0
قبل نحو عشر سنوات، أرسلتني هيئة الإذاعة البريطانية الـBBC في مهمة تدريبية الى اليمن. تدريب طواقم تلفزيونية في اليمن أتاح لي التنقل في كل اليمن من شماله الى جنوبه. صنعاء، عدن، الحُديدة، المُكلا، مدن حتى التاريخ يصرخ فيها اتركوني والتفتوا الى المستقبل. وثمة من يرفض ويُعاند.

في تجوالي رصدت توق الطبقة الوسطى اليمنية الى الثورة على المفاهيم القبلية والتحجر الديني، ولكن الطبقة الوسطى في اليمن واقعة بين جهل طبقة العامة وخبث الطبقة الحاكمة.

من اليمن جاءت أروع صورة للربيع العربي، حين مُنحت السيدة توكل كرمان جائزة نوبل لنضالها السلمي في سبيل حقوق الإنسان والتجديد الديني في اليمن. السيدة كرمان أقامت خيمة في ساحة وصرخت في وجه علي عبدالله صالح. لاحق الشعب علي عبدالله صالح الى مسجد في قصره الرئاسي وفجَّره فنجا من الموت بأعجوبة. وذهب صالح الطالح الى السعودية للعلاج، ثم عاد ليحاربها اليوم!

مهماتي التدريبية في اليمن أعطتني دروساً مهمة في السلوك الاجتماعي للشعوب. ولأن هذه الموضوعات تحتاج الى كتب ومجلدات لإحاطتها، أكتفي بوقائع قليلة، دلالاتها مهمة لمن يريد أن ينطلق من معادلات اليمن الحقيقية حتى لا يصل الى استنتاجات وخلاصات خاطئة عما يحصل هناك.

في اليمن نسبة المنقبات اللواتي يرتدين البرقع تفوق النسبة في أية دولة إسلامية، ولكن المرأة اليمنية وراء برقعها ثائرة وقائدة وكلمتها كلمة عند زوجها. البرقع هنا مركز إدارة وسيطرة أكثر منه التزام أو إخضاع! اليمنيات جميلات والأكثر نحافة بين نساء الخليج. إذا أردت أن تعرف لماذا نجح الربيع في اليمن فتش عن المرأة. فتش عن توكل كرمان والآلاف من مثيلاتها. غابت توكل كرمان عن السمع والبصر وغاب ربيع اليمن.

في مدينة المُكلا، ولحسناواتها أغنية عربية شهيرة “يا بنات المُكلا يا دوا كل علة”. سألتني إحدى المتدربات عن ديني، بعدما لاحظت كثرة استعمالي “صباح الخير” بدلاً من “السلام عليكم”. وكم كانت دهشتها عظيمة عندما عرفت أنني مسيحي. وستندهشون أكثر عندما تعرفون سبب دهشتها! الصحفية اليمنية تعرف أن ثمة مسيحيين في لبنان، ولكن مسيحيين وينطقون باللغة العربية؟ هذا كان فوق قدرتها على الخيال! وبعد شرحي أفضال الرهبان والأديار في الحفاظ على هذه اللغة من التتريك، أجابت اليمنية بالعينين الخضراوين: الله يخزي الحكومة يلي ما تقول لنا الحقيقة! المسيحي اللبناني هو من يدعى جورج وأنطوني ورودولف وينطق بالفرنسية. أما أن يكون اسمه أمجد، فهذا أمر حجبته الحكومة عن شعبها!

في كل المدن اليمنية حزن زملائي كثيرًا كلما فارقتهم، وقالوا: عد يا أخ. عادة يقولون “أخ” للمسلم، وقال لي زميل في الحُديدة أنت “أخ” وسأظل أناديك ب “الأخ”، ولو كنت مسيحياً على مذهب مارون!

مقابل هذه العاطفة، وفي محافظة حضرموت وبالتحديد في المنطقة التي جاء منها أسلاف أسامة بن لادن، سمعت شيخاً يتوسط صبية في ساحة أحد المساجد وهو يروي كيف أن الله كان يرسل برقاً ليسقط طائرات الأميركيين في العراق. سمعته بأذني. مرافقي اليمني علق على معلومات الشيخ بالقول: يا ريت جورج بوش يأتي ويخلصنا من هذا الشيخ. بن لادن من هنا ولا يزال هنا وليس من العراق!

ولمعلومات السيد حسن نصرالله المنطق الذي يروجه دفاعاً عن موقف إيران في اليمن ينطلق من معادلات لا تسري على هذا البلد وشعبه. فالسلوك القبلي سريع التقلب السياسي، وكما كان علي عبدالله صالح عدو الأمس للحوثيين، قد يصبح عدو الغد. المعادلة المثيرة للإبتسام هي محاولة نصرالله إضفاء مسحة تحرر شعبي على حركة الحوثيين. فالتحرر الشعبي وعلي عبدالله صالح خطان لا يلتقيان. فصالح كان أحد أقدم الزعماء العرب في احتكار السلطة.

من نافذة فندقي في عدن لاحظت أن الشمس تشرق من وراء البحر وتغيب وراء الجبال. بعكس ما قد يرى نصرالله عندما يستيقظ وينام في مقر آمن فوق الأرض.

أمجد إسكندر - المسيرة 16\4\2015

إرسال تعليق

 
Top