0
«ليس أكثر من تقطيع وقت». كل ما يجري وتحوطه هالة وهمية من الإيجابيات هو دليل على رغبة في تمرير الوقت ريثما ينضج شيء من الطبخات التي يعدّونها للإقليم... وعندئذ يعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وبانتظار ذلك فالمنطقة الرمادية هي التي تسود في لبنان، وليس سواها.

من هنا يفهم هذا التهافت على مبادرات يفترض أنها إيجابية في المطلق، ولكنها لم تحقق شيئاً على الأرض، فباستثناء حوار الرئيسين سعد الحريري وميشال عون الذي أسفر عن قيام هذه الحكومة، لم يلمس اللبنانيون أي خطوة عملية ملموسة.

فحتى الزيارة التي قام بها، أمس، العماد عون الى النائب وليد جنبلاط كان يمكن أن تشكل حدثاً وخرقاً كبيراً. ولكن، في تقديرنا والمعلومات، انها لم تتجاوز اللياقات وإن كنّا، شخصياً، نتمنى أن تبلغ أفقا أوسع.

في هذا السياق نلاحظ الجمود الكبير المهيمن على الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والذي يعرف قارىء هذه الزاوية كم بنينا عليه من آمال عريضة. وللإنصاف نقول إننا ما زلنا غير فاقدي الأمل، إلاّ أننا (مثل معظم المسيحيين) بدأت الشكوك تساورنا في التوصل الى نتيجة إيجابية بارزة.

في سياق مواز نرى الى الحوار الدائر بين تيار المستقبل وحزب الله فلا نجد انه يمكن أن يصل إلى أي حلحلة في التشنج السياسي الوطني العام لجهة حل واحدة أو أكثر من العقد التي تعرقل مسار إنطلاقة الدولة في لبنان.

واللافت أنّ اللقاء التشاوري الذي إنطلق في دارة الرئيس العماد ميشال سليمان ثمّ عرّج على دارة الرئيس الشيخ أمين الجميّل في سن الفيل ليعود فيحط أمس عند سليمان يدور في فلك من الحياء والخَفَر لدرجة يتعذر معها تفسير التردد. فمن قائل (من ضمن هذا اللقاء وعلناً : يمكن مراجعة التصريحات الصادرة عن المعنيين) إن الجلسة الأولى في دارة سليمان هي الأولى والأخيرة ولن تعقد جلسة ثانية في هذا الحوار، الى قائل إن جلسة سن الفيل عبرت من دون أن تكون دليلاً على تواصل اللقاءات، الى من أعلن أن الإجتماعات ليس لها صفة تنظيمية، فقط هي للتشاور «عند الضرورة»… الخ... وهذا ما كان صفة ملازمة لكل لقاء سابق. فلماذا هذا التردد والخجل؟ ولو كان لنا أن نبدي رأياً لتمنينا أن يكون هذا اللقاء التشاوري مدخلاً الى الإعلان عن قيام قوة ثالثة أكثر ما يحتاجها لبنان في هذه المرحلة. ذلك أن الإنقسام العمودي الحاد (جداً...) بين فريقي 14 آذار و 8 آذار محكوم بعدم التقدم خطوات إيجابية، ويحكم على لبنان بالجمود... هذا الجمود الذي لا يمكن فهمه إلاّ من زاوية «كربجة» البلد وشلّ قدراته وتقزيم طموحات شعبه.

ونغتنمها مناسبة لنشدد على ضرورة إعلان «قوة ثالثة» فعلية. ولقد سبق أن نادينا بها غير مرة، ولا نزال نؤمن بأنّ مثل هذه «القوة» ستبدأ بداية بمثابة الحصاة التي تلقى في هذا المستنقع الآسن لتحرّك مياهه نحو سيل لطيف يمهّد لانطلاقة سياسية جديدة. نقول هذا من دون أن نعني أسماء بالذات، ولا حتى جماعة «اللقاء التشاوري» الذين لهم تموضعهم على كل حال. ولنذكّر بأن لبنان عرف دائما «قوة ثالثة» في الأزمات الكبرى مرّة كانت تضم هنري فرعون وبيار إده وغسان تويني وآخرين...

فهل نحلم وردياً لنستيقظ على كابوس؟ وهل يكون الإنقسام العمودي قضى على الآمال كلها في قيامة ما؟

خليل الخوري - الشرق 18\3\2015

إرسال تعليق

 
Top