وهو حزب الله، اكثر المتحمسين لتأجيل التسريح واستمرار قائد الجيش في منصبه في الوقت الحاضر، في خضم خوض الحزب حروباً اقليمية تتطلب ظهيرا له في الداخل، وعند الحدود الشرقية. 

قال هؤلاء ان في وسعه اقناع عون مجدداً بالموافقة على تأجيل التسريح كعام 2013 «لأن امعاء حزب الله خارج بطنه، على الارض». حينذاك لم يلوّح رئيس تكتل التغيير والاصلاح، كما الآن، بالخروج من الحكومة والتسبب بتعطيلها، وإحراج حلفائه جدياً لحملهم على الانضمام اليه او الافتراق عنه.
 
الا ان اقتراب مطلع حزيران، وهو موعد احالة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص على التقاعد، احال خيار عون اكثر صدقية واستعدادا للمجازفة بمصير حكومة سلام. ما يبدو عون جازما فيه، هو ان لا يبقى قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية بعد ايلول المقبل سواء خلفه العميد شامل روكز ام حل سواه.

بل بات موقفه اكثر وضوحا على ابواب رفع وتيرة التصعيد هذا الاسبوع، على نحو اكثر حزما بالنسبة اليه تبعا للخيارات الآتية: يريد روكز قائدا للجيش، الا انه لا يمانع في ان يحل الضابط الاقدم رتبة وهو قاضي التحقيق العسكري في الجنوب العميد عماد القعقور على رأس الجيش، بعد احالة رئيس الاركان اللواء وليد سلمان على التقاعد في آب، ومن بعده قهوجي الشهر التالي. على القائد الحالي ان يرحل في كل حال.

يلاحظ عون ان المبررات التي سيقت حيال التأجيل الاول للتسريح لم تعد قائمة. خلافا لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت في طور تصريف الاعمال بعد استقالتها، عندما اقدمت على الخطوة تلك، ولم يكن في وسعها والحال هذه عقد اجتماع لمجلس الوزراء لتعيين قائد جديد للجيش، ناهيك بأن تصريف الاعمال يحظّره عليها، تبدو حكومة سلام اذ تجتمع دوريا وتتخذ قرارات، مكتملة المواصفات الشرعية والدستورية لممارستها صلاحياتها كاملة، وقادرة تاليا على تعيين قائد جديد.
 
خياران آخران متاحان امام عون يتوخى بهما الهدف نفسه: اولهما، موافقته على ما يشبه «مبادلة» اكثر منها «مقايضة» بينه وبين تيار المستقبل، بتعيين روكز قائداً للجيش ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. أثير تلازم التعيين للمرة الاولى في اجتماع عون والرئيس سعد الحريري في 19 شباط الماضي في بيت الوسط، في عشاء معايدة رئيس تكتل التغيير والاصلاح بميلاده. ظهر الرئيس السابق للحكومة منفتحاً على هذا التلازم، وطلب من ضيفه تسويق الفكرة لدى افرقاء آخرين دون موافقتهم عليها عقبات.

حينذاك جال عون على الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط واستمزج رأي حزب الله، واجتمع الوزير جبران باسيل للغاية نفسها بالرئيس امين الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. كانت الحصيلة استعدادا اوليا للموافقة. سرعان ما تبخرت هذه الجهود مع انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن عشية القمة العربية في شرم الشيخ في 28 آذار، والرهان على تطورات وشيكة وحاسمة في المنطقة تقلب موازين القوى رأساً على عقب، وتوجب من ثمّ ابطاء المقايضة تحت وطأة توقع فرض امر واقع على الفريق اللبناني الخاسر. مذ ذاك عاد الكلام الى تأكيد تأجيل تسريح قادة الاجهزة العسكرية تباعا، واعتباره محتوما.
 
ثانيهما، موافقة عون بعد طول ممانعة ــــ وكاد يكون المعارض الوحيد ــــ على اقرار مشروع قانون تعديل سن التقاعد في الأسلاك العسكرية. بيد ان العرقلة لم تقتصر عليه وحده. بدوره قائد الجيش يعارض اقرار مجلس الوزراء مشروع القانون الذي كانت وضعته القيادة قبل نحو سنة، وأُهمِل في ادراج وزير الدفاع سمير مقبل ثمانية اشهر قبل احالته على الامانة العامة لمجلس الوزراء. الى الآن لا مؤشر الى إدراجه في جدول الاعمال قريبا. يتحفظ سلام عن طرحه على مجلس الوزراء قبل تيقنه من امراره بتوافق الافرقاء جميعا بلا استثناء. بدوره قهوجي لم يرسل الى السلطة الاجرائية حتى الآن اي اشارة ايجابية الى تسهيله البحث في المشروع ما دامت قيادته المعنية الرئيسية به، خصوصا وان رفع سن التقاعد ــــ سواء تم تأجيل تسريحه ام لا ــــ لا يستفيد منه سوى بسنة ونصف سنة فقط، فيما يمنح القانون روكز ثلاث سنوات اضافية في الخدمة، ناهيك بأن مفعول تأجيل تسريح القائد ينتهي عند انتخاب رئيس للجمهورية.
 
والى ان يصبح مشروع قانون حلا وسطا يرضى به الافرقاء جميعا، ويتيح بقاء قهوجي في منصبه من دون تعريض الحكومة لخطر الشلل، ولا افقاد اي من الضبّاط فرصة الوصول الى القيادة، يظل تأجيل التسريح معلقا على طواحين الهواء.

نقولا ناصيف - الاخبار 21\4\2015

إرسال تعليق

 
Top