0
كم كنت أتمنى وأرغب، في ان ما قاله الرئيس العماد ميشال سليمان خلال زيارته نقابة الصحافة ظهر أمس، ان يقوله، وبالعفوية عينها وبالتفصيل عينه أمام الرأي العام اللبناني وغير اللبناني..
 
فعلى مدى ساعة ونصف الساعة، ساح الرئيس سليمان في تقليب صفحات الماضي والحاضر، منبهاً من مخاطر حقيقية على المستقبل، ان لم يطرأ تعديل جدي، وجذري على سلوكيات القوى السياسية في لبنان، وعلى المستويات كافة... وعلى مستوى «نظام الحكم»، ابتداء من قانون جديد للانتخابات النيابية (من ضمن المناصفة) يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى قاعدة النسبية بحيث يكون النائب، نائباً عن «الأمة» حقيقة وممارسة، ومسؤولاً أمام اللبنانيين كافة... مروراً باعادة النظر بصلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعت منه في ظل ظروف لم تكن مؤاتية لاصلاح النظام بما يفضي الى اعطاء الجميع حقوقهم من دون تهميش أي أحد من الافرقاء والمكونات السياسية وغير السياسية في لبنان، وصولاً الواقع الراهن الذي تتوزع عناوينه بين ما يجري في المحيط الاقليمي، ومحاربة الارهاب، ومسؤولية الدول الخمس الكبرى في هذه المحاربة، الى تحصين الساحة الداخلية اللبنانية ابتداءً من تعزيز قدرات الجيش اللبناني على المستويات كافة وعودة المتورطين في الأحداث السورية من الافرقاء اللبنانيين، عن تورطهم، وانتخاب رئيس للجمهورية ينهي الشغور الرئاسي الذي دخل شهره العاشر، والتزام «اعلان بعبدا» بحرفيته فلا يبقى كل طرف يتصرف على هواه وأمزجته، او وفق مصالحه الداخلية والخارجية، مع التأكيد ان «ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة» لا يمكن ان تستقيم اذا تعرض أحد أركانها للضرر، او لضربة، او لخلل ما.. من دون ان يقطع «شعرة معاوية» مع «حزب الله». نافياً كل المقولات التي تتحدث عن «ان ذهاب «حزب الله» الى سوريا، هو الذي أتى بالارهاب الى لبنان»...

لقد أجرى الرئيس سليمان، خلال لقائه مجلس نقابة الصحافة قراءة، كانت في مكان ما، «مراجعة نقدية»، وفي مكان آخر شرحاً مستفيضاً لما كانت عليه مواقفه خلال رئاسته، وبالتحديد خلال السنتين الأخيرتين، اللتين حفلتا بتطورات لافتة، لم يكن بامكان لبنان ان يبقى بمنأى عنها، او بمنأى عن تداعياتها...

ليس من شك في ان هناك خللاً ما، في «دستور الطائف»، يمس صلاحيات رئيس الجمهورية، البعض قرأ فيها «تعديلاً في صلاحيات الرئيس» هو أوضح أنه لم يسمها «تعديل صلاحيات» فالرجل يدرك معنى ان يدخل في هذا النفق... هو يعرف ان غياب المرجعية، من شأنه ان يعقد ادارة البلاد، على النحو الذي تشهده الآن، كل ما أراده هو اجراء «تعديلات تسهل العمل»، من بينها تشكيل الحكومة، انتخاب رئيس الجمهورية، مسألة اتخاذ القرارات، على سبيل المثال لا الحصر...

لم تكن عينه على تمديد ولايته الرئاسية، وعندما فوتح من قبل الفرنسيين بذلك، أبدى وجهة نظره، وقال ما حسم أمر عدم التعاطي معه على أنه راغب في التمديد، او مستعد للمبادلة بتمديد الولاية، سنة ونصف سنتين... ومنذ كان قائداً للجيش، شعر بأن عليه ان يقدم شيئاً لهذا الوطن، الذي دفع أثماناً باهظة في «لعبة الأمم»... لم يكن يشعر بحرج ان يقحم نفسه في كل ما يمكن ان يؤدي الى تعزيز مناعة الوطن ووحدة الشعب والمؤسسات... قالها بالفم الملآن: «أنا لا أستطيع ان أكون لا دخل لي في ما يجري...» ولم يلتفت الى ما يمكن ان يتعرض له من هجمات... فمن يريد ان يدخل في مسألة الأوطان عليه ان يتوقع كل ما يخطر وكل ما لا يخطر على بال... و«إلا أعتذر عن القيام بما قمت به تجاه وطني، وأنا مجبر به، انسجاماً مع مبادئي وأخلاقي...».

لا يخشى العماد سليمان الاعتراف، «بأننا فشلنا في ادارة الوضع العام في لبنان، وفي ادارة شؤون اللبنانيين، الذين يستحقون الأفضل»، وهو من أجل ان لا يتكرس الفشل، قرر ان يستأنف المسيرة وهو متمسك بقانون انتخابات نيابية جديد، يقوم على مبدأ النسبية، ويكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، لا تلغي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين... فأي قانون جديد، هو برأي الرئيس سليمان، «أفضل من العودة الى الوراء...» من دون ان يقفز من فوق مطلبه التاريخي في «الغاء الطائفية السياسية، تبدأ بقانون انتخابات لا تجعل المسيحي ينتخب المسيحي ولا المسلم ينتخب المسلم، بل بالمشاركة الحقيقية، التي لا تقوم على القاعدة الطائفية في الانتخابات...».

ماذا عن المستقبل؟!. والرئيس سليمان بات حاضراً يومياً في اللقاءات والاتصالات والمشاورات؟ في هذا لا يملك جواباً حاسماً جلياً... سوى أنه سيواصل مساعيه ولن يتخلى عن دور رسمه لنفسه، ولن يتردد في الدعوة الى اعطاء انتخاب رئيس الجمهورية أولوية على ما عداه... فرئيس لبنان «هو رئيس عربي مسيحي، وهذه نقطة قوة...».

يبدو واضحاً من خلال كلام الرئيس سليمان، ان الحوار مسألة مهمة، لكن الحوار يصبح ثقيلاً اذا كان لاضاعة الوقت... «الحوار لأجل الحوار لا يفيد... وليتوجه الجميع الى مجلس النواب وينتخبوا أي رئيس... سواء جاء بالاجماع، او بالأكثرية، او بالتوافق...» فلبنان، أمام تحديات بالغة الخطورة تتمثل بالارهاب المستشري والذي تتحمل الدول الخمس الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن مسؤولية في انهائه... وجيش لبنان يقوم بالواجب وهو لديه العقيدة والارادة لمحاربة الارهاب، وهو سيكون أكثر قدرة مع سريان تنفيذ الهبات التي قدمت له...» محاربة الارهاب واجب الدول ولا يجوز المضي في سياسة «التطنيش» والطلعات الجوية لا تكفي... والارهاب يتمدد وقد وصل الى أوروبا ويمكن ان يصل الى أماكن أخرى..

يحي جابر - الشرق 28\2\2015

إرسال تعليق

 
Top